الراستا في السودان حركة رفض وفن

اختار مجموعة من الشباب السودانيين أسلوب الراستا في ملابسهم معتمدين الفن والموسيقى للتعبير عن رسائلهم ورفضهم لمختلف أشكال الظلم والاستغلال والعنصرية، وقد واجه الراستافاريون المضايقات من السلطة وحتى المجتمع.
الخرطوم – يدرك عبدالله أحمد أن أسلوب الراستا الذي يعتمده بشعره الطويل المجدول وشغفه بموسيقى الريغي ونمط حياته، يمكن أن يكلّفه غاليا في بلد مثل السودان.
وتعود جذور حركة الراستا إلى الجامايكيين، وتكونت في العام 1930، ويعد ماركوس غارفي قائدها، لكن لا أحد يجزم بتاريخها في السودان، فهناك من رجح أنه بعد وفاة مغني الريغي الشهير بوب مارلي في العام 1981 نظم محبوه سرادق عزاء في منطقة الديم بالخرطوم.
والراستافارية في السودان، البلد ذي الغالبية المسلمة، هي حركة ثقافية أكثر منها روحية، ومنتسبوها ليسوا أتباعا للديانة التي أسسها ماركوس غارفي، إنما هم جماعة غارقة في محبة الأغاني الثورية، كما أنهم محبون للسلام والحرية.
ويعتمد الراستات الموسيقى والفن بمختلف ألوانه في بث رسالتهم ونشرها، وعبرها يكون تحقيق الهدف والانتصار وأن يهزم الإنسان ما لا يريده ويفرض عليه سواء كان نظاما سياسيا استبداديا، أو ظواهر وثقافات مجتمعية من أشكالها العنصرية والتمييز واللامساواة وغيرها من مظاهر الظلم.
وكان الراستافاريون في السودان يعيشون في الخفاء خلال فترة حكم عمر البشير الذي أطيح في أبريل 2019.
ومنذ أربع سنوات وأحمد مفتون بالراستافارية. وفي عام 2017 أوقفت الشرطة أحمد عندما كان يقدم عرضا لموسيقى الريغي في مكان عام، واتُهم بتناول المخدرات وحكم عليه بالجلد عشرين جلدة.
وكان أتباع الراستا يتعرّضون لمضايقات، وتحلق رؤوسهم في العلن بسبب قانون النظام العام الذي كان يحدّ من حرية ارتداء الملابس واختيار قصة الشعر.
واليوم، يربط أحمد رأسه بعصبة يتدلّى منها شعره الطويل المجدل جدائل رفيعة وكثيفة، ويضع على معصمه ربطة قماش بألوان زاهية. ويبدي إعجابه بمغني الريغي الشهير بوب مارلي الذي كان له علاقة وثيقة بالراستفارية.
ويقول أحمد الذي يُعرف باسم “ماكسمان” بينما يعزف مع أفراد فرقته أغاني الريغي في معرض للفنون التشكيلية في الخرطوم “الراستافارية تعني قول الحقيقة وأن تكون شجاعا والنضال من أجل حقوقك. إنها نمط حياة بالنسبة إلي”.
وتمتعت حركة الراستا بنفحة من الحرية أثناء تولّي المدنيين الحكم بمشاركة العسكريين بعد البشير، قبل أن يعود أنصارها ليشعروا بالتضييق بعد الانقلاب العسكري الذي قاده قائد الجيش عبدالفتاح البرهان قبل حوالي العام وأزاح المدنيين من السلطة.
ويضيف أحمد “شعرنا بحماس شديد عقب سقوط البشير، وأمِلنا في أن تزدهر الموسيقى والفنون”.
وتقول عفراء سعد ذات الخمسة وثلاثين عاما التي تعمل في إنتاج الأفلام من جهتها، إن أعضاء مجتمع الراستافاري أصبحوا مستهدفين من القوات الأمنية.
وقتل عدد منهم أثناء الاحتجاجات الشعبية ضد الانقلاب. وبعد موتهم، خرج بين المتظاهرين هتاف “الراستا لا يموت”، إلى جانب “المدنيون إلى الحكم”، و”العسكر إلى الثكنات”، بينما يمكن رؤية رايات تحمل صور بوب مارلي في التظاهرات الاحتجاجية.
وفي حملات التوقيف التي تسبق أو تلي الاحتجاجات المنتظمة التي لا تزال تخرج في السودان، يقول أنصار الراستا إنهم أول من يُستهدف بسبب شكلهم المختلف. وغالبا ما يخرج بعضهم من السجن مع رؤوس حليقة.
وتعاني سعد نفسها من “تحفظات” الناس على مظهرها. وتقول المرأة التي تجدّل شعرها الطويل أيضا “الاعتراض الأساسي هو لماذا تترك الفتاة جدائل شعرها؟”.
وترى أن الرفض يعود إلى أن “الصورة النمطية السائدة هي أن من يترك جدائل شعره هو شخص مدمن على المخدرات ويسلك سلوكا غير لائق”.
لكنها تؤمن بأن هذا الخيار كان جزءا من معركة النساء ضد الساسة والأعراف السائدة حينها، وتقول “أنا ببساطة لا أكترث (…) هذه هويتي ومن أنا”.
وبالنسبة إلى آخرين، إسدال ضفائر الشعر أو جدله أو اتباع أسلوب حياة يشبه الراستا هو تحدّ بحد ذاته.
وقال صالح عبدالله البالغ من العمر 26 عامًا والذي يسرّح شعره على شكل ضفائر قصيرة، إن هذه كانت طريقته في الاحتجاج على الانقلاب العسكري. وأضاف “نحن نرفض كل الانتهاكات التي تقوم بها السلطات”، متابعا “سأحتفظ بمظهر الراستا حتى يسقط النظام”.
وظهرت تأثيرات الراستا على لاعبي كرة القدم في السودان، وأبرزهم لاعبا الهلال محمد عبدالرحمن وفارس عبدالله، وفي نادي المريخ السماني الصاوي وعمار طيفور، وقد أبدى عدد منهم تعاطفه ومساندته لثورة ديسمبر خلال الاحتفال بإحراز الأهداف.