الدبلوماسية الموازية مكمل رئيسي للسياسة الرسمية في قضية الصحراء

الرباط- نجح الملك محمد السادس، من خلال خطاباته الأخيرة، في نشر سياسة جديدة بين المغاربة تقوم على نقد الذات وكشف السلبيات والتساؤل بصراحة: هل أن اختياراتنا صائبة؟، وما هي الأمور التي يجب تصحيحها؟ واستشفت “العرب” على تأثر المغاربة بهذه السياسة دعوة مجموعة من الباحثين والخبراء إلى مراجعة استراتيجيات العمل الدبلوماسي المغربي، خصوصا فيما يتعلّق بملف الصحراء المغربية وتطوّراته.
وتأتي المطالبة بإستراتيجية جديدة للنهوض بالعمل الدبلوماسي المغربي على خلفية الجدل الذي أثاره موقف الحكومة السويدية الأخير القاضي بتوجهها نحو الاعتراف بالصحراء المغربية ككيان مستقل. وقد قال الخبراء لـ”العرب”، إن هذا الموقف يضع جهود الدبلوماسية المغربية تحت المجهر ويدعو إلى التساؤل حول جدوى ما تقوم به من مساع.
وكشف الموقف السويدي الأخير أن هناك خللا ما في الدبلوماسية الخاصة بالتعاطي مع ملف الصحراء المغربية، التي تعتبر قضية وجود وليست مسألة حدود. وبالتالي وجب مراجعة هذا الأداء الدبلوماسي الذي يواجه، ومنذ زمن، انتقادات كثيرة من قبل الرأي العام المغربي لضعف أدائه وافتقاره إلى دبلوماسية استباقية.
وكان الملك محمد السادس أسقط في خطاباته الكثير من الأقنعة التي ظلت تطمئن الرأي العام المغربي بقوة الموقف التفاوضي في ملف الصحراء. وعبر بشكل صريح عن فشل الدبلوماسية الرسمية في تدبير ملف الصحراء، بالقول “إن الوضع صعب، والأمور لم تحسم بعد، ومناورات خصوم وحدتنا الترابية لن تتوقف، مما قد يضع قضيتنا أمام تطورات حاسمة”.
قضية الصحراء اليوم في حاجة إلى إعادة العلاقات الدبلوماسية
ويلاقى المقترح المغربي لحل قضية الصحراء تأييدا كبيرا من طرف القوى الإقليمية والدولية الكبرى مما أحدث نوعا من اليقين غير المعلن لدى الدبلوماسية المغربية بأن المسألة قد حسمت لصالحهم. لكن الموقف السويدي الأخير وضع جهود الدبلوماسية المغربية تحت المجهر؛ حيث يرى إدريس لكريني، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة القاضي عياض، ومدير مجموعة الأبحاث والدراسات الدولية حول إدارة الأزمات، أن السياسة الخارجية المغربية تشهد العديد من الإخلالات خاصة على مستوى المبالغة في ردود الأفعال التي تلي أي خطوة تقوم بها الدبلوماسية، بدل الالتفات إلى تطبيق إستراتيجية جديدة تقوم على الفعل والتشاركية، خصوصا وأن الأمر يتعلق بتحركات تتجاوز الدبلوماسية الرسمية.
ورغم أن للمغرب دبلوماسية نشطة في المناطق الأوروبية الحيوية، إلا أن هذا النشاط يبدو، وفق لكريني، فاترا في الدول الاسكندنافية، التي تعتزم الاعتراف بجبهة البوليساريو. وتعرف هذه الدول بقوة نشاط المجتمعات المدنية فيها، والتي تعد من أقوى وأكثر المجتمعات المدنية ديناميكية في العالم؛ وهو المعطى الذي استغله خصومها في الترويج لملف الصحراء المغربية وفق ما يتلاءم مع رؤيتهم للقضية.
هذا الوضع يحتم على صانعي القرار المغربي إعادة النظر في مستقبل توجهات الدبلوماسية المغربية في هذه المنطقة؛ فمثلا يجب الإسراع بتعيين سفير مغربي سواء في السويد أو في الدنمارك، وكذلك الانفتاح على مختلف الفاعلين في إطار ما يسمى بالتوجهات المتعلقة بالتوأمة والتعاون اللامركزي الخارجي. وتحقيق هذه المقاربة، وفق لكريني، يتطلب تكامل الدبلوماسية الموازية مع الدبلوماسية الرسمية، وأن تغير هذه الأخيرة سياسة المركزية والانغلاق وتتواصل مع مختلف الفاعلين المساهمين في صناعة القرار الخارجي، وألا تكتفي فقط بمخاطبة الحكومات والأحزاب.
