الدين يظهر الجانب السيء في الناس إذا أسيء استخدامه

وجد باحثون بأن الأفراد في سن 65 عاماً وأكثر، هم الأكثر تفاؤلاً واطمئناناً في ما يتعلق بتفاصيل حياتهم اليومية مقارنة بغيرهم ممن لا يعبأون بالتزام ديني محدد، وهذا مرده في الأغلب إلى التأثير النفسي والروحي الذي تتركه الصلاة في نفوس هؤلاء وشعور الرضا والأمان والثقة الذاتية التي يتمتعون بها.
ويرتبط هذا الشعور بالرضا والأمان بطبيعة علاقة هؤلاء بالله، فإذا كان ارتباطهم الروحي هذا يعتمد على المحبة والتقرّب إلى الله فإنهم يجدون السعادة أكثر في الصلاة، في حين قد لا يجد المؤمنون مثل هذا الشعور إذا كانت علاقتهم بربهم غير وثيقة وتعتمد فقط على تنفيذ تعاليم مرهقة، كثيرة المطالب تتبعها واجبات كثيرة وشاقة.
وأشار الدكتور بليك كينت، أستاذ علم الاجتماع في جامعة بايلور في ولاية تكساس الأميركية، إلى أن الصلاة يمكن أن ترتبط وتترافق مع شعور بالسعادة أكثر أو أقل من المعتاد، وهذا يعتمد في الأساس على الطريقة التي نرى بها الله، حيث أن الفوائد النفسية للصلاة تعتمد بشكل أساس على طبيعة علاقة المؤمن مع ربه.
وفي الدراسة التي شارك فيها 1000 متطوع، في سن 65 عاماً وأكثر، طلب من الأشخاص الإجابة عن بعض الأسئلة التي تتعلق بإيمانهم. وتم تصنيف المشاركين إلى ثلاث مجموعات؛ متدينين (مسيحيين بحسب الدراسة)، متدينين سابقاً، ثم ملحدين.
وتوزعت الأسئلة على ثلاثة محاور للسعادة؛ التفاؤل، احترام الذات، والرضا بالحياة، كما طُلب من المشاركين التعبير عن طبيعة علاقتهم مع الله وطقوس إيمانهم.
الدين والأخلاق والقيم تجعل حياة الناس، العـــائلات والمجتمعات أفضل، إذ أنها تدعونا إلى أن نكون أفضل مما نحن عليه
ووجد الباحثون بأن الأشخاص الذين عبّروا عن مستوى عال من الثقة بالله وكان يعني لهم الأمن والأمان، يتضاعف شعورهم بالسعادة كلما لجأوا إلى الصلاة، أما الأشخاص الذين تتراوح مشاعرهم في المستوى المتوسط في مدى علاقتهم بربهم، فأكدوا على أنهم يحصلون على قدر معقول من الشعور بالسعادة مع تكرار أدائهم للصلاة.
في حين لا يشعر البعض بأي مشاعر من الرضا والسعادة، حتى مع التزامهم بروتين الصلاة، بسبب طبيعة علاقتهم الملتبسة بدينهم، وشعورهم بثقل هذا الروتين وكأنه واجب عليهم أداؤه بسبب طبيعة علاقتهم بالله التي تتمحور حول تنفيذ واجبات الطاعة الكثيرة، وهي في الغالب تعتمد على الخوف وعدم اليقين والقلق أكثر من اعتمادها على الشعور بالأمان النفسي والثقة والسلام الروحي.
وفي الدراسة التي نشرت نتائجها في مجلة “الشيخوخة والصحة”، يرى الدكتور كينيت أن هناك تصوراً لدى بعض الناس بأن الصلاة بانتظام في حد ذاتها حتى وإن كانت تلقائية، كافية لبث الشعور بالسعادة والاطمئنان، لكن هذه ليست هي الحال مع الجميع.
من جانبه، يرى غراهام كولير؛ أستاذ الفلسفة في جامعة جورجيا الأميركية، بأن الصلاة والحب جانبان مشتركان ومهمان في تعزيز الوعي البشري والصحة النفسية، حيث يعتقد متخصصون بأنهما يلعبان دوراً محورياً في تجاوز الواقع المادي والزماني من وجودنا، فتجعلنا نعيش في عالم داخلي متخيّل حيث يتم تكوين الأفكار والمشاعر التي تبعدنا عن قسوة الواقع.
هذه المشاعر التي تقف على النقيض تماماً من عالم الحواس، عالم حياتنا اليومية الواقعية، تؤكد دائماً بأن العقل لديه ألف عين بينما للقلب عين واحدة وحيثما يكون ضوء الحب، لن تكون هناك حاجة لكل أضواء العالم، وهكذا تفعل الصلاة.
إلى ذلك، يرى الدكتور توماس بلانت؛ أستاذ علم النفس في جامعة سانتا كلارا في ولاية كاليفورنيا الأميركية وأستاذ علم النفس السريري والعلوم السلوكية في كلية جامعة ستانفورد للطب، بأن الدين والأخلاق والقيم تمثل البوصلة الروحية التي تجعل حياة الناس، العائلات والمجتمعات أفضل، إذ أنها تدعونا إلى أن نكون أفضل مما نحن عليه، فنحن غالباً ما نصنف الناس إلى فريقين؛ الجيد والسيء، داخل المجموعة وخارج المجموعة، أبيض وأسود، مؤمن وكافر. وهذا الأمر غير صائب أبداً، ويبتعد عن العدالة والإنصاف؛ فالتقييمات المسبّقة للناس قد لا تصح في الغالب وتتسبب في نبذ مجموعات بشرية معينة، بحجة إنتماءاتهم وألوانهم واتجاهاتهم الفكرية وغيرها من التصنيفات الظالمة، ولهذا يعمل الدين والأخلاق والقيم الروحية على تحييد رؤيتنا للأشياء والأشخاص.
كما أنها تساعدنا في تقبّل الآخر مثلما يكون عليه من دون الحاجة إلى وضعه في إطار التصنيفات هذه. ونحن نستخدم بوصلتنا الروحية في الغالب لتعيننا على تجنب الوقوع في مثل هذه الأخطاء، ومحاولة التعرّف على الآخر المختلف وفهمه وقبوله ضمن حدود بيئتنا الاجتماعية أو الوظيفية أو أيّ من أطر العلاقات المعروفة بين الناس.
وتساعدنا المبادئ الأخلاقية والتقاليد الدينية (في أفضل حالاتها)، إضافة إلى الممارسات الروحية، في الارتفاع بمستوى تفكيرنا بطريقة تجعلنا أكثر محبة ورحمة وتسامحاً مع الغير، فإذا لم يكن لمفهوم الرحمة والتسامح وجود في عالمنا هذا، فإن شيئاً ما يبدو ناقصاً وغير سوي.
من جانب آخر، يرى الدكتور توماس بلانت بأن الدين يمكن أيضاً أن يظهر الجانب السيء في الناس، كالغضب والكراهية والتعصب، إذا أسيء فهمه واستخدامه؛ فالدين يمكن أن يكون جزءا من المشكلة ويمكن أن يكون هو الحلّ، شرط أن لا يساء فهمه وتطبيقه خاصة إذا تحوّل إلى مجرد مجموعة من الطقوس الخالية من المعنى والهدف، مشيرا إلى أنه سلاح ذو حدين، ويتوقف الأمر علينا إذا رغبنا أن نكون جزءاً من الحلّ أو مصدراً لمشكلة.