الرئاسي الليبي يعمق التوترات باعتزامه تعيين محافظ جديد للمصرف المركزي

طرابلس – تتجه ليبيا إلى مواجهة سياسية جديدة بعد إعلان المجلس الرئاسي بقيادة محمد المنفي، الأحد، اعتزامه تشكيل مجلس إدارة جديد للمصرف المركزي مستغلا ثغرة في قرار كان مجلس النواب الذي يدعم حاليا المحافظ الحالي للمصرف، قد أوقف العمل به.
وأفاد المجلس الرئاسي، في بيان، بـ"اتخاذه قرارا بوضع قرار مجلس النواب رقم 3 لسنة 2018، بشأن انتخاب محافظ جديد لمصرف ليبيا المركزي وتشكيل مجلس إدارة جديد، موضع التنفيذ".
وجراء خلافات، لم يتم تنفيذ قرار 2018 القاضي بتكليف محمد عبدالسلام الشكري، محافظا للمصرف، حاليا يؤيد مجلس النواب المحافظ الحالي للمصرف الصديق الكبير.
وأوضح المجلس الرئاسي أن قراره "جاء بالإجماع من جميع أعضائه، في إطار تحمل مسؤوليته الوطنية للحفاظ على مقدرات البلاد ومنع تعرضها لأي ضرر".
وتابع "ستنطلق مفاوضات تضمن الانتقال السلمي (لإدارة المصرف) بين كفاءات وطنية راقية قدمت جهود مضنية لسنوات طويلة".
وأوضح إن "هذه التغييرات تأتي لتعزيز قدرة المصرف المركزي على القيام بمهامه بكفاءة وفعالية، بما يضمن استمرارية تقديم الخدمات المالية وتحقيق الاستقرار الاقتصادي".
وطمأن المجلس الرئاسي، المجتمع الدولي بأن "هذه الخطوة تأتي في إطار تعزيز الحوكمة والاستقرار المؤسسي".
وشدد على "التزامه بالتعاون مع كافة الشركاء الدوليين لضمان تنفيذ هذه التغييرات، بما يخدم مصلحة الشعب الليبي ويعزز مناخ الثقة داخليا وخارجيا".
كما حرص على أن "يطمئن المواطنين بأن هذه الخطوة تهدف إلى ضمان استقرار الأوضاع المالية والاقتصادية في البلاد".
ويرى مراقبون أن الخطوة التي يعتزم الرئاسي الليبي الإقدام عليها من شأنها أن تغذي التوترات في البلاد العضو في منظمة أوبك والتي لم تشهد سوى الفوضى لأكثر من عقد من الزمان، حيث تشهد انقساما في جميع مؤسساتها باستثناء المصرف المركزي الذي يعد الجهة الوحيدة المعترف بها دوليا فيما يتعلق بإيداع إيرادات النفط، وهي دخل اقتصادي حيوي للبلد المنقسم منذ سنوات بين حكومتين متنافستين في طرابلس وبنغازي.
ويرجح هؤلاء المراقبين أن أزمة المصرف المركزي ستتفاقم خلال الأيام القادمة كنتيجة حتمية للصدام بين رئيس حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها عبدالحميد الدبيبة ومحافظ المركزي، حيث ترغب سلطات طرابلس في إقالته بسبب إدارته للميزانية، مقابل تقاربه مع البرلمان الموجود في الشرق، الذي أعلن دعمه لبقائه في المنصب.
وبرزت بوادر الخلاف بين المصرف المركزي والحكومة في طرابلس منذ نهاية العام الماضي، حيث اتهم الصديق الكبير، حكومة الدبيبة بالتوسّع في الإنفاق العام، إلى جانب صرف المنح والإعانات، مشيراً إلى أن الدبيبة قدّم للشعب صورة وردية للاقتصاد الليبي، بما يعدّ تضليلاً للرأي العام.
ويأتي قرار الرئاسي الليبي بعد ساعات قليلة من إعلان المصرف المركزي تعليق أعماله كافة اعتبارا من الأحد، على خلفية تعرض أحد موظفيه لـ"الاختطاف" من جانب مجهولين، قبل أن يعود إلى بيته، وفق إعلام محلي دون إيضاحات.
