الذكاء الاصطناعي ينفخ الحياة في أجهزة الكمبيوتر الشخصي

صناعة أجهزة الكمبيوتر الشخصي شهدت تراجعا مستمرا خلال السنوات الماضية، لتعود ثانية وتحظى بالاهتمام بعد عملية تطوير شاملة تعتمد على الذكاء الاصطناعي، مثيرة مخاوف أمنية حاول رئيس “أوبن إيه آي” سام ألتمان التخفيف منها.
سياتل (الولايات المتحدة) - بعد الإعلانات المبهرة لأوبن إيه آي وغوغل عن أحدث ابتكاراتهما في مجال الذكاء الاصطناعي، وقبل أسابيع من الإعلانات المرتقبة لأبل في يونيو، كان دور مايكروسوفت هذا الأسبوع لعرض ابتكاراتها في التكنولوجيا التي تُعدّ بمثابة ثورة صناعية جديدة.
وكشفت الشركة العملاقة النقاب عن فئة جديدة من أجهزة الكمبيوتر الشخصية تسمى كوبايلوت بلاس “تتميز بوجود أدوات ذكاء اصطناعي توليدي مدمجة مباشرة في “ويندوز”، نظام التشغيل الرائد عالميا للشركة، وهو ما يعزز الآمال في أن تصبح أجهزة الكمبيوتر التي تعمل بالذكاء الاصطناعي “قياسية جدا” في عام 2025.
ويتوفر نظام ذكاء اصطناعي شبيه ببرنامج “تشات جي بي تي”، تطلق عليه مايكروسوفت اسم “كوبايلوت”، عبر منتجات الشركة، بما يشمل برنامجي “تيمز” و”أوتلوك” ونظام التشغيل ويندوز الخاص بها.
من جانبها كشفت شركة صناعة الكمبيوتر الأميركية “ديل تكنولوجيز” النقاب عن خط من أجهزة الكمبيوتر الشخصية مجهزة لمهام الذكاء الاصطناعي، مؤكدة على أنها ستساعد في تجديد شباب تلك الصناعة، حسبما أفادت وكالة بلومبيرغ للأنباء. ونقلت بلومبيرغ عن الرئيس التنفيذي للشركة مايكل ديل قوله في مقابلة: ”سنقوم بتسليم الأجهزة بكميات كبيرة في العام الجاري، وفي العام المقبل، ستكون قياسية للغاية”.
وستحتوي أجهزة الكمبيوتر التي تعمل بالذكاء الاصطناعي على وحدات معالجة عصبية، وهي نوع من الرقائق تهدف إلى تسريع عمل الذكاء الاصطناعي مثل تشغيل روبوت المحادثة. وأعلنت شركة “ديل” خلال مؤتمرها السنوي، أنه سيتم تصنيع هذه الرقائق بواسطة شركة “كوالكوم إنك” لأجهزة الكمبيوتر المحمولة.
وقال المسؤولون التنفيذيون في شركة ديل إن أجهزة الكمبيوتر تتضمن أيضا مفتاحا مخصصا لاستدعاء خدمة مساعد الطيار للذكاء الاصطناعي الخاصة بشركة ميكروسوفت كورب، التي تستخدم الذكاء الاصطناعي التوليدي، وهي تقنية تستجيب لطلبات المستخدمين الكتابية أو الشفهية، لأتمتة مهام العمل مثل تلخيص الوثائق وكتابة المذكرات.
لكنّ تراكم الجدل المثار حول الذكاء الاصطناعي خطف إلى حد ما الأضواء من شركات تكنولوجيا المعلومات العملاقة التي تصف نفسها بـ”شركات رائدة في مجال الذكاء الاصطناعي”. في المقابل حذر الخبير في الذكاء الاصطناعي غاري ماركوس من أنّ تشكّل أجهزة الكمبيوتر الجديدة “هدفاً كبيراً” لعمليات القرصنة الإلكترونية.
وأشار ماركوس عبر منصة “إكس” إلى أنّ “الحكومة الأميركية اتهمت مايكروسوفت أخيراً بارتكاب أخطاء خطرة في مجال الأمن السيبراني، ساعدت مجموعة من القراصنة الصينيين على اقتحام خوادمها للوصول إلى عناوين البريد الإلكتروني الخاصة بعدد كبير من المسؤولين”.
