الدراما واللجوء إلى الرواية

السبت 2016/07/02

هل يلتهم التلفزيون مختلف الفنون ويقدّمها بالصيغ التي تناسب جمهوره، وتسويقه؟ لماذا هذا التخوّف من التلفزيون من قبل البعض، وبخاصّة أنّه أصبح نزيلاً مقيماً في كلّ بيت؟ هل أصبح الناس نزلاء الجهاز الذي اقتنوه؟ وهل تحوّل الاستحواذ بطريقة عكسيّة، بحيث غدا هو المستحوذ على أصحابه، راسما خطوط المتعة والتسلية لهم؟

في هذا الموسم الرمضانيّ تمّ تحويل بعض الروايات البارزة، من أجيال روائيّة مختلفة، كرواية “أفراح القبّة” للراحل نجيب محفوظ وكانت قد صدرت 1981، و”سمرقند” لأمين معلوف وصدرت 1986، و”ساق البامبو” للكويتي سعود السنعوسي وصدرت 2012 وفازت بجائزة البوكر العربيّة 2013، إلى أعمال دراميّة لافتة، حقّقت نجاحا ملحوظا، وجدّدت النقاش حول العديد من القضايا التي كانت الروايات قد أثارتها حين صدورها، ولم تكف عن إثارة تداعيات بين القراءة والأخرى، بحيث شكّلت سلسلة القراءة مسلسلا مقروءا لتجديد القضايا قبل تحويل الرواية إلى عمل دراميّ.

ومع تحويل الروايات إلى أعمال دراميّة، وتكييف بنيتها وشخصياتها ومحاورها وفق آليّات العمل الدراميّ، بدأت صيغ من التجسيد الحيّ للشخصيّات تبرز وتتجلّى للمشاهدين، ومع انغماسهم وتعلّقهم بها، ينتقل إليهم شغف باقتفاء أثر تلك الشخصيّات في منابتها الروائيّة، وهذا ما يحرّك سوق الرواية ويستقطب مشاهدين إليه ليحوّلهم إلى قرّاء مؤقّتين.

قد يعترض قرّاء على طرق معالجة الروايات وحبكاتها وتفاصيلها أثناء نقلها إلى الشاشة، إذ أنّ لكلّ فنّ آليّات معالجة خاصّة به، لكن ذلك لا يلغي تأثير هذه الأعمال الدراميّة في تجديد الاهتمام بالروايات، وتحريض عدد من المشاهدين للإقبال على الأعمال الروائية، والبحث فيها عن شخصيات أحبّوها في المسلسلات التي تعلّقوا بها، وهنا تحتلّ المشاهدة صدارة الاهتمام، وتساهم بالدفع إلى القراءة، على عكس القارئ الذي قد يستنكف عن المشاهدة لأنّه رسم صورا للشخصيّات في خياله لا تضاهيها أيّ صورة متلفزة.

بين قراءة الرواية، ومشاهدتها بطريقة متلفزة، ينتعش الفنّ الروائيّ، ويؤكّد حضوراً راسخاً لا غنى عنه في الحياة الواقعيّة والفنّيّة، ويبدّد المخاوف حول التهام التلفزيون للفنون، كما يؤكّد حقيقة أنّه لا غنى عن الأدب الذي يبقى متجدّداً بتأثيره وجاذبيّته مهما تقادم عليه الزمن، ويأتي اللجوء إلى الرواية من باب الإعلاء من شأن الدراما، والاتّكاء على النجاح الروائيّ لتحقيق نجاح دراميّ مماثل، وربّما متجاوز له، بحكم الجماهيريّة التي يتمتّع بها التلفزيون بين الناس.

كاتب من سوريا

15