الرئيس التونسي يبدأ إصلاح القضاء بوقف المنح والامتيازات

تونس - يمثل إصدار الرئيس التونسي قيس سعيّد مساء الأربعاء مرسوما ينص على "وضع حد للمنح والامتيازات" المخولة لأعضاء المجلس الأعلى للقضاء، خطوة لوقف نزيف الأموال التي يتمتع بها المجلس في إطار إصلاح المنظومة القضائية.
وقال بيان أصدرته الرئاسة عبر صفحتها الرسمية على فيسبوك إن "رئيس الجمهورية قيس سعيّد ختم مرسوما يتعلق بتنقيح القانون الأساسي عدد 34 لسنة 2016 المؤرخ في 28 أفريل 2016 المتعلق بالمجلس الأعلى للقضاء، وينص على وضع حد للمنح والامتيازات المخولة لأعضاء المجلس الأعلى للقضاء".
والمجلس الأعلى للقضاء مؤسسة دستورية يبلغ عدد أعضائها 45 عضوا، بعضهم منتخب وبعضهم الآخر معينون بالصفة، وتضمن في نطاق صلاحياتها حسن سير القضاء واستقلالية السلطة القضائية طبق أحكام الدستور والمعاهدات الدولية المصادق عليها.
وتنص الفصول بين 112 و117 من الدستور على مهام المجلس وصلاحياته ومكوناته وطرق انتخابه وتعيين أعضائه. ونظمت أول انتخابات للمجلس في الثالث والعشرين من أكتوبر 2016.
وبعد قراره تجميد البرلمان وتعليق العمل بمعظم مواد الدستور، يحق للرئيس سعيّد استنادا إلى الأمر الرئاسي 117 المتعلق بالتدابير الاستثنائية، ممارسة السلطة التشريعية، وإصدار المراسيم لتنظيم العدالة والقضاء.
وكان الرئيس سعيّد قال خلال اجتماع لمجلس الوزراء في الثلاثين من ديسمبر المنقضي، إنه ستتم مراجعة المنظومة القضائية ككل في تونس، ومنها الحقوق المخولة لأعضاء المجلس الأعلى للقضاء والتنظيم الإداري داخل المحاكم.
وعبّر الرئيس التونسي عن استيائه من المنح والامتيازات التي يتمتع بها أعضاء المجلس الأعلى للقضاء، وتحدث عن انتفاعهم بـ"منح شهرية تقدر بـ2364 دينارا وبوصولات بنزين تقدر بـ400 دينار لكل عضو".
وتحدث الرئيس عن السلطة الترتيبية التي يتمتع بها المجلس، وقال في هذا الصدد "إن السلطة الترتيبية التي تتمتع بها بعض الهيئات، يجب أن تمارس في إطار القانون، وليس خارجه"، مذكرا بأن وضع القانون المتعلق بالمجلس الأعلى للقضاء، كان "نتيجة لتدخل عدد من الأطراف غير المختصة، وجملة من قوى الضغط".
وفي تعليق على المرسوم الرئاسي، أعلن المجلس الأعلى للقضاء في تونس الخميس أن أعضاءه "سيواصلون القيام بمهامهم بقطع النظر" عن مرسوم الرئيس قيس سعيّد، بوضع حد لامتيازاتهم.
وأوضح رئيس المجلس يوسف بوزاخر في تصريح لإذاعة "شمس أف.أم" (خاصة) "نأمل ألا يكون هذا الأمر الرئاسي وسيلة للضغط على المجلس الأعلى للقضاء".
وأضاف أن "المجلس يتمتع بتسيير ذاتي طبق أحكام الدستور"، مشيرا إلى أن "الجلسة العامة في حالة انعقاد وستقدم رأيها في المرسوم، وأنه لا يمكن المساس بالبناء الدستوري للسلطة القضائية".
ومؤخرا، ساد جدل في الأوساط الحقوقية التونسية بشأن استقلالية القضاء، لاسيما في ضوء تصريحات للرئيس سعيّد، أكد فيها أن القضاء "وظيفة من وظائف الدولة"، وأن "استقلاله لا يعني البتة استقلالا عنها"، وذلك في تلميح إلى أن يستعد لتنقيح قانونه الأساسي بمرسوم رئاسي.
واشتعل النقاش حول استقلالية القضاء، منذ أن أعلنت وزيرة العدل ليلى جفال في أكتوبر الماضي، عن إعداد مشروع قانون يتعلق بالمجلس الأعلى للقضاء، ما أثار حفيظة العديد من القضاة.
واعتبر قضاة تصريحات وزيرة العدل تدخلا في الشأن القضائي، فيما فنّد الرئيس سعيّد ذلك، مشددا على أن إعداد هذا المشروع سيتم بإشراك القضاة أنفسهم.
وتطرق سعيّد خلال خطاباته في الفترة الماضية إلى القضاء، وكثيرا ما أكد أن القضاء "قضاء الدولة"، وأنه مستقل لا سلطان عليه غير القانون، و"لا طريق إلى تطهير البلاد إلا بقضاء عادل، وقضاة فوق كل الشبهات".
ويواجه القضاء التونسي منذ قيام الثورة التي أطاحت بالرئيس الراحل زين العابدين بن علي اتهامات بعدم الاستقلالية، خاصة بعد تولي القيادي في حركة النهضة الإسلامية نورالدين البحيري قيادة وزارة العدل إبان حكم الترويكا، حيث عزل العديد من القضاة وحل محلهم آخرون في سياق ما أسماه وقتها بتطهير القضاء.
وترى أوساط قضائية تونسية أن الحل يكمن في إصلاح القضاء لإنجاح مسار مكافحة الفساد، الذي بدأته تونس بعد إقرار جملة من الإجراءات الاستثنائية في الخامس والعشرين من يوليو الماضي.
وتعاني تونس منذ 2011 من تفاقم ظاهرة الفساد التي طالت العديد من القطاعات، رغم الحملات التي أطلقت لمكافحته، علاوة على العديد من الملفات الحساسة التي يُنتظر أن يبت فيها القضاء، على غرار الاغتيالات السياسية التي شهدتها البلاد بعد ثورة السابع عشر من ديسمبر.