الدبلوماسية الأميركية تستجمع قواها لاستعادة دورها القيادي

الخارجية الأميركية بحاجة إلى إصلاحات لضمان عودة قوية.
السبت 2021/02/06
الدبلوماسية الأداة الأولى للقوة الأميركية

تحاول الدبلوماسية الأميركية استجماع قواها الناعمة لتستعيد دورها في إدارة شؤون العالم، من خلال مساعيها إصلاح ما أفسدته إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب، وفيما وعد جو بايدن بعودة دبلوماسية قوية على الساحة الدولية، إلا أن تحقيق ذلك يشترط القيام بإصلاحات داخلية عاجلة صلب وزارة الخارجية من خلال ضخ دماء جديدة وتنويع السلك الدبلوماسي بمنح السود تمثيلية أكبر ومزيد من الدعم المالي لإضفاء نجاعة على مهامها الخارجية.

واشنطن - وعد الرئيس الأميركي جو بايدن بعهد جديد بعد تخبط السياسة الخارجية في عهد سلفه دونالد ترامب، قائلا في أولى كلماته الدبلوماسية بعد توليه المنصب، إن “الولايات المتحدة عادت والدبلوماسية عادت” على الساحة العالمية.

وكان لاختيار بايدن وزارة الخارجية مكانا لإلقاء أول كلمة دبلوماسية رئيسية، الخميس، دلالة كبيرة على الأهمية التي يوليها للدبلوماسيين، الذين كان ترامب يعتبرهم معارضين معظم الوقت.

وسعى بايدن في أيامه الأولى في الرئاسة لإصلاح ما وصفه بالضرر الذي لحق بوضع الولايات المتحدة في العالم بالتراجع عن سياسات اتبعها ترامب. لكن برأي خبراء ومحللين، فإن إعادة الثقة في الدبلوماسية الأميركية لا تستوجب فقط إصلاح ما أفسده سلفه على صعيد خارجي، بل تتطلب كذلك إصلاحا جذريا داخليا في صلب الوزارة.

ويشير ساغاتوم ساها، الباحث المتخصص في التجارة الدولية في وزارة التجارة الأميركية في تقرير نشرته مجلة فورين بوليسي، إلى أن مهام الدبلوماسيين الأميركيين تصطدم بجملة من التحديات في ظل استشراء الفساد وثقافة المحسوبية وضعف الموازنة وتبعات التهميش الذي عانته في فترة حكم ترامب. وعليه، فإن بايدن مطالب بإعادة ترميمها من خلال استقطاب وضخ دماء جديدة وإعادة الاستثمار في السلك الدبلوماسي.

إدارة الأزمات

البيض ممثلون تمثيلا زائدا في السلك الدبلوماسي في وزارة الخارجية والوكالة الأميركية للتنمية الدولية، فيما وقع تهميش السود

ورثت إدارة بايدن وزارة خارجية مثقلة بالملفات وموظفين بخدمة خارجية أصغر مما كانت عليه في 2016. وتكافح اليوم لتعكس التنوع الوطني في الوقت الذي بدأته فيه وتيرة الانقسام تتسع في المجتمع الأميركي، إضافة إلى تنامي العداء ضد السود.

وفي السنوات الأخيرة، تراجعت وزارة الخارجية، التي كانت في السابق ثالث أفضل مكان للعمل بين الوكالات الكبرى في الحكومة الاتحادية، إلى المراكز الخمسة الأدنى في 2019. كما أن طلبات اختبار موظفي الخدمة الخارجية، وهي مقياس تقريبي للاهتمام بالمهن الدبلوماسية، وصلت مؤخرا إلى أدنى مستوى لها منذ سنة 2008.

في نفس الوقت، أصبحت مهام الدبلوماسية الحديثة أكثر تعقيدا، مما أدى إلى توسيع العمل الذي كُلّفت به وزارة الخارجية خارج نطاق اختصاصها التقليدي. فعلى سبيل المثال لا الحصر، يسلط كوفيد – 19 والاحتباس الحراري الضوء على الحاجة إلى الخبرة العلمية والمتخصصة في الدبلوماسية الأميركية.

وبرأي ساها فإن إدارة بايدن بحاجة لأن تبحث عن حلول عاجلة لهذه التحديات الجديدة خارج واشنطن، وأن تغتنم الفرصة لتنفيذ السياسات التي تجذب خبرات ومحترفين حقيقيين. وعلى وجه التحديد، ينبغي على الكونغرس تكوين كوادر جديدة في مجال الخدمة الخارجية داخل وزارات الطاقة والصحة والخدمات البشرية ووزارة الخزانة.

ويمكن لكل فريق أن يكون تحت مكاتب الشؤون الدولية القائمة أو العالمية في كل وكالة، كما يمكن أن يُعتمد حوالي 150 موظفا في السلك الدبلوماسي لنشرهم في السفارات والقنصليات الإستراتيجية التي يحددها البيت الأبيض ووزارة الخارجية.

وتلعب هذه الأقسام الثلاثة بالفعل دورا نشطا وفعالا في إدارة الأزمات المتداخلة، ومن شأن زيادة عدد الموظفين والموارد المخصصة أن يساعد على توسيع نطاق الدبلوماسية الأميركية وعمقها وتعزيز المساعدات الخارجية.

ويعتقد ساها أنه بالإمكان أن تبنى وزارة الطاقة على مهامها الخارجية التي تشمل إرسال مسؤولين إلى الخارج للعمل في قضايا الأمن النووي ومنع انتشار الأسلحة النووية. واستكمالا لهذه الأنشطة، يمكن للوزارة أن تنشر موظفين في السلك الدبلوماسي لتحديد مشاريع البنية التحتية للطاقة النظيفة الثنائية المحتملة في مرحلة البحث والعرض. