الرئيس الموريتاني يسير على رمال متحركة بتحديه المعارضة الداخلية والمخاطر الأمنية

نواكشوط – يحاول الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني التغلب على التحديات الداخلية والأمنية المحدقة بموريتانيا لإثبات نجاح نظامه منذ توليه الرئاسة في يونيو 2019، مستفيدا من نجاعة حملته ضد الفساد وقدرة بلاده على الصمود في وجه التهديدات الإرهابية التي تعصف بدول مجاورة.
وبينما يكثّف ولد الغزواني حملته لمكافحة الفساد التي منحته القدرة على إزاحة خصومه وتعزيز شعبيته، وفي الوقت الذي يواجه فيه جيرانه من الدول تمردات إرهابية متزايدة، يتحدث تقرير موسع نشرته مؤسسة “عرب دايجست” عن وجود فرص متاحة لنجاح البلاد في تحفيز مناخ الأعمال رغم المخاطر؛ وذلك بفضل رؤية ناجعة ينتهجها رئيس البلاد وهي محل إشادة دول غربية وخاصة بريطانيا.
وتعد الأخبار التي نشرت الأسبوع الماضي عن سجن الرئيس الموريتاني السابق محمد ولد عبدالعزيز دليلاً آخر على أن خليفته ولد الغزواني يعزز منصبه بقوة. ويجري التحقيق مع الرئيس السابق بشأن عدد من التهم المتعلقة بعائدات النفط وبيع ممتلكات الدولة وإغلاق شركة إمدادات غذائية حكومية وعقد تم توقيعه في عام 2010 يمنح شركة أسماك صينية صفقة مدتها 25 عامًا للوصول إلى المياه الموريتانية.
ووجهت الاتهامات إلى ولد عبدالعزيز، الذي حكم الدولة الواقعة في غرب أفريقيا من 2009 إلى 2019 وبعد انقلابَيْ عامي 2005 و2008، وعشرة آخرين بينهم صهره ورئيسا وزراء سابقان وعدد من الوزراء. وفي مارس الماضي قال المدعي العام إنه تمت مصادرة أصول تقدر بحوالي 115 مليون دولار، بما في ذلك شركات وشقق وسيارات. ومن جانبه يصر ولد عبدالعزيز على أن الاتهامات تحركها دوافع سياسية يقف خلفها ولد الغزواني الذي شغل منصب وزير الدفاع في حكومته حين كان رئيسا للبلاد، وكان يعتبر في يوم من الأيام يده اليمنى.
وبالإضافة إلى حملة مكافحة الفساد ضد رئيسه السابق فإن ولد الغزواني مصمم على ترك بصمته في مؤتمر تغير المناخ في غلاسكو خلال نوفمبر القادم. ومتحدثًا في جلسة عبر الإنترنت في 23 يونيو برعاية مجلس الأعمال البريطاني الموريتاني قال السفير البريطاني الذي وصل مؤخرًا إلى نواكشوط كولين ويلز إن الرئيس الموريتاني “يعتبر مؤتمر تغير المناخ أولوية قصوى”. ووصف السفير الرئيس ولد الغزواني بأنه “قوي جدا في ما يتعلق بالتغير المناخي وقضايا التصحر وارتفاع منسوب مياه البحر”.
وترتبط هذه القضية بالمخاوف الأمنية مع تزايد الصراع على موارد المياه والأراضي الصالحة للزراعة. وتعد موريتانيا عضواً بارزاً في مجموعة دول الساحل الخمس، والأربع الأخرى هي مالي وتشاد والنيجر وبوركينا فاسو. وفيما انتشرت المنظمات الإرهابية المرتبطة إما بداعش أو بالقاعدة في منطقة الساحل بقيت موريتانيا الدولة الوحيدة التي نجت حتى الآن من التمردات الجهادية. ومع ذلك -وكما أشار السفير ويلز- فإن الخطر على موريتانيا يكمن في امتداد حدودها الطويلة مع مالي المجاورة.
وهناك استولى ضابط بالجيش على السلطة بعد أن قاد انقلابًا ثانيًا في تسعة أشهر. وتأكيدا على حالة عدم الاستقرار في دولة منكوبة بالفعل أصيب ما لا يقل عن 13 من قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في 25 يونيو في هجوم بسيارة مفخخة شمال مالي.
ومما يزيد المخاوف الأمنية التقارير التي تفيد بأن القاعدة توسع عملياتها في السنغال المتاخمة لجنوب موريتانيا، وتشترك الدولتان في حقل غاز أحميم الكبير الواقع في المحيط الأطلسي، كما تستثمر شركة “بي بي” بكثافة في هذا المجال.

وفي وقت سابق من هذا العام قال مشروع “كريتيكال ثريتس” محذّرًا “يستعد فرع القاعدة في مالي لشن هجمات في السنغال وغيرها من دول غرب أفريقيا الساحلية. أنشأ فرع من تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي قاعدة في مالي تسمح له بممارسة نفوذه في الدول المجاورة، وعلى الأخص بوركينا فاسو ولكن أيضًا في كوت ديفوار والآن السنغال. سيؤدي توسع الجماعة التابعة لجماعة نصرة الإسلام والمسلمين في غرب أفريقيا الساحلية إلى زيادة قدرتها على استهداف المصالح الأميركية والأوروبية في هذه المنطقة وربما خارجها”.
وإذا حدث هذا فسيؤدي بلا شك إلى المزيد من إخماد تحمّس شركة بريتيش بتروليوم لمشروع حقل الغاز أحميم. وعلى الرغم من ذلك أكد السفير البريطاني على وجود فرص عمل للشركات البريطانية. ووصف السفير شركة بريتيش بتروليوم بأنها “لاعب كبير”، وتحدث عنها بإيجابية، وقال إنها عملت على تعزيز صورة بريطانيا. ورأى ويلز أنه على الرغم من أن موريتانيا دولة كبيرة للغاية ذات سكان قليلين -وبالتالي فهي سوق محدودة- إلا أن “هناك فرصًا في مجال الطاقة المتجددة والتدريب والتعليم”.
وأكد أن الصبر والتفهم مطلوبان، مشيراً إلى وجود عدة تحديات وفي مقدمتها انقطاع التيار الكهربائي المتكرر، وحقيقة أنه لا توجد رحلات جوية مباشرة ولا طرق شحن مباشرة من المملكة المتحدة، والإقبال المنخفض للغاية على لقاحات كورونا. ورغم ذلك وصف ولد الغزواني بأنه يترأس “وضعًا مستقرًا للغاية” مع حكومة “ماهرة وذكية وتكنوقراطية تعرف كثيرًا ما لديها”.
ولئن عُدّ الأمن مصدر قلق في أماكن أخرى من منطقة الساحل وغرب أفريقيا فإن عدم الاستقرار الإقليمي المتزايد ليس له أي تأثير حاليّا في موريتانيا التي تتمتع بهيكل أمني مهم، وهو ما شجع السفير ويلز على بعث رسالة تحفّز على الاستثمار في البلاد مفادها “منفتحون على مجال الأعمال وودودون للغاية”.