الدعم الجهادي للروهينغا بقعة زيت تلوث المحيط الدولي

ما يحدث لمسلمي الروهينغا في ميانمار، يلقي بالمزيد من التداعيات التي تنبئ بالخطورة، ذلك أن التنظيمات الإرهابية تسعى لتوحيد صفوفها على خلفية ما يحدث، وتزيد من الشحن والتعبئة مستفيدة من التعاطف الشعبي في العالم الإسلامي، ولذلك وجب على القوى الفاعلة التحرك لتفويت الفرصة على التنظيمات الإرهابية في هذه المنطقة الحساسة من العالم.
الجمعة 2017/09/15
التفاعل مع وضعية الروهينغا في باكستان ينذر بالتصعيد

واشنطن - يرى جيمس دورسي، الباحث الأكاديمي والأستاذ في مدرسة س.رجارتنام للدراسات الدولية أن دعوة المقاتل الجهادي الباكستاني مسعود أزهر إلى التحرك من أجل مساعدة مسلمي الروهينغا، تسببت في الضغط على كل من باكستان والصين، ومن شأنها أن تزيد من حجم معاناة السكان المضطهدين في ميانمار من المسلمين بسبب ردات الفعل التي يمكن أن تنتج عن تدخل الجهاديين في جنوب وجنوب شرق آسيا.

هناك اعتقاد شائع، في نظر دورسي، صاحب كتاب “الانتقالات السياسية المقارنة بين جنوب شرق آسيا والشرق الأوسط وشمال أفريقيا”، بأن سعدي هو اسم خفي لـ“السيد أزهر”، زعيم جيش محمد، التنظيم الجهادي المحظور، والذي كتب مؤخرا في مجلة التنظيم المسماة بـ“القلم” واصفا الروهينغا بأنها دعوة جديدة للصحوة، معقبا بأنه و”بفضل تضحيات مسلمي ميانمار تصحو الأمة”، وطالب كل مسلمي العالم بالتوحد السريع من أجل هذه القضية.

يذكر أن القمع الوحشي لأقلية الروهينغا في ميانمار، قد حرك تعاطفا كبيرا في العالم الإسلامي، وأثار موجات من الاستياء تحاول الجماعات الإسلامية استثمارها وتوظيفها في سياق جهادي يعلن مقاتلة “العدو الأقرب” كما تسميه فروع التنظيمات الإرهابية في المنطقة.

وكان تنظيم القاعدة قد دعا في الأيام القليلة الماضية إلى دعم الروهينغا ماليا وعسكريا، ووجه بيانا حمل عنوان “أراكان تناديكم” تداولته مواقع جهادية، ودعا البيان الجهاديين في بنغلاديش والهند وباكستان والفلبين إلى إعلان النفير والتوجه إلى بورما لنصرة “إخوانهم المسلمين هناك وتهيئة ما يلزمهم من إعداد وتدريب لمقاومة هذا الظلم الواقع عليهم”.

ما يحدث لمسلمي الروهينغا في ميانمار، يلقي بالمزيد من التداعيات التي تنبئ بالخطورة، ذلك أن التنظيمات الإرهابية تسعى لتوحيد صفوفها على خلفية ما يحدث، وتزيد من الشحن والتعبئة مستفيدة من التعاطف الشعبي في العالم الإسلامي، ولذلك وجب على القوى الفاعلة التحرك لتفويت الفرصة على التنظيمات الإرهابية في هذه المنطقة الحساسة من العالم.

صحيح أن هذا القمع تسبب في الأسابيع الأخيرة في فرار قرابة أكثر من 380 ألف شخص من العنف إلى بنغلاديش المجاورة بحسب تقديرات الأمم المتحدة، ولا يزال الآلاف عالقين على الطرقات هربا من حملة قمع أطلقها الجيش بعد هجمات نفذها جيش إنقاذ روهينغا أراكان على مراكز شرطة في نهاية اغسطس، لكن الأخير قد أوقف عملياته العسكرية الهجومية مؤقتا لتشجيع وصول المساعدات الإنسانية رافضا في الوقت نفسه المساعدات التي تعرضها الجماعات المتطرفة والتنظيمات الإرهابية التي تسعى لكسب ود مسلمي الروهينغا، مما يزيد في تعقيد الأمور وإثارة غضب وردات فعل بقية السكان البوذيين والسلطات المحلية.

يذكر أن بلدا مجاورا مثل باكستان يأوي منذ عقود قرابة 55 ألفا من الروهينغا دون أمل في الحصول على الجنسية، لكن الشوارع الباكستانية قد عرفت مسيرات احتجاجية حاشدة، وأدانت السلطات فيها بشدة ما يرتكب ضد المسلمين في بورما، لكن ذلك لا يجنبها الارتباك الذي وقعت فيه بسبب ما سببه مواطنها أزهر من تعقيد الأمور وتعكير العلاقة بينها وبين الصين، ويذكر بأن هذا الرجل كان مقاتلا سابقا في الجهاد ضد الاتحاد السوفييتي في أفغانستان ويعتقد أنه مسؤول عن هجوم في السنة الماضية على محطة القوة الجوية باثنكوت الهندية. ولصب الزيت على النار قرن أزهر دفاعه عن الروهينغا بالثناء على أسامة بن لادن.