ودعا في هذا الإطار الأحزاب السياسية والمجتمع المدني والفاعلين على المستوى الجامعي والإعلامي، إلى ضرورة استحضار الجانب الدبلوماسي في تأطيرها وفي برامجها، معتبرا أن الدبلوماسية ليست عملا عاديا، وأنها تقتضي لغة التفاوض وإعلاء المصالح والاطلاع على تطورات الملف.
نقاش وطني
|
لم يغفل الأكاديمي المغربي عن الإشادة بالجوانب الإيجابية التي حققتها الدبلوماسية المغربية في قضية الصحراء؛ فالمغرب قدم جهودا كبيرة منذ تسعينات القرن الماضي، كان لها الفضل في دفع مجموعة من الدول إلى سحب اعترافها بما يسمى بـ”الجمهورية الصحراوية”، بالإضافة إلى وقوف المغرب ضد توجهات بعض الدول التي حاولت توسيع صلاحيات بعثة “المينورسو” الأممية، فضلا عن اتباع المغرب في السنوات الأخيرة نوعا من الانفتاح على مستوى سياسته الخارجية، من بينها تعزيز تعاونه مع مجموعة من القوى الدولية الكبرى كالولايات المتحدة والدول الأفريقية وروسيا والصين والاتحاد الأوروبي إلى جانب توجهه نحو شراكة جنوب جنوب”.
وتواصل استشعار الرأي العام المغربي بما يعتبره ضعفا في فعالية الدبلوماسية الرسمية في التعاطي مع الإستراتيجية الجديدة للخصوم، حتى شكّل مطلبا مهما يدعو الدولة إلى فتح نقاش وطني عميق يقضي بتفعيل دور الدبلوماسية الموازية، كآلية تكمل العمل الدبلوماسي الرسمي؛ فلا يكفي القول إن الصحراء مغربية حتى يقتنع الكل بذلك، فالقضية تحتاج إلى بذل جهود كبيرة كفيلة بإقناع كل القوى والفاعلين على الساحة الدولية والإقليمية بعدالة القضية، لا سيما في ظل وجود قوى أخرى تحارب من أجل هدف مناقض؛ ما دفع الخبراء في الرباط إلى تشديد دعواتهم من أجل تفعيل التعاون بين الدبلوماسية الرسمية والدبلوماسية الموازية في البلاد، على غرار الخطوة التي قام بها مؤخرا، الوفد المغربي الذي توجه إلى السويد في إطار المساع المغربية الهادفة إلى توضيح ملابسات الأزمة للجانب السويدي.
وقال عبدالواحد الناصر، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة محمد الخامس بالرباط، لـ”العرب”، إن الدبلوماسية المغربية تتسم بالاعتدال وفي كثير من الأحيان بالتسامح وتفعيل خيار السلام في العلاقات الدولية، لكنها مطالبة في نفس الوقت بتطوير صيغ جديدة تتلاءم والتحولات المتسارعة التي يعرفها النظام العالمي الجديد.
وتجاوز الضعف الحاصل في الجهاز الدبلوماسي المغربي، يكمن، وفق الناصر، أساسا في توسيع دائرة انتشار البعثات الدبلوماسية القوية وذات خبرة وإلمام بالوضع العالمي والقاري والإقليمي، من أجل كسب رهان المساندة الفعلية للقضية والنجاح في إجهاض مناورات الخصوم وأعداء الوحدة الترابية المغربية في المحافل الدولية.
من المنتظر أن يحيي المغاربة في السادس من نوفمبر المقبل، الذكرى 40 للمسيرة الخضراء، التي استرجع بواسطتها المغرب صحراءه من يد المحتل الأسباني سنة 1975. وتحل هذه الذكرى والقضية تعيش مخاضات وتحديات كبرى تفرض على الدبلوماسية المغربية بالأساس تحمل مسؤوليتها الوطنية، في ظل عدم انتباهها للعديد من الثغرات التي استثمرها الجناح الآخر في النزاع؛ والتي لا تتماشى مع النجاحات التي حققتها السياسية الداخلية في التعاطي مع هذا الملف.