وكان المصرف الليبي قد تعرض لمحاولة هجوم قبل أيام من قبل جماعات مسلحة في طرابلس، بهدف إزاحة المحافظ الصديق الكبير عن منصبه، وقد أكد مجلس النواب في بيان السبت أنه تابع محاولات عدد من الأشخاص السيطرة على مصرف ليبيا المركزي خلال اليومين الماضيين بدأت بالتحريض على اقتحام مقر المصرف ثم محاولة إيجاد مبرر لعزل محافظ المصرف المركزي بالقوة والتهديد، بحجة أن مجلس النواب سبق له اتخاذ قرار بتكليف محافظ جديد.
وسبق لمجلس النواب أن أقال الصديق الكبير مرة بسبب انتهاء ولايته في 2015 ومرة أخرى بسبب اتهامات له بدعم تيار الإسلام السياسي سنة 2019.
وأشار مجلس النواب إلى أنه يرفض رفضا قاطعا هذه التصرفات، ويطالب النائب العام بالتصدي لها واتخاذ كافة الإجراءات القانونية لحماية مصرف ليبيا المركزي، مصرف كل الليبيين ومستودع ثرواتهم، من العبث. وهي مسؤولية وطنية وأخلاقية قبل أن تكون قانونية واجبة.
ودعا مجلس النواب بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا إلى اتخاذ موقف واضح وجاد ضد هذه المحاولات العبثية وإحاطة مجلس الأمن بالمخاطر التي تهدد مصرف ليبيا المركزي.
وتراقب العواصم الغربية وعلى رأسها واشنطن عن كثب محاولات الدبيبة الإطاحة بمحافظ مصرف ليبيا المركزي، وتبدو أقرب إلى موقف سلطات شرق ليبيا الداعمة للصديق الكبير الذي كان قد أكد أن المصرف يتعرض لتهديدات متزايدة تطال أمنه وسلامة موظفيه وأنظمته، فيما حذر المبعوث الأميركي الخاص إلى ليبيا ريتشارد نورلاند من "محاولة استبدال المحافظ بالقوة".
وأكد نورلاند أن "النزاعات حول توزيع ثروات ليبيا يجب أن تحل من خلال مفاوضات شفافة وشاملة نحو تحقيق ميزانية موحدة تعتمد على التوافق".
وليس من صلاحيات المجلس الرئاسي تشكيل مجلس إدارة المصرف المركزي، لكنه وفق مراقبين يحاول استغلال ثغرة عبر الاستناد إلى قرار مجلس النواب لعام 2018 بشأن تكليف الشكري.
بينما يرى مجلس النواب أن مدة تكليف الشكري انتهت دون أن يباشر مهامه، لهذا أقرت رئاسة مجلس النواب، في تعميم على المؤسسات السيادية الجمعة، استمرار العمل بقرار هيئة رئاسة مجلس النواب رقم (25) لسنة 2023 القاضي بتفويض باختصاصات والمتضمن تكليف الصديق الكبير محافظا لمصرف ليبيا المركزي ومرعي مفتاح رحيل البرعصي نائبا للمحافظ.
وبعد مرور 9 سنوات من الانقسام، أعلن المصرف في 20 أغسطس 2023 عودته كمؤسسة "سيادية واحدة"، مشددا على حرصه على معالجة آثار انقسامه.
وتتنازع حكومتان على السلطة في ليبيا: الأولى برئاسة الدبيبة المتمركزة بالعاصمة وتدير منها كامل غرب البلاد، والثانية حكومة "الاستقرار" المكلفة من مجلس النواب، وتدير المنطقة الشرقية، ويرأسها أسامة حمّاد.
وفي 13 أغسطس الجاري، صوّت مجلس النواب، للمرة الثانية، لصالح سحب الثقة من حكومة الدبيبة، وهو ما رفضته الأخيرة.
وعمَّق وجود الحكومتين أزمة سياسية يأمل الليبيون حلها عبر انتخابات رئاسية وبرلمانية طال انتظارها منذ سنوات وتحول دون إجرائها خلافات بشأن قوانينها والجهة التنفيذية التي ستشرف عليها.