الدبلوماسية السعودية تحتاج أن تكسو عظام مبادراتها الرياضية والدينية لحما

انفجار سيارة فرنسية في رالي داكار يكشف حجم التحديات أمام الرياض.
الخميس 2022/01/13
التفكير في تعزيز المبادرات الرياضية وغيرها ضروري للسعودية

الانفجار الذي جدّ في سيارة فرنسية شاركت في رالي داكار للسيارات في المملكة العربية السعودية، يكشف التحديات التي تواجه مساعي السعودية لترسيخ نفوذها الرياضي ومبادراتها بشكل عام سواء الرياضية أو الدينية أو غيرهما.

الدوحة - يُسلط الجدل، الذي أعقب الانفجار الذي وقع في سيارة فرنسية شاركت في سباق رالي دكار للسيارات في المملكة العربية السعودية، بشأن صبغة إرهابية محتملة للحادث، الضوء على التحديات التي تواجه الدبلوماسية السعودية لتعزيز مبادراتها الدينية والرياضية.

ونجحت السعودية منذ سنوات في القضاء على آخر خلايا الإرهاب السلفية، لكن باريس أصرت على أنها تشتبه في أن الانفجار الغامض الذي جدّ في سيارة دعم تابعة لفريق سوديكارز رايسينغ أثناء مغادرتها فندق دوناتيلو في مدينة جدة، ذو صبغة إرهابية.

بعد قطر، التي واجهت صعوبات كبيرة بعد فوزها بتنظيم كأس العالم المقرر انطلاقها في الثلاثين من نوفمبر، تجد السعودية نفسها في مواجهة مطبات في طريق ترسيخ النفوذ الناعم الذي بدأته منذ فترة سواء في المجال الرياضي أو الديني.

وكشف الانفجار الذي جدّ في سيارة في رالي داكار عن هذه الصعوبات، فباريس تساءلت عن الأمن في المملكة، ما جعل مراقبون يتساءلون عن المستفيد من هذا الانفجار إذا تأكدت صبغته الإرهابية المزعومة.

وجدّ الانفجار قبل أيام على انطلاق رالي داكار في المملكة وأدى إلى إصابة السائق الفرنسي فيليب بوترون بجروح بليغة. وأصيب الرجل البالغ من العمر 61 عاما بحروق وتمزق في ساقيه، ونُقل إلى مستشفى عسكري في باريس لتلقي المزيد من العلاج بعد ثلاث عمليات أولية في المملكة. ونجا الركاب الآخرون.

صعوبات النفوذ الناعم

تحديات بحجم المتعرجات التي يحويها السباق
تحديات بحجم المنعطفات التي يحويها السباق 

ألقى الانفجار بظلاله على الجهود السعودية لإظهار نفسها مكانا رئيسيا للأنشطة الرياضية الدولية الكبرى. كما مس من تأثير زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للمملكة الشهر الماضي ولقائه مع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.

وأدى هذا الانفجار، وإصرار السلطات الفرنسية على وجود شبهة إرهابية فيه، إلى تساؤلات عن الجهة المستفيدة من فتح جبهة للإرهاب شمال المملكة.

وتراهن السعودية، من خلال استضافة هذا الرالي الذي يحوز اهتماما واسعا، على لفت الأنظار إلى استراتيجيتها الجديدة القائمة على السياحة والترفيه واستقطاب التظاهرات الدولية الكبرى، وهي استراتيجية ذات أبعاد متعددة، منها ما يتعلق بخلق عائدات جديدة ضمن رؤية 2030 التي تسعى لتقليص الاعتماد على النفط، ومنها ما يتصل بتأكيد سياسة الانفتاح الثقافي والديني التي تعتمدها المملكة لتبديد صورة قديمة عنها تتسم بسيطرة المتشددين.

جيمس دورسي: السعودية بعثت بإشارات بشأن الانفتاح على الأديان

وفتحت فرنسا تحقيقا بشأن الإرهاب في الحادث، لكن السعودية أصرت على أن تحقيقها لم يجد أي شكوك جنائية أولية.

وقالت وزارة الخارجية السعودية إنها على اتصال بالسلطات الفرنسية. ومن المرجح أن القضية نوقشت في محادثة هاتفية الأحد بين وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان ونظيره الفرنسي جان إيف لودريان. وطالب لودريان في وقت سابق السعودية بتوفير "أكبر قدر ممكن من الشفافية".

كما حذرت فرنسا رعاياها في المملكة وطلبت منهم "توخي أقصى درجات اليقظة” في أعقاب الانفجار. وأيد ريتشارد غونزاليس، رئيس شركة سوديكارز، الشكوك الفرنسية بشأن هجوم متعمد. وقال "رأيت كل شيء. لقد كان عملا متعمدا، لا شك في ذلك".

