الديسكو دواء لكبار السن من هاجس الوحدة

البرنامج يهدف إلى التغلب على الوحدة والافتقار إلى الحياة الاجتماعية اللذين يعاني منهما كبار السن.
الخميس 2023/11/30
تنشيط الجسد والذاكرة

يعاني كبار السن في أغلب المجتمعات من الشعور بالوحدة بعد أن أنجبوا أطفالا وخدموا مجتمعاتهم حتى سن التقاعد، وفي هونغ كونغ ينظم مركز اجتماعي حصصا من رقص الديسكو  للمسنين، حيث تتحول فيه الحلبة إلى متنفس لهؤلاء.

هونغ كونغ - تتمايل بولي تشان وهي تغمض عينيها داخل مركز اجتماعي لكبار السنّ يشبه ملهى ليلياً في هونغ كونغ التي يبدي الخبراء قلقهم من الوحدة الموحشة التي يعانيها فيها من بلغوا خريف العمر.

وتشارك هذه المرأة، البالغة من العمر 71 عامًا، مع حوالي ثلاثين آخرين في برنامج تجريبي يحمل عنوان “نون – دي”، أو “ديسكو بعد الظهر”، ابتُكر لوضع حدّ للوحدة المتزايدة التي يعيشها كبار السن في هونغ كونغ. ويعاني كبار السن من الوحدة في مختلف دول العالم، رغم أن هذه الظاهرة لم تتفش في المجتمعات العربية وإن بدأت تظهر مؤخرا في بعض العواصم العربية.

وتصف تشان نفسها بالـ”متمردة” وتروي أنها كانت ترتاد الملاهي الليلية في فترة المراهقة، وتقول إنها تعجز عن إخبار عائلتها بأنها غير سعيدة. واستحالت حلبة الرقص متنفّسا لها. وتضيف “لست مُحاطة بعدد كبير من الأشخاص لأتحدث معهم. عندما أرقص أشعر بتحسّن”. ومنذ يوليو الماضي ينظم المركز الاجتماعي، المزيّن بكرات الديسكو وكريات متلألئة من الأرض إلى السقف، حصص رقص أسبوعية.

وتشير مديرة البرنامج لاي سيم فونغ إلى أنّ الفكرة نشأت من المشاغل المخصصة لكبار السن في هونغ كونغ التي فرضت سلطاتها خلال جائحة كورونا قيودا اجتماعية كانت من الأكثر صرامة في العالم. وتضيف “إن الهدف الكامن وراء البرنامج هو أساسا التغلب على الوحدة والافتقار إلى الحياة الاجتماعية اللذين يعاني منهما كبار السن”، في حين “فقد كثيرون الرغبة في مغادرة منازلهم”.

ويُسجَّل حضور كامل في حصص الديسكو المُقامة بعد الظهر. لكنّ لاي ترى أنّ المشروع غير كاف مقارنة بالاحتياجات الفعلية لشريحة السكان هذه في هونغ كونغ.

هه

وتشير الإحصاءات الواردة في تقرير الأمم المتحدة لعام 2019 إلى أنه من المتوقع مع حلول عام 2050 أن تكون نسبة 16 في المئة من عدد سكان العالم (واحد من كل ستة أفراد في العالم) أكبر من سن الخامسة والستين. وما يُفاقم المشكلة في هونغ كونغ كما في دول العالم هو اتجاه الهجرة الجماعية لدى الشباب، فضلاً عن الآثار التي خلفتها الجائحة.

ويشير استطلاع أجرته جامعة هونغ كونغ في النصف الأول من عام 2022 إلى أنّ ثلث كبار السن الذين شملهم الاستطلاع والبالغ عددهم خمسة آلاف شخص يعانون على الأقل من عارض واحد بين الاكتئاب والقلق والشعور بالوحدة.

وتزداد احتمالات شعور كبار السن بالافتقار إلى هدف في الحياة بعد التقاعد. وعلى الرغم من إسهامهم الكبير في المجتمع طيلة سنوات يتعرض العديد منهم للتمييز على أساس السن، وهو ما قد يؤثر تأثيراً خطيراً على صحتهم النفسية.

ولدى نحو 70 في المئة من كبار السن الذين ترك أبناؤهم وأحفادهم المدينة ميل إلى الاكتئاب، في حين أن حوالي 80 في المئة منهم معرّضون لخطر كبير يتمثل في “العزلة الاجتماعية”، حسب ما بيّنه استطلاع آخر أجري عام 2022.

وفي العام الماضي سجلت هونغ كونغ رقما قياسياً في حالات الانتحار بلغ 1080 حالة، وكان أكثر من 40 في المئة منها لأشخاص تتخطى أعمارهم 60 عاماً، بحسب منظمة “ساماريتان بيفريندرز هونغ كونغ” غير الحكومية.

ويقول رئيس المنظمة هيمانز وونغ “إنّ معدل كبار السن الذين يطلبون المساعدة محدود، إذ عندما يعانون مشاكل نفسية يشعرون بأنهم يشكلون عبئا” على غيرهم.

حح

ولا يعد إقناع كبار السنّ بضرورة مغادرة منازلهم أمراً سهلاً، حسب قول أديلين تسانغ، مديرة رعاية المسنين بمركز “كريستيان فاميلي سيرفس سنتر” في هونغ كونغ. وتشير إلى أن الحجر الصحي الطويل الذي اعتمد لتطويق الجائحة “أثّر على المستويين الإدراكي والجسدي” لدى الأشخاص الذين توفّر لهم الرعاية.

وتتابع “تعزز لديهم الخوف من الانفصال والشعور بالبعد الاجتماعي منذ أن غادر أحباؤهم الشباب المدينة خلال السنوات الأخيرة”. وفي دار لكبار السنّ تتولّى إدارتها لا أمسيات ديسكو بل يُستعان بكلاب لمساعدة المسنين في التغلب على وحدتهم.

ويصبح وجه هو يو كيونغ، (سائق متقاعد يبلغ 70 عاما)ً، مشرقا حين يداعب الكلب رالي من نوع لابرادور. ويقول إنّ “رفقة الكلاب أفضل من رفقة البشر”. وبدأ كيونغ يرتاد المركز بعدما التزم البقاء في منزله خلال فترة الجائحة. ويقول “كنت أشعر بأنني مسجون”.

ويشير إلى أنّ تكوين صداقات وممارسة الرياضة تضفي السعادة على حياته اليومية، مؤكداً وجود المزيد من الأنشطة القادرة على دفع “كبار السن المختبئين” إلى الخروج من منازلهم.

18