على الجانب الآخر دافع رئيس أوبن إيه آي سام ألتمان عن الذكاء الاصطناعي التوليدي الذي تعتمده شركته في نموذجها معتبرا أنه “آمن بما يكفي”، وحضّ الفاعلين في القطاع على تحقيق تقدّم سريع في هذه التكنولوجيا، على الرغم من الجدل المُثار راهناً حول الشركة المُبتكرة لبرنامج “تشات جي بي تي”.
وقال ألتمان، في كلمة خلال مؤتمر “بيلد” السنوي لمايكروسوفت، الشركة المستثمرة الرئيسية في أوبن إيه آي، إنّ تشات جي بي تي o4 “بعيد عن المثالية، ولا يزال أمامنا عمل كثير، لكنّه يُعدّ عموما قويا بما يكفي وآمناً لعدد كبير من المستخدمين”. وكان ألتمان توجّه الثلاثاء بالاعتذار إلى الممثلة الأميركية سكارليت جوهانسون بعدما اتهمت أوبن إيه آي بأنها نسخت صوتها واعتمدته لأداة المساعدة في تشات جي بي تي.
وعلّقت الشركة صوت أداة المساعدة “سكاي” الذي ابُتكر بواسطة الذكاء الاصطناعي واستُخدم خلال عرض قدرات نموذجها الجديد جي بي تي- o4. وقالت الممثلة التي رفضت استخدام صوتها، إنها “صدمت” من التشابه القوي. وقالت في بيان أصدرته الاثنين “في سبتمبر الماضي، تلقيت عرضا من سام ألتمان، الذي أراد اختياري لأكون صوت نظام تشات جي بي تي بنسخة o4 الحالية”. وأضافت “قال إنه يعتقد أن صوتي سيريح الناس”، مؤكدة أنها “رفضت العرض”.
وتابعت الممثلة قائلة “عندما سمعتُ العرض التوضيحي، شعرتُ بالصدمة والغضب وعدم التصديق لأن ألتمان طوّر صوتا يشبه صوتي بشكل مخيف لدرجة أن أصدقائي المقربين ووسائل الإعلام لم يتمكنوا من تسجيل أي فرق”. وشجّع ألتمان آلاف المطورين الذين يتابعون المؤتمر على “الاستفادة” من هذه “الفترة المميزة”، “الأكثر إثارة للحماسة منذ ابتكار الهاتف المحمول، أو حتى الإنترنت”. وقال “إنّ المرحلة الحالية لا تشكل الوقت المناسب لتأجيل أفكاركم أو انتظار الابتكارات المقبلة”.
وأشاد بأداء النموذج الجديد من تشات جي بي تي، قائلاً إنّ “السرعة والتكلفة مهمتان جدا. مع جي بي تي- o4 نجحنا في خفض سعره إلى النصف ومضاعفة سرعته”. وأكد أنّ “النماذج ستصبح أكثر ذكاءً” في المستقبل، معتبراً أنّ “هذا الجانب هو الأكثر أهمية”.
وينتاب عدد كبير من المراقبين والمسؤولين قلق إزاء السرعة الفائقة التي تنشر بها شركات التكنولوجيا الكبرى أدوات ذكاء اصطناعي متطوّرة ومشابهة للبشر بصورة أكبر. وتحتفي الشركات نفسها بالتقدم المتسارع الذي أحرزته، مؤكّدةً أنّ ما أُنجز حتى اليوم “ليس سوى البداية”.
لكنّ المشهد تتخلله بعض الأصوات المعارضة مثل يان لايكه، الرئيس السابق لفريق أوبن إيه آي المسؤول عن الإشراف على المخاطر المحتملة طويلة المدى للذكاء الاصطناعي الفائق الذي يتمتع بقدرات معرفية مشابهة لتلك الخاصة بالبشر.
وتقدم لايكه باستقالته في الأسبوع الفائت، وكتب عبر منصة إكس “يجب أن تصبح أوبن إيه آي شركة تضع سلامة الذكاء الاصطناعي العام فوق كل الاعتبارات الأخرى”. وغادر الشركة أيضا أحد مؤسسيها هو إيليا سوتسكيفر. وقد حلّت “اوبن إيه آي” الفريق ووزعت أعضاءه على فرق أخرى.
وأكد سام ألتمان الثلاثاء أنه سيتعامل بجدّية مع جانب السلامة لنماذج الذكاء الاصطناعي التي يزداد استخدامها على نطاق واسع على الرغم من الغموض في عملها. وشبّه الوضع بتناول دواء، قائلاً إنّ “الشخص يرغب في التأكّد من أنه آمن”.