على مستوى الداخل يشهد الجميع، المغاربة من سكان إقليم الصحراء، والمراقبون والخبراء الدوليون، بنجاح سياسة الجهوية الموسعة والذي ينعكس من خلال الانتخابات الجهوية التي جرت مؤخرا؛ حيث أكد رئيس مجلس النواب، رشيد الطالبي العلمي، في كلمة أمام الجمعية 133 للاتحاد البرلماني الدولي، أن سكان الأقاليم الجنوبية قدّموا درسا في المواطنة خلال الانتخابات الجماعية والجهوية. وقال الطالبي إن “المواطنين الصحراويين جدّدوا تأكيد تشبثهم بمغربية الصحراء من خلال المشاركة المكثفة في اقتراع الرابع من سبتمبر”.
بدوره قال السفير الممثل الدائم للمغرب لدى الأمم المتحدة، عمر هلال، على هامش انعقاد الجميعة العامة للأمم المتحدة بنيويورك، إن قضية الصحراء المغربية ليست مسألة تصفية استعمار، بل هي في الواقع قضية تتعلق بالوحدة الترابية للمملكة. وأوضح هلال، الذي كان يحدث أمام العشرات من ممثلي الدول الأعضاء في اللجنة الرابعة بالأمم المتحدة، أنه "بالنسبة للمغرب، قضية الصحراء ليست مسألة تصفية استعمار، بل مسألة استكمال وحدته الترابية".
دور الإعلام
من المنتظر أن يحيي المغاربة في السادس من نوفمبر المقبل، الذكرى 40 للمسيرة الخضراء، التي استرجع بواسطتها المغرب صحراءه من يد المحتل الأسباني
عكس اهتمام وسائل الإعلام الغربية، وخصوصا الأوروبية، بكلمة عمر هلال، أهمية تنشيط الحضور الاعلامي المغربي في الغرب، كإحدى الوسائل الرئيسية للدبلوماسية الموازية من خلال تفعيل مقاربات إعلامية تتماشى والتحولات التي يعرفها العالم على مستوى وسائط الاتصال الحديثة.
وفي هذا السياق يؤكد رئيس المكتب التنفيذي لبيت الصحافة، سعيد كوبريت أن هيئات المجتمع المدني والإعلام بكل أشكاله أصبح لها قدرة ترافعية مهمة للدفاع عن القضايا الأساسية للمغرب، وعلى رأسها قضية الوحدة الترابية، ومن هنا يجب أن تفكر في تطوير استراتيجيتها من خلال استهداف المتلقي الغربي، فهو المعني الرئيسي بتوضيح الرؤية المغاربية لقضية الصحراء.
ويؤكّد عبدالفتاح البلعمشي، مدير المركز المغربي والإعلامي المتخصص في القضايا الدبلوماسية ادريس العيساوي على ضرورة تفعيل كل أوجه الدبلوماسية الموازية للأحزاب السياسية والبرلمان والإعلام وكفاءات الجالية المغربية بالخارج، والمؤسسات الاقتصادية والفكرية.
بدوره، قال عبدالله بوصوف، الأمين العام لمجلس الجالية المغربية المقيمة بالخارج لـ"العرب" إن التقصير الإعلامي المغربي في الخارج أثّر بشكل مباشر على صد الدعايات الكاذبة التي يروجها خصوم الوحدة الترابية في أوروبا، وحتى داخل مجلس الأمن".
وأكد على ضرورة أن يكون هناك تنسيق دائم ومباشر بين وزارة الاتصال ووزارة الخارجية من أجل جعل أخبار الأقاليم الصحراوية في صدارة الأخبار خصوصا في أوروبا، بحيث إذا نجح المغرب في ذلك يمكن لنا آن نصد به كل أكاذيب إعلام الخصم".
وأشار الأمين العام للجالية المغربية المقيمة بالخارج إلى أن المغرب، وبالخصوص القضية الصحراوية تحتاج إلى إستراتيجية إعلامية وكادر إعلامي للصمود في وجه الإعلامين الجزائري والأسباني بالخصوص.