الدمشقيون يتوقون إلى الحرية مع إزالة الحواجز الأمنية

دمشق- داخل سيارته الصفراء، يتنقل أبوأيمن سائق الأجرة منذ أربعين عاما في شوارع دمشق وهو يدندن خلف مقوده، مبتهجا بإزالة العديد من الحواجز الأمنية التي كانت تجعل من رحلاته اليومية بين حي وآخر معاناة تمتد لساعات.
وتشهد العاصمة السورية أكبر تجمع للحواجز العسكرية الأمنية التي يفوق عددها 300 حاجز، حيث بدأت نهاية عام 2011، ما دفع أحد مبرمجي الكومبيوتر إلى إضافة إمكانية التعرف على مواقع هذه الحواجز على خدمات “غوغل ماب”، ففتحت جدلا واسعا بين السوريين بين من اعتبرها تسهيلا للتنقل بسرعة، ومن اعتبرها دليلا للمعارضين قد يعرض الأبرياء لخطر التفجيرات.
بعد أسابيع من استعادة القوات الحكومية سيطرتها على الغوطة الشرقية وأحياء في جنوب دمشق، عملت السلطات تدريجيا على إزالة نحو 15 حاجزا على الأقل من شوارع دمشق الرئيسية، التي لطالما تسببت في زحمة سير خانقة في مدينة تعرف أساسا باكتظاظها، خصوصا في أوقات الذروة. وتنتشر الحواجز في الطرق العامة وداخل الأحياء والأزقة لتفتيش السيارات والتعرف على هوية المارين، ما سبب أزمة مرورية ومأساة يومية يعيشها السكان.
عند مدخل الطريق المؤدي من أتوستراد العدوي إلى ساحة العباسيين في شرق دمشق، لم يبق من حاجز رئيسي للجيش إلا غرف مهجورة مطلية بألوان العلم السوري وحواجز إسمنتية وأعمدة حديدية مغطاة بألواح معدنية تقسم الشارع إلى خطين.
يقول أبوأيمن (62 عاما) الذي يجوب شوارع دمشق يوميا بحثا عن الزبائن لدى مروره على حاجز العدوي، “أفرح كلما أزالوا حاجزا جديدا، يتنفس زبائني الصعداء وترتاح السيارة”. ويوضح وهو يقود سيارته ويرتدي قميصا قطنيا مقلما باللونين النبيذي والرمادي “بات التنقل أسهل، خفّت الزحمة وتوقفت عملية التفتيش والتدقيق”.
وعملت السلطات خلال السنوات الأخيرة على إقامة العشرات من الحواجز ونقاط التفتيش في الشوارع الرئيسية والساحات الكبرى، بالإضافة إلى كافة مداخل دمشق. وتولى عناصرها خصوصا في المناطق المتاخمة للغوطة الشرقية والقريبة من جنوب العاصمة تفتيش السيارات والتدقيق في هويات السائقين والركاب.
وتتم عملية إزالة الحواجز والنقاط الأمنية من شوارع العاصمة بإيعاز من محافظة دمشق، وبناء على توصيات تتخذها اللجنة الأمنية التابعة لها، في ضوء عودة الهدوء إلى العاصمة إثر إخراج الآلاف من مقاتلي الفصائل المعارضة من محيط دمشق.
وتشكل إزالة هذه الحواجز مصدر راحة للمواطنين الذين عانوا خلال سنوات الحرب من الازدحام والوقوف في صفوف طويلة للتفتيش أمام الحواجز التي وضعتها الحكومة بسبب الحالة الأمنية والتفجيرات، كما تساهم في التخفيف من وقتهم الضائع على الطرقات خاصة خلال فترات الصباح الباكر أثناء التوجه للعمل، إضافة إلى تسهيل الحركة ونقل البضائع وتوفير المصاريف.
ويروي أبوأيمن “كنا ننتظر بين نصف الساعة والساعة عند كل حاجز في دمشق، بين زحمة وتفتيش. وفي أحيان كثيرة كان الركاب يستشيطون غضبا من الزحمة، فيدفعون أجرتي ويجتازون الحاجز سيرا على الأقدام”.
ويؤكد أبوأيمن أن صندوق سيارته تضرر من كثرة فتحه عند كل حاجز، ويقول مبتسما “أصلحته أربع مرات وبعدها قررت التوقف عن ذلك… بات بإمكان العسكريين فتحه بسهولة دون أن أترجل من سيارتي”.
على بعد المئات من الأمتار في ساحة التحرير وسط العاصمة، يعرب السكان وأصحاب المؤسسات عن سعادتهم بإزالة حاجزين وفتح الطرق المتفرعة عنها والمغلقة منذ العام 2013 إثر تفجير استهدف مقرا أمنيا كبيرا قربها.
300 حاجز وزعتها الحكومة السورية في شوارع وطرقات العاصمة مع نهاية عام 2011
وتزدحم محطة “الجد” للوقود بحركة السيارات، وينهمك العمال في تلبية طلبات السائقين، في مشهد افتقدته المحطة، وهي من بين كبرى المحطات في دمشق، خلال الأعوام القليلة الماضية بعدما بات الدخول إليها شبه متعذر.
يقول المحاسب في المحطة عبدالرحيم عواد (60 عاما) “تدنت نسبة مبيعاتنا منذ العام 2013 من أكثر من 100 ألف ليتر يوميا إلى أربعة آلاف فقط”. ويوضح “خلال السنوات الماضية، باتت مبيعاتنا تقتصر على الغالونات فقط، لتعذر دخول السيارات جراء الوضع الأمني، عدا عن تساقط القذائف علينا”.
وخلال الأسابيع القليلة الماضية، تغير الوضع كليا وبدأت المحطة تستقطب الزبائن مجددا “بعدما فتحت كافة الطرق المؤدية إلى المحطة”. وبعدما ينتهي من احتساب رزمة أموال مكدسة على مكتبه المتواضع، يقول الرجل أسمر البشرة “الحمدلله، عادت حركة السير إلى طبيعتها. قبل أسبوعين أعدنا تشغيل المضخات الثماني في المحطة وارتفعت مبيعاتنا إلى 39 ألف لتر يوميا من المحروقات”.
عند أحد مداخل سوق الهال المخصص لبيع المواد الغذائية والسلع بالجملة، تمتزج أبواق الشاحنات بأصوات العمال الذين يحملون البضائع على متنها، وتدخل الواحدة تلو الأخرى، وتتكدس عبوات زيوت حديدية ومعلبات ومواد تنظيف أمام المحال.
وينتظر السائق أبونور (56 عاما) إلى أن يحين دوره لإفراغ حمولة شاحنته، ويقول مع ابتسامة عريضة “الحاجز الموجود اليوم بات يسهل عليك طريقك ويفتش عبر جهاز يحمله أحد العناصر. حتى الأمس القريب، كنا أحيانا نفرغ الحمولة عند بعض الحواجز لتفتيشها ونقدم لهم الفواتير”.
وينقل أبونور مواد التنظيف إلى منطقة القلمون شمال دمشق مرتين أسبوعيا ويتوجه في الأيام الثلاثة الأخرى إلى الساحل السوري. ويروي قائلا “كنت أمر على 16 حاجزا ونقطة أمنية للوصول إلى منطقة القلمون، في رحلة تستغرق أربع ساعات، فيما أمر اليوم على ثلاثة حواجز وأصل خلال ساعة واحدة. الحمد الله”.