الرئيس الصيني يكسر جدار كورونا

لئن حدّت جائحة كورونا من حركة الرئيس الصيني شي جين بينغ، الذي لم يغادر البلاد طيلة الفترة الماضية، إلا أن التوقعات التي تلاحق طائرته تكشف عن ترقب العالم لما تنوي الصين شقه من طرق سياسية واقتصادية جديدة في مرحلة ما بعد كورونا والغزو الروسي لأوكرانيا وما أحدثاه من متغيرات على الساحة الدولية.
بكين - خالف الرئيس الصيني التوقعات؛ إذ حط رحاله في كازاخستان، في أول رحلة يقوم بها إلى الخارج منذ بداية انتشار جائحة كورونا، وستستغرق زيارة شي ثلاثة أيام، يلتقي خلالها زعماء آسيا الوسطى في قمة شنغهاي للتعاون في أوزبكستان، وسيكون في انتظاره هناك الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وقد بات التنبؤ بخط سير طائرة الرئيس الصيني أشبه بتنبؤات الطقس؛ فقد أكدت صحيفة الغارديان البريطانية في أغسطس الماضي أن الرئيس الصيني سيزور المملكة العربية السعودية في منتصف الشهر، غير أن توقعاتها لم تتحقق ولم يصل إلى الرياض أي ضيف من الصين.
وعكس ذلك التوقع الفاشل من الصحيفة العريقة غفلة عن الواقع السياسي داخل الصين؛ إذ أن تلك الفترة من الصيف ليست وقتا مناسبا بالنسبة إلى مسؤول صيني كبير بوزن الرئيس شي للقيام برحلات خارجية، فهي فترة القرارات السياسية والحزبية والتعيينات الهامة وتتزامن مع خلوته السنوية في مقاطعة بيداهي.
تعقيدات الداخل والخارج
الشرق الأوسط وإن لم يكن المحطة الأولى لسفر الرئيس الصيني، إلا أنه لن يتجاهل المنطقة في الفترة القادمة
تلك الفترة لن تنتهي في سبتمبر؛ فالرئيس سيواجه استحقاق عقد المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي الصيني في السادس عشر من أكتوبر القادم، وفي مخططه الفوز بولاية ثالثة مدتها خمس سنوات، وقد استبعد المحللون أن يستقل الرئيس شي طائرته في القريب العاجل لحضور القمم الدولية، وهو الذي على أجندته رحلتان على الأقل، الأولى إلى آسيا الوسطى لحضور قمة منظمة شنغهاي للتعاون، والثانية إلى إندونيسيا في منتصف شهر نوفمبر القادم لحضور مجموعة العشرين، حيث يمكن أن يجتمع مع الرئيس الأميركي جو بايدن.
وبالنسبة إلى الصين تكتسي الرحلتان أهمية إستراتيجية؛ فقمة شنغهاي للتعاون والاجتماع مع بوتين من شأنهما أن يشيرا إلى تحالف أقوى ودعم أكبر من روسيا لمؤتمر الحزب القادم، كما ستستخدم بكين قمة مجموعة العشرين والاجتماع المباشر مع بايدن للتأكيد على قبول واشنطن لولاية شي الثالثة.
ويبقى الشرق الأوسط والسعودية على وجه الخصوص مهمين للصين في ما يتعلق بأمن الطاقة، ولتقويض النفوذ الأميركي في المنطقة، لكن في هذه اللحظة من الدورة السياسية الداخلية للصين لا يكتسي الشرق الأوسط نفس الأهمية التي تكتسيها روسيا أو الولايات المتحدة، وهذا هو سبب أن معظم تكهنات السفر الخاصة بالرئيس شي تتركز على المحادثات المحتملة مع بايدن وبوتين.
في هذه اللحظة من الدورة السياسية الداخلية للصين لا يكتسي الشرق الأوسط نفس الأهمية التي تكتسيها روسيا أو الولايات المتحدة
إذن متى سيفرش الشرق الأوسط السجاد الأحمر للرئيس شي؟ ستكون المناسبة الأكثر ترجيحًا هي القمة العربية – الصينية المزمع عقدها في السعودية أواخر هذا العام أو أوائل العام المقبل، وكان المسؤولون يتوقعون تلك الرحلة منذ أشهر. وبالنظر إلى الخطوات السباقة من غير المرجح أن يغير شي مساره ويلغي الحدث. ولا يزال بإمكان بكين جعل القمة افتراضية، لكن هذا لن يكون مُرضيًا للمنطقة أو للصين، وبناء على ذلك يمكن توقع زيارة فعلية إلى الشرق الأوسط من قبل الرئيس شي في أواخر العام الجاري أو أوائل العام المقبل.
صحيح أن الشرق الأوسط لم يكن المحطة الأولى لسفر الرئيس الصيني بعد حجر السفر الذي فرضه على نفسه، إلا أنه من غير الوارد أن يتجاهل الرئيس الصيني المنطقة بالكامل، حيث التزم قادة الصين الكبار الآخرون حضور القمم في الأشهر الأخيرة، واستقبل الشرق الأوسط في عام 2021 زيارات من القادة الصينيين أكثر من أي منطقة أخرى في العالم، بما في ذلك ثلاث رحلات إلى إحدى عشرة دولة قام بها عضو المكتب السياسي يانغ جيتشي ووزير الخارجية وانغ يي، كما استضاف الرئيس شي قادة مصر وقطر والإمارات خلال دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في بكين.
وهناك سببان رئيسيان يحكمان رغبة الصين في الحفاظ على علاقات دافئة مع الشرق الأوسط؛ الأول هو المصلحة المشتركة في تجاوز الاعتماد على الوقود الأحفوري، لأن مواجهة تغير المناخ وتحقيق الحياد الكربوني أصبحا من المسائل الملحة بشكل متزايد.
احتياجات مشتركة

كلا الجانبين يحتاجان إلى بعضهما البعض لتحقيق أهداف الطاقة الخاصة بهما؛ إذ تستورد الصين النفط والغاز من الشرق الأوسط لدعم طموحاتها في مجال الطاقة الخضراء، ويحتاج الشرق الأوسط إلى الصين كزبون مستقر وموثوق وسط انكماش السوق، وتعد الصين أيضًا موردًا مهمًا لتكنولوجيا الرياح والطاقة الشمسية في المنطقة.
ويتمثل السبب الثاني في أن الصين والعديد من دول الشرق الأوسط لها منظومة قيم متقاربة على صعيد السياستيْن الداخلية والخارجية، وأصبح ذلك التقارب قوياً إلى درجة أن قضية الأويغور -وهي قضية شائكة حول حقوق الإنسان بالنسبة إلى الغرب- لم تعد تشكل عقبة أمام توطيد العلاقات بين الصين والدول الإسلامية.
ولا يزال الشرق الأوسط مهمًا بالنسبة إلى الصين، وستنمو مصالح بكين الإستراتيجية في المنطقة فقط في عام 2023، حيث ستظهر الصين كقوة عظمى ناشئة، وتمتلك بكين قائمة كبيرة من الأهداف الخارجية، وسيتطلب تحقيق تلك الأهداف العديد من المحادثات والنقاشات.
وخلال رحلته الحالية سيروّج الرئيس شي “مبادرة الأمن العالمي” التي تم الإعلان عنها في أبريل الماضي، بعد أن شكلت واشنطن واليابان وأستراليا والهند مجموعة “الحوار الأمني الرباعي”، المعروفة أيضاً باسم “كواد”، لمواجهة سياسة بكين الخارجية.