الردع خيار أميركي أمام تصعيد الميليشيات في العراق

بغداد - يشكل القصف الأميركي الذي استهدف مؤخرا الحدود السورية العراقية رسائل تهديد واضحة للميليشيات الشيعية في العراق التي تعمل على تقويض مصالح الولايات المتحدة بالمنطقة بتوجيهات إيرانية، وأنها لن تفلت من العقاب في حال استمرت في خوض الصراع بالوكالة تنفيذا لأجندة النظام الإيراني.
وفيما تعتقد واشنطن أن المزيد من الضربات على مواقع المجموعات المسلحة الحليفة لإيران تكفي لردعها عن تهديد المصالح الأميركية في العراق، وإضعاف تلك المجموعات لدعم جهود رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي في استعادة قرار مؤسسات الدولة وفرض القانون، إلا أن جهود الكاظمي المدعومة أميركيا لم ترتق إلى مستوى تحقيق أهدافها في حصر السلاح أو فرض الأمن والاستقرار.
وترتبط المجموعات الشيعية المسلحة الحليفة لإيران تنظيميا وإداريا بهيئة الحشد الشعبي وتتلقى رواتب مقاتليها من ميزانية الدولة العراقية.
وهيئة الحشد الشعبي مؤسسة أمنية عراقية رسمية مرتبطة بمكتب القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء الكاظمي، الذي حضر الاستعراض المركزي للحشد بمحافظة ديالى على الحدود مع إيران بمشاركة المجموعات المسلحة الحليفة لطهران في 26 يونيو الماضي.

جون كيربي: الطائرات الأميركية نفذت عملية دفاعية دقيقة ضد منشآت تستخدمها ميليشيات عراقية
وفي وقت تسعى فيه بعض مراكز القرار الأميركي إلى تعزيز قدرات القوات الأمنية العراقية لإضعاف المجموعات الشيعية المسلحة، وبالتالي إضعاف النفوذ الإيراني، ثمة اتجاه أميركي آخر يفضل التملص من التزامات اتفاقية الإطار الاستراتيجي الموقعة عام 2008 بين واشنطن وبغداد، وإلغاء ترخيص استخدام القوة العسكرية الذي سمح للرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش (الابن) بغزو العراق “لإقامة نموذج ديمقراطي بديل عن نظام صدام حسين”.
وبموجب ترخيص استخدام القوة العسكرية، أمر الرئيس الأميركي جو بايدن في 27 يونيو بتوجيه ضربة جوية على ثلاثة مواقع تستخدمها المجموعات المسلحة على الحدود العراقية السورية.
وتواجه إدارة بايدن انتقادات من قبل ديمقراطيين في الكونغرس لعدم حصول الإدارة على إذن مسبق قبل توجيه الضربات في أجواء من التساؤل عن جدوى هذه الضربات ومدى قدرتها على الردع وحماية أرواح الأميركيين في العراق.
ووفقا للمتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية جون كيربي، نفذت طائرات أميركية ضربات جوية في “عملية دفاعية دقيقة” على ثلاثة مواقع بعد منتصف ليل الأحد الماضي و“ضد منشآت تستخدمها ميليشيات مدعومة من إيران في منطقة الحدود العراقية السورية”.
ونُفذت الضربات الجوية على موقعين في سوريا وموقع في العراق لردع الهجمات المستقبلية على المصالح الأميركية بعد أن أدخلت المجموعات المسلحة الطائرات المسيرة في هجماتها.
وهي مواقع لمنشآت عملياتية وتخزين أسلحة في موقعين سوريين وموقع عراقي على الحدود بين البلدين “تستخدمها ميليشيات مدعومة من إيران تشارك في هجمات بطائرات بلا طيار ضد أفراد ومنشآت أميركية في العراق”.
وجاءت الضربات بتوجيه من الرئيس بايدن في أعقاب “هجمات جماعات مدعومة من إيران، تستهدف المصالح الأميركية في العراق”.
ووفقا لوسائل إعلام محلية، أسفرت الضربات الأميركية عن مقتل أربعة أفراد من الحشد الشعبي وإصابة آخرين من كتائب “حزب الله” و”سيد الشهداء” العراقية.
ورفضت الحكومة العراقية ووزارة الدفاع الضربات الأميركية وانتهاك سيادة العراق وأمنه، أو أن يكون العراق “طرفا في أي صراع أو مواجهة لتصفية الحسابات على أراضيه”.
وهدد الأمين العام لكتائب “سيد الشهداء” أبوآلاء الولائي بأن “تنسيقية المقاومة أخذت على عاتقها الرد على الانتهاكات الأميركية” وأن “عملية الرد ستكون قاسية”.
وتوعدت كتائب “حزب الله” الولايات المتحدة بالانتقام، معلنة أن “قرار الثأر تم اتخاذه”.
وسبق لإدارة بايدن أن وجهت ضربات جوية مماثلة في 25 فبراير الماضي ضد مواقع المجموعات المسلحة الحليفة لإيران على الحدود العراقية السورية، بعد تعرض الجناح الخاص بالقوات الأميركية في مطار أربيل الدولي لهجوم في الـ14 من ذات الشهر.
