الدراما السورية تسابق انقطاع الكهرباء لتلحق بموسم رمضان

ما زالت الدراما السورية تعاني من تداعيات الحرب وهجرة الفنانين والتقنيين، ويكافح من تبقّى منهم لصناعة باقة درامية استعدادا للدخول إلى السباق الرمضاني في ظل الانقطاع المتواصل للكهرباء ونقص المحروقات التي تشغّل المولدات.
دمشق - تسابق عدسة المخرج السوري الشاب باسم سلكا عقارب الساعة كي يستطيع إنهاء مسلسله في أوانه قبل حلول الموسم الرمضاني السّنوي بعد نحو شهرين، وسط ظروف معيشية تنعكس صعوباتها الجمّة على صناعة الدراما في بلاده التي مزّقتها إحدى عشرة سنة من الحرب.
في منزل وسط دمشق، يُعطي المخرج إشارة بدء مشهد جديد من مسلسل “على قيد الحب”، يقول بينما يراقبُ من غرفة أخرى مجريات التصوير من خلال شاشة، “أغلب المشاكل التي نعاني منها هي نفسها التي يُعاني منها كلّ الناس، مثل نقص الكهرباء والمحروقات التي تشغّل المولدات”.
ويضيف سلكا “ليست الصعوبات اللوجستية ما نواجهه فحسب، بل فقدنا الكثير من الأيدي الخبيرة والممثلين المحترفين الذين سافروا تدريجاً خلال سنين الحرب”.
وهاجر العشرات من الممثلين والفنانين منذ 2011، وازدادت أعداد المهاجرين منهم في سنوات لاحقة.
في مشهد لاحق، يجتمع الممثل دريد لحام وصديقه أسامة الروماني إلى جانب نجوم آخرين مثل سلوم حداد وصباح الجزائري ونادين خوري ووفاء موصللي.
يجلس الجميع في غرفة، ويراجع كلّ منهم مشهده. وتقول الممثلة وفاء موصللي “هذه أصعب مرحلة تمرّ على الدراما السورية منذ تأسيسها (..) خسرنا الكثير خلال الحرب، ونخسر الكثير الآن جرّاء تداعياتها”.
وتضيف أنها تشعر “بمشاعر متناقضة” حين تُعرض عليها نصوص درامية. وتسأل بحيرة “لا نعلم ماذا نقدّم للمُشاهد، هل نقدّم له الواقع التراجيدي؟ أم الكوميديا المضحكة؟ هل يستطيع المُشاهد أن يضحك أصلاً بعد كل هذه الظروف؟”.
ويتفق الممثل جلال شموط مع زميلته وفاء بأن “كبوة الدراما السورية الحالية هي الأقسى”. ويعزو ذلك إلى الوضع العام الذي أرخى بظلاله على “مفاصل الحياة والدراما في وقت واحد”، يقول “نحن جزء لا ينفصل عن التركيبة العامة، من الاقتصاد إلى المجتمع والسياسة وكلّ شيء”.
ويضيف “المرحلة التي نمرّ بها هي الأصعب برأيي، لكن الكبوة الحالية مرتبطة تماماً بالوضع الاقتصادي”.
وحققت الدراما السورية قفزات نوعية خلال السنوات التي سبقت الحرب مباشرة، وساهمت بانتشار اللهجة السورية في معظم الدول العربية، لاسيما بعد استخدامها أيضاً في دبلجة المسلسلات التركية منذ عقد ونصف العقد.
واحتلت المسلسلات السورية مساحة مركزية في مواسم رمضان المتعاقبة على مختلف القنوات العربية.
غير أن الحرب التي عصفت بالبلاد أثّرت عليها سلبا كمّا ونوعاً، لاسيما بعد مقاطعة شركات إنتاج عربية لشركات الإنتاج السورية الرسمية، وهجرة العديد من الممثلين والفنيين.
وخلال سنوات الحرب، عمد مخرجون ومنتجون إلى تصوير أعمال فنية في بلدان مجاورة أكثرَ أماناً، وإن عاد بعضهم إلى التصوير داخل سوريا، إلا أن الخيارات الجغرافية المُتاحة باتت أقل.
وتقول كاتبة السيناريو ومديرة شركة “إيمار الشام” للإنتاج ديانا جبّور “تمتعت سوريا بميزات جغرافية كثيرة قبل الحرب، جعلت منها أستوديو طبيعياً كبيراً (..) لدينا الغابة والبحر والجبل والصحراء وأيّ بيئة يحتاجها أيّ عمل درامي”.
وتضيف “فقدنا التنوع الجغرافي الذي كان متاحاً أمام الدراما السورية بسبب الدمار الذي أصاب الكثير من المناطق”.
وتروي جبور حكايات عن ممثلين وفنانين أصيبوا خلال سنوات الحرب، وعن “الخوف الذي كان يرافق أيّ عملية تصوير في المناطق التي شهدت معارك واشتباكات”. وتضيف “ما يُصيب الدراما السورية هو ذاته ما يصيب أيّ مواطن سوري”.
في غرفة خلفية مزدحمة بالملابس ومساحيق التجميل، يجمع مصمّم المكياج أحمد حيدر أدوات التجميل المبعثرة ويحرصُ على إعادة كلّ منها إلى علبته الخاصة. ويُشرف على تجميل جميع الممثلين قبل الدخول إلى مشاهدهم. ويقول حيدر “نضطرّ أحياناً لتعديل نوعية المكياج لصعوبة استيراد المواد التي نريدها”.
ويؤكّد حيدر أن المواد الأولية لمساحيق التجميل ليست “رفاهية كمالية” في العمل الدرامي، مُضيفا “نضطرّ أحياناً لتأجيل التصوير ريثما تصل المواد المطلوبة (..). الكاميرات الحالية عالية الدقة ولا يُمكن التساهل في احترام عقل المشاهد”.