ويورد الباحث الأميركي جيمس دورسي أن الباكستاني أزهر، وفي هجومه على الزعيم البوذي القومي المتطرف، أشين ويراثو، قد علق على تسمية الأخير بـ“بن لادن البوذية” بقوله “بن لادن أسد خرج لمساعدة المغلوبين على أمرهم، بينما ويراثو ليس إلا كلبا ينبح وهو يجلس في بيته وينعم بالراحة. بن لادن كان رجلا شجاعا لا يخاف، واجه الامبريالية العالمية مباشرة، بينما ويراثو جبان خسيس يهاجم مدنيين عزلا”.

المشكلة بالنسبة إلى باكستان والصين لا تتمثل فقط في أن أزهر هارب مطلوب باستطاعته الكتابة في مجلة تصدرها مجموعة محظورة بل أيضا في أن المقال يضع باكستان والصين في موقع حماية زعيم لتنظيم يعتبر إرهابيا والأنكى من ذلك هو مساندته وتمجيده لشخصية مثل بن لادن.

ويذكر أن الصين كانت قد استخدمت مرارا حق الفيتو لمنع اعتبار أزهر إرهابيا، ويعتقد أن ذلك كان بإيعاز من باكستان في مجلس الأمن الدولي الذي يعتزم بدوره مناقشة قضية أزهر في بداية سنة 2018.

تنظيم القاعدة قد دعا في الأيام القليلة الماضية إلى دعم الروهينغا ماليا وعسكريا، ووجه بيانا حمل عنوان “أراكان تناديكم” تداولته مواقع جهادية

ويميل موقف الصين أكثر إلى الخط السائد بعد أن انضم الرئيس شي جينبينغ هذا الشهر إلى زعماء روسيا والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا لأول مرة في تحديد التنظيمات المقاتلة المدعومة من باكستان على أنها تهديد أمني إقليمي.

ما دعا إليه أزهر من تحريض وتعبئة للجهاديين المتطوعين من أجل إعلان الجهاد المقدس دفاعا عن الروهينغا، يزيد من خطورة دخول المقاتلين الأجانب إلى البلاد مما ينتج عنه ظهور جبهة ثانية ضد الجهاديين في جنوب شرق آسيا حيث تقاتل القوات الفلبينية منذ شهر مايو الماضي مجموعة “ماوت” الموالية لداعش في مدينة ماراوي الجنوبية.

أما في بنغلاديش فقد توعد أبوإبراهيم الحنيف، زعيم فرع تنظيم داعش في البلاد، أثناء مقابلة مع مجلة دابق التابعة للتنظيم الإرهابي، بالبدء في تنفيذ عمليات داخل بورما، لكن مراقبين قللوا من قيمة كلامه مذكرين بقوله إنه لن تكون لداعش القدرة على تنفيذ عملياتها إلاّ بعد إسقاط الحكومة في بنغلاديش، فيما يشبه ما ردده سابقا بعض قادة التنظيم الإرهابي بأن استهداف إسرائيل لن يكـون إلا بعد إسقـاط نظـامي مصر وسوريا.

تداعيات وتفاعلات مشابهة في محيط دول جنوب وجنوب شرق آسيا على خلفية ما يحدث في بورما ومساعي القيادات الجهادية لتوحيد صفوفها واستثمار الأحداث في عمليات إرهابية، من ذلك فتاوى أصدرها قادة جهاديون في بنغلاديش والهند، إضافة إلى المفتي زيابور رحمان، وهو سعودي مقيم في ولاية راخين، فضلا عما ذكرته صحيفة ذي انديان اكسبريس الهندية، بأن لشكر الطيبة، وهو تنظيم باكستاني آخر محظور وُضع زعيمه حافظ السيد تحت الإقامة الجبرية في لاهور في بداية السنة، نظم في سنة 2012 مؤتمرا تضامنيا مع الروهينغا وأرسل ناشطين إلى بنغلاديش وتايلاندا للاتصال بلاجئين من ميانمار، مما يدلل على وجود تنسيق قديم بين الجماعات الإسلامية في المنطقة وتحضيرها المسبق لركوبها موجة مسلمي الروهينغا، لكن البعض قلل من قيمتها واعتبرها مجرد فقاعات كلامية ظرفية وسيزول مفعولها.

قادة التنظيمات الإرهابية يعتمدون في خطاباتهم على التعبئة عبر إثارة المظلومية وأسلوب المقارنة، وهذا ما جاء في كلمة السيد أزهر الباكستاني الذي كتب يقول “لو كان ما يفعله أشين ويراثو ومساندوه قد فعله بلد مسلم في حق أقليات غير مسلمة لحدثت ضجة ولأصدر مجلس الأمن الدولي قرارا ضده، ولفرضت عقوبات اقتصادية ضد المسلمين، ثم تقوم القوى الغربية بقصف بلادهم”.

ويختم الباحث جيمس دورسي، قراءته للأحداث في منطقة جنوب شرق آسيا بقوله “ثمة جهود دولية حثيثة تسعى دون التصعيد في ميانمار، لكن من دون حل هيكلي وحملة أمنية عالمية ضد التنظيمات الجهادية التي تستغل معاناة الروهينغا، قد يصبح المسلمون البنغال في ميانمار جرحا متقرحا آخر يغذي الخطابات المتطرفة”.

13