لا يستبعد متابعون للشأن السعودي أن يكون التفجير، إذا ثبت أنه من تنفيذ إرهابيين، ردة فعل على هذه السياسة التي تحرر السعودية من نفوذ المتطرفين.

ويقول المحلل السياسي والخبير في قضايا الشرق الأوسط جيمس دورسي “يجب أن نقرّ أن المملكة العربية السعودية بعثت بإشارات بشأن الانفتاح على الأديان وغيرها”، موضحا أن “الإشارات شملت عيد الميلاد وعيد الحب في السنوات الأخيرة. وكذلك محو الإشارات المتعصبة لليهود والمسيحيين والشيعة في الكتب المدرسية في العام الماضي”.

ومع ذلك يعتقد دورسي أن هناك إشارات دبلوماسية سعودية قد تأتي برياح معاكسة لما تم الترويج له سابقا.

رد على التحرر الديني

السعودية ماضية في التغيير
السعودية ماضية في التغيير 

كانت وزارة الداخلية السعودية قد قالت في بيان إن “الجهات الأمنية المختصة بمنطقة مكة باشرت الخميس تحقيقا في حادث بمحافظة جدة، لمركبة خاصة بفريق العمل المساند لأحد السائقين المشاركين في سباق رالي دكار 2022”.

وأضافت أن السيارة “كان يستقلها خمسة أشخاص من الجنسية الفرنسية، أُصيب أحدهم وتم نقله إلى المستشفى لتلقي الرعاية الطبية، وهو بحالة مطمئنة، بينما لم يتعرض البقية لأي أذى، واتضح من إجراءات الاستدلال الأولية عدم وجود أي شبهة جنائية في الحادث”.

ومن جهة أخرى، حذر دورسي من أن إشارات دبلوماسية سعودية بشأن إيران قد تأتي برياح معاكسة في جهودها الدبلوماسية التقليدية لتخفيف التوترات في الشرق الأوسط.

وبحسب دورسي فإنه “على عكس ما بدا أنه جهود من كلا البلدين للتخفيف من حدة خطابهما، نشرت وسائل الإعلام السعودية في الأيام الأخيرة مقالات تثير قضايا تكون إيران حساسة لها بشكل خاص”.

متابعون للشأن السعودي لا يستبعدون أن يكون التفجير، إذا ثبت أنه من تنفيذ إرهابيين، ردة فعل على السياسة التي تحرر السعودية من نفوذ المتطرفين

وجاءت المنشورات بعد أيام منذ أن عبّر العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز عن قلقه من عدم تعاون إيران مع المجتمع الدولي، بشأن برامجها النووية والصاروخية الباليستية و”سلوكها السلبي” في المنطقة.

وجنبا إلى جنب مع التصريحات السابقة للمسؤولين السعوديين والتي تهدف إلى تخفيف التوقعات بشأن المحادثات مع إيران، يبدو أن تصريحات الملك سلمان بن عبدالعزيز والمنشورات تشير إلى أن التقدم في الحوار كان بطيئا. وقال الملك “نتابع بقلق سياسة الحكومة الإيرانية التي تعمل على زعزعة الأمن والاستقرار الإقليميين، بما في ذلك بناء ودعم الميليشيات الطائفية المسلحة ونشر قوتها العسكرية في دول أخرى”.

وفي مقال حديث، عادت صحيفة الجزيرة، وهي صحيفة يومية، مثل جميع وسائل الإعلام السعودية، إلى الخطاب الطائفي. وأكد المقال أن إيران سعت إلى نشر مذهبها الشيعي من الإسلام إلى ما وراء الشرق الأوسط، لاسيما في إندونيسيا وماليزيا والهند وإثيوبيا ونيجيريا.

وقال دورسي إن "هذا لا يعني أن الدبلوماسية السعودية الشعبية والتقليدية قد فشلت. ومع ذلك، فإنه يشير إلى أن الجهود المبذولة لإبراز السعودية كمملكة مستنيرة تتطلب درجات أكبر من الشفافية والالتزام في الداخل بنفس المبادئ التي تنشرها في الخارج”.

كما يشير كل هذا إلى أن التقارب بين المملكة وإيران من المرجح أن يكون هشا وترتيبا مقبولا للطرفين أكثر من اجتماع للعقول، بغض النظر عما إذا كانت المحادثات في فيينا ستنجح إحياء الاتفاقية الإيرانية لعام 2015، التي حدت من برنامج طهران النووي.

7