وأعلنت حينها وزارة الدفاع الأميركية أن 14 صاروخا استهدفت قاعدة أميركية في أربيل (شمال)، 4 منها أصابت مباني فيها، أسفرت عن مقتل متعاقد مدني وإصابة 5 أميركيين من بينهم جندي.
وأثبتت الضربتان الأميركيتان في 25 فبراير و27 يونيو الماضيين أن استراتيجيات إدارة بايدن لا تختلف كثيرا عن استراتيجيات سلفه دونالد ترامب في التعامل مع التهديدات التي تتعرض لها أرواح ومصالح الأميركيين في العراق وسوريا.
ويُعتقد أن الضربات الجوية الأخيرة جاءت ردا على تعرض مركز الدعم الدبلوماسي الأميركي الذي من مهامه تأمين الدعم العسكري والأمني واللوجستي للدبلوماسيين الأميركيين بالعراق لهجوم بطائرة مسيرة في 9 يونيو الماضي، ألحق أضرارا بمبان ملحقة بالمركز وإصابات بين منتسبيه.
ويربط محللون بين تصعيد هجمات المجموعات المسلحة ومفاوضات فيينا بين المجموعة الدولية وإيران بمشاركة غير مباشرة من الولايات المتحدة، لإعادة إحياء الاتفاق النووي 2015، بعد انتهاء صلاحية اتفاقية المراقبة النووية بين طهران والوكالة الدولية للطاقة الذرية في 23 مايو الماضي، ورفض إيران تمديدها رسميا أو تسليم تسجيلات أجهزة المراقبة للوكالة الدولية.
ومنذ وصول بايدن إلى البيت الأبيض يناير الماضي، تعرضت قواعد عراقية تستضيف أميركيين وأرتال الدعم اللوجستي، لأكثر من أربعين هجوما بالصواريخ والطائرات المسيرة والعبوات الناسفة، منها خمس هجمات بطائرات مسيرة، ردت عليها الولايات المتحدة بضربتين جويتين “محدودتين” على الحدود العراقية السورية وداخل سوريا.
كما يرى محللون آخرون أن الرد الأميركي على هجمات المجموعات المسلحة من شأنه تقويض جهود المجموعة الدولية في التوصل إلى اتفاق مع إيران في مفاوضات فيينا حول ملفها النووي.
لكن ضربات 25 فبراير الماضي، التي جاءت ردا على ثلاث هجمات صاروخية تعرضت لها القواعد الأميركية في العراق، تزامنت مع مبادرة الولايات المتحدة للتفاوض مع إيران لقبولها بالعودة إلى الامتثال للاتفاق النووي، مقابل رفع تدريجي للعقوبات الأميركية، وهو ما رفضته طهران.
لذلك فإن الضربات الأميركية على المجموعات المسلحة لم تؤثر على مفاوضات إيران مع المجموعة الدولية في فيينا، التي استمرت حتى الجولة السادسة في 20 يونيو الماضي، ومتوقع استئنافها أوائل يوليو الجاري.
وهذا لا ينفي حقيقة أن إيران تحاول دون جدوى الاستثمار في توظيف النشاطات المسلحة للمجموعات شبه العسكرية الحليفة لها كأوراق سياسية في مفاوضاتها مع الولايات المتحدة والمجموعة الدولية حول ملفها النووي، أو للضغط على دول إقليمية مثل إسرائيل والسعودية.
وفي سعيها للموازنة بين الحفاظ على أرواح الأميركيين في العراق وردع تهديدات المجموعات المسلحة، ولتجنب التصعيد مع تلك المجموعات، استهدفت إدارة بايدن المجموعات في سوريا أو على الحدود العراقية السورية بعيدا عن مراكز تواجدها في بغداد أو في محافظات أخرى تشكل منطلقا للهجمات على القواعد والمصالح الأميركية أو أرتال الدعم اللوجستي.
وتعطي الضربات الأميركية على الحدود العراقية وفي الداخل السوري المزيد من اليقين برغبة الولايات المتحدة في الاتجاه نحو تخفيف حدة التوترات التي يمتنع الطرفان عن التصعيد والذهاب إلى مواجهات مفتوحة، حيث يدرك كلاهما أنه ليس من مصلحتهما الذهاب أبعد من هذه الهجمات المحكومة بسقف محدد.
ولا تنوي الولايات المتحدة الدخول في مواجهات مفتوحة مع المجموعات المسلحة الحليفة لإيران، أو توسيع نشاطاتها العسكرية في العراق أبعد من مهمتها بمساعدة القوات الأمنية العراقية في الحرب على تنظيم داعش. لذلك ستقتصر ردود الفعل الأميركية على توجيه ضربات جوية “محدودة جدا” تستهدف المجموعات المسلحة بعد هجمات تتسبب بفقدان أرواح جنود أو متعاقدين أميركيين في العراق.