الذكاء الاصطناعي يفك شفرة وحش البحار الأسطوري

فريق من العلماء يبتكر معادلة يمكنها التنبؤ بفرص حدوث الأمواج العملاقة، ما يجعل الملاحة البحرية أكثر سلامة.
الأحد 2024/01/07
صار بالإمكان توقع حدوثها عبر نماذج حوسبية

سان فرانسيسكو (الولايات المتحدة) - ظلت الأمواج العملاقة بمثابة “أسطورة بحرية” لفترات طويلة، غير أن الإثباتات العلمية تؤكد أن الأمواج العاتية ذات الارتفاعات الضخمة التي تمتد لمسافات عرضية طويلة هي حقيقة دامغة، وأنها بالفعل قادرة على إغراق السفن وتدمير منصات النفط في أعالي البحار.

واستخدم فريق من العلماء تقنيات الذكاء الاصطناعي لتحليل بيانات ومعلومات تتعلق بحركة الأمواج في البحار والمحيطات على مدار سبعة قرون من أجل فك شفرات الأمواج العملاقة والتنبؤ بإمكانيات حدوثها.

واعتمد الفريق البحثي من جامعتي كوبنهاغن الدنماركية وفيكتوريا الكندية على الذكاء الاصطناعي لابتكار معادلة يمكنها التنبؤ بفرص حدوث هذه الأمواج، ويؤكدون أن هذا النمط الجديد من المعرفة قد يجعل الملاحة البحرية أكثر سلامة.

والموجة المارقة أو أيضا الموجة المتطرفة هي موجة غير طبيعية، كبيرة نسبيا وغير متوقعة، تظهر فجأة على شكل موجة سطحية يمكن أن تكون خطيرة للغاية، حتى على السفن الكبيرة مثل عابرات المحيط. والخطر الكبير الذي تمثله هذه الموجات راجع لعدة أسباب، أبرزها كونها نادرة، ولا يمكن التنبؤ بها، على اعتبار أنها تظهر فجأة دون سابق إنذار ويمكنها التأثير بقوة هائلة.

"التموضع الخطي الخارق" يحدث عندما تلتقي منظومتان مختلفتان للأمواج وتعززان بعضهما البعض لبرهة قصيرة من الوقت

ويتداول البحارة القصص والروايات عن الأمواج العاتية العملاقة منذ قرون، ولكن عندما ضربت موجة بحرية عاتية بارتفاع 26 مترا منصة دراوبنر النفطية في النرويج عام 1995، كانت هناك أجهزة قياس رقمية لرصد هذه الظاهرة البحرية التي ظهرت في بحر الشمال وتوثيقها.

وشكلت هذه الحادثة المرة الأولى التي يتم فيها رصد موجة مارقة، وكانت إثباتا غير قابل للدحض أن هذا الوحش الأسطوري له وجود على أرض الواقع.

واستحوذت الأمواج العملاقة، منذ ذلك الحين، على اهتمام علماء الظواهر البحرية، حتى شرع الفريق البحثي من معهد نيلز بور التابع لجامعة كوبنهاغن في توظيف الذكاء الاصطناعي لابتكار معادلة حسابية لفهم طريقة تكوّن هذه الأمواج وتوقيتات حدوثها.

وعلى مدى ما يقرب من 100 عام، استخدم علماء المناخ وأخصائيو الأرصاد الجوية والمهندسون ومصممو السفن نظاما رياضيا يسمى الدالة الغاوسية (أو النموذج الخطي القياسي) للتنبؤ بارتفاع الموجة. ويفترض هذا النموذج أن ارتفاع الموجات يختلف بطريقة منتظمة حول قيمة متوسطة.

وفي الدراسة الحديثة التي نشرتها الدورية العلمية “وقائع الأكاديمية الوطنية للعلوم” (PNAS)، استند الباحثون على كم هائل من البيانات والملاحظات بشأن حركة المحيطات حتى يمكنهم التنبؤ بموعد حدوث هذه الظاهرة البحرية في توقيتات محددة.

ويرى الباحث في جامعة كوبنهاغن، ديون هافنر، وهو كذلك رئيس فريق الدراسة، أن “الأمواج العاتية العملاقة في الأساس هي محض حظ سيء للغاية، لأن هناك عوامل كثيرة لا بد أن تجتمع من أجل حدوث هذه الظاهرة”.

Thumbnail

وقال هافنر في تصريحات للموقع الإلكتروني “سايتيك ديلي” المتخصص في الأبحاث العلمية، “لقد استعرضنا في إطار الدراسة المتغيرات التي تتسبب في حدوث الأمواج العملاقة، واستخدمنا تقنيات الذكاء الاصطناعي حتى نبلورها في إطار نموذج حوسبي قادر على احتساب احتمالات تكوّن هذه الأمواج”.

وجمع الباحثون بيانات على مدار 24 ساعة في اليوم من عوامات بحثية في 158 موقعا على امتداد السواحل الأميركية وفي أعالي البحار من أجل جمع معلومات عن حركة الأمواج والتيارات البحرية والتغيرات البحرية المختلفة. وعند تصنيف هذه البيانات، أصبح لدى الباحثين قواعد بيانات تخص أكثر من مليار موجة تضم معلومات عن ارتفاعات وسرعات وحركة الأمواج على امتداد 700 عام.

وقام الباحثون بتحليل هذه البيانات للتوصل إلى أسباب الأمواج العملاقة التي يتم تعريفها بأنها ضعف ارتفاع الأمواج المحيطة بها، وقد يصل ارتفاعها إلى أكثر من عشرين مترا، وقاموا بتغذية كافة هذه المعلومات في منظومة للذكاء الاصطناعي وتحويلها إلى معادلة خوارزمية للتنبؤ بالأمواج.

وأشار الباحث يوهانس جيمريتش الذي شارك في إعداد الدراسة، إلى أن التحليلات “قد أظهرت أن الأمواج الخارجة عن المألوف تحدث طوال الوقت”، قائلا “فقد سجلنا مئة ألف موجة في قواعد البيانات يمكن تصنيفها بأنها “موجة مارقة”، وهو ما يوازي موجة عملاقة واحدة تحدث كل يوم في مواقع عشوائية في البحار والمحيطات، غير أنها ليست كلها أمواجا متوحشة بأحجام ضخمة”.

واستطاعت المعادلة الخوارزمية، من خلال فحص أكثر من مليار موجة، التوصل إلى أسباب الأمواج المارقة ووضع وصفة لحدوثها. وتوصل الباحثون إلى عامل رئيسي وراء تكون هذه الأمواج أطلقوا عليه اسم “التموضع الخطي الخارق”، ويحدث عندما تلتقي منظومتان مختلفتان للأمواج وتعززان بعضهما البعض لبرهة قصيرة من الوقت.

Thumbnail

ويوضح هافنر هذه الظاهرة قائلا “إذا ما التقت منظومتان للأمواج، تتزايد فرص حدوث ارتفاعات وانخفاضات موجية عميقة، وبالتالي تتزايد فرص حدوث أمواج عملاقة”، مؤكدا “أن هذه المعلومة ظلت متداولة منذ 300 عام، ونحن الآن نحاول أن ندعم صحتها من خلال البيانات العلمية”.

وتعتبر هذه المعادلة بمثابة خبر سار بالنسبة إلى صناعة الشحن البحري، حيث أن هناك قرابة 50 ألف سفينة شحن تبحر حول العالم في أي وقت في اليوم، وبالتالي من الممكن بفضل هذه المعادلة التنبؤ بالمجموعة “المثالية” من العوامل التي تزيد من مخاطر موجة عملاقة، قد تمثل خطورة على أي سفينة أو منصة بحرية في البحار أو المحيطات، وفق الباحثين.

ويقول هافنر “عندما تخطط شركات الشحن مسارات الإبحار مقدما، فمن الممكن أن تستخدم هذه المعادلة الخوارزمية لإجراء تقييم مخاطر، ومعرفة ما إذا كانت هناك فرصة لمواجهة السفن أمواج عملاقة أثناء إبحارها، وبالتالي اتخاذ مسارات بديلة”.

ويؤكد أن المعادلة والبحث العلمي الخاص بها متاحان بشكل علني، وكذلك بيانات الطقس والأمواج التي يستعين بها الباحثون لاستخلاص النتائج بشأن الأمواج العملاقة، وبعكس النماذج الحوسبية الأخرى التي تستخدم الذكاء الاصطناعي للتنبؤ بالأمواج، فإن جميع الحسابات الوسيطة التي تم الاستعانة بها لاستخلاص النتائج يتم عرضها بشكل شفاف أمام المهتمين.

وكشف الباحث ماركوس جوكوم الذي شارك في إجراء الدراسة لموقع “سايتيك ديلي” أن “الذكاء الاصطناعي في المعتاد هو صندوق أسود لا يضيف إلى معرفة البشر، ولكن ديون استخدم نماذج حوسبية لتحويل قواعد بيانات ضخمة من الملاحظات الخاصة بالأمواج إلى معادلة جديدة لقياس احتمالات حدوث الأمواج، وهي سهلة الفهم وتتعلق بالأساس بقواعد علم الفيزياء”.

13