الدفع باتجاه حل مجلسي النواب والدولة الليبيين بعد فشل مفاوضات جنيف

فوت الليبيون فرصة ثمينة للاتفاق على قاعدة دستورية بسبب غياب التوافق حول مسألة ترشح مزدوجي الجنسية للانتخابات. وتبدو السيناريوهات المعروضة حاليا لإنهاء الانسداد غير واقعية أو قابلة للتنفيذ على غرار السيناريو الذي تدفع واشنطن باتجاهه.
جنيف - شكل فشل مباحثات جنيف بين رئيسي مجلسي النواب والدولة الليبيين خيبة أمل كبيرة للذين كانوا يأملون في التوصل إلى اتفاق يهيئ الأجواء لانتخابات رئاسية وتشريعية تنهي حالة اللااستقرار التي تشهدها البلاد منذ سنوات، والتي تفاقمت مؤخرا بسبب تنازع بين حكومتين الأولى في طرابلس والثانية في سرت.
وكاد عقيلة صالح، رئيس مجلس النواب، وخالد المشري، رئيس المجلس الأعلى للدولة (نيابي استشاري) أن يحققا تقدما في المفاوضات بشأن القاعدة الدستورية للانتخابات، خلال لقائهما بجنيف تحت رعاية أممية، لكنهما لم يتمكنا من تجاوز عقبة ترشح مزدوجي الجنسية للانتخابات.
وتحدث عمر بوشاح، النائب الثاني لرئيس مجلس الدولة، لقناة بانوراما (محلية)، قائلا إنه “تم التوافق المبدئي على الوثيقة الدستورية بشكل كامل بين رئيسي مجلسي النواب والدولة والوفدين المرافقين لهما، وستتم مراجعتها مساء الأربعاء (الماضي)”.
التعويل على مجلسي النواب والدولة، في الوصول إلى نهاية لمراحل انتقالية استغرقت11 عاما، لم يعد ممكنا
التفاؤل الحذر بشأن تحقيق اتفاق مبدئي صباح الأربعاء التاسع والعشرين من يونيو الماضي، سرعان ما تحول إلى خيبة أمل مساء ذات اليوم، وكان واضحا إخفاق الرجلين في تحقيق توافق، بعد الإعلان عن تمديد المفاوضات إلى الخميس الثلاثين من يونيو الماضي، بدل التوقيع على الاتفاق الأربعاء، في ختام المباحثات التي استغرقت يومين.
ونقلت القناة، عن مصدر في جنيف، من المرجح أن يكون عضوا في مجلس الدولة، أنه “بعد الاتفاق، الثلاثاء، على التعديلات والتأكيد على التوقيع صباح الأربعاء، تفاجأنا بطلب وفد مجلس النواب باستبعاد شرط عدم ترشح مزدوجي الجنسية للانتخابات الرئاسية بناء على تعليمات من الرجمة (مقر قيادة الجيش الليبي).
ويوضح المصدر أن “وفد مجلس النواب اقترح أن يتنازل المرشح للرئاسة عن الجنسية عند الفوز بالرئاسة. الأمر الذي قوبل برفض وفد مجلس الدولة”. فعقيلة صالح لا يملك سلطة إزاحة قائد الجيش المشير خليفة حفتر من المشهد السياسي تحت أيّ ضغط دولي، لأن الأخير من يهيمن على المنطقة الشرقية عسكريا.
وفي خطوة غير معتادة، حذر رئيس المجلس الرئيسي محمد المنفي، قبل أيام من أنه “إذا فشل اجتماع عقيلة والمشري، في إنجاز قاعدة دستورية، لا بد أن يكون لنا دور كمجلس رئاسي، باستخدام سلطتنا السيادية، حتى لا يترك الأمر للتمديد والتمطيط”.
وهذا تلميح إلى أن المجلس الرئاسي سيصدر قاعدة دستورية تجرى على أساسها الانتخابات، وربما يؤدي ذلك إلى قيامه بحل مجلسي النواب والدولة.
وتحدث المنفي، خلال لقائه بمشايخ القبائل وحكمائها، في طرابلس، عن ضرورة تحديد مدة زمنية لمجلسي النواب والدولة، بناء على مطالب أحزاب سياسية وأعيان قبائل وشخصيات ومواطنين.
والأهم من ذلك، أشار المنفي، إلى أن المجلس الرئاسي “أعدّ قاعدة دستورية”، ما يبيّن أن سيناريو حل البرلمان بغرفتيه ليس مستبعدا، أو على الأقل تجميد دوره أو تهميشه، ليتسنى للمجلس اعتماد قاعدته الدستورية وإجراء الانتخابات.
لكن المجلس الرئاسي يخشى، بحسب هذا السيناريو، من أن يرفض أحد الأطراف نتيجة الانتخابات إذا لم تكن في صالحه، لذلك يعوّل على حراك شعبي للضغط على الأطراف السياسية والعسكرية التي تتقدم المشهد الليبي بالقبول بتغيير الطبقة السياسية الحالية.
وأشار إلى ذلك موسى الكوني، نائب رئيس المجلس الرئاسي، عندما تحدث عن تأييده ودعمه “بقوة لكل حراك شعبي وسياسي يدفع في اتجاه الاستحقاق الانتخابي”.
جاء ذلك خلال لقائه بمقر القائد الأعلى للجيش الليبي في منطقة أبوستة بطرابلس، بوفد تكتل مترشحي الجنوب للانتخابات التشريعية، ثم مجلس الداعمين للانتخابات، الذي يضم عددا من المترشحين للانتخابات الرئاسية والتشريعية وبعض رؤساء الأحزاب.
ولا ينحصر الغليان الشعبي فقط في الانسداد السياسي بل في عودة انقطاع التيار الكهربائي مع دخول الصيف، فاقمها غلق الحقول والموانئ النفطية في الشرق والجنوب، ما قد يكرر سيناريو إسقاط حكومتي فايز السراج وعبدالله الثني، لذلك سارع رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبدالحميد الدبيبة لإقالة مدير شركة الكهرباء.
لكن هذه المرة، من بين مطالب الحراك الشعبي، رحيل البرلمان بغرفتيه، وهذا ما سيخدم خطة المجلس الرئاسي، للدفع بقاعدته الدستورية والدفع بقوة نحو الانتخابات، انطلاقا من كونه مؤسسة سيادية، وأيضا بالاستناد إلى ظهير شعبي، من المتوقع أن يخرج للشارع قريبا تحت ضغط لهيب الأزمات المتتالية.
والمنفي كان صريحا عندما تحدث عن ضرورة تغيير الطبقة السياسية الحالية، والإشارة واضحة إلى كل من حفتر وعقيلة والمشري والدبيبة وباشاغا، وسيف الإسلام القذافي، الذين يتصدرون المشهد حاليا.
إقرأ أيضا
ولفت المنفي، إلى أنه لم يترشح للرئاسة، مبعدا عن نفسه شبهة كونه أحد أطراف الأزمة المتصارعة على السلطة. إلا أن نقطة ضعف المجلس الرئاسي، أن ليس له قوات عسكرية تدعم قراراته وتنفذها، في الوقت الذي تملك الأطراف الأخرى كتائب مدججة بالأسلحة، تمكنها من فرض الأمر الواقع، بما في ذلك إسقاط “الرئاسي” نفسه.
ولا يعد موقف قائد الجيش وحده العائق الرئيسي أمام إجراء الانتخابات، فوجود حكومتين تتنازعان الشرعية يجعل من الصعب إجراؤها دون وجود حكومة موحدة تسيطر على كامل البلاد، وتشرف على تأمين العملية الانتخابية، وتوفير الدعم اللوجستي لمفوضية الانتخابات لإنجاحها.
وفي مواجهة هذه المعضلة التي تتطلب حلا سريعا يقترح المبعوث الأميركي ريتشارد نورلاند “إجراء الانتخابات بحكومتين”، بحيث تتولى كل حكومة تأمين الانتخابات في المناطق التي تسيطر عليها.
ويرد نورلاند، مسبقا على المعارضين لهذه الفكرة غير التقليدية، “خيار أن تجري حكومة واحدة الانتخابات يمكن أن يحدث في المستقبل، ولكن لا أرى هذا محتملا الآن في الوضع الحالي”.
وانتقد بعض الناشطين فكرة أن تشرف حكومتا عبدالحميد الدبيبة، وفتحي باشاغا على إجراء الانتخابات في نفس الوقت، لأن من شأن ذلك تقسيم البلاد.
وهذا الحراك السياسي الدولي في انتظار أن يلحق بهما حراك شعبي يكاد يصل إلى قناعة واحدة بأن التعويل على مجلسي النواب والدولة في الوصول إلى نهاية لمراحل انتقالية استغرقت من البلاد 11 عاما من الدماء والأزمات، لم يعد مقبولا ولا ممكنا، ما يتطلب حلا واقعيا وسريعا، بدل اجترار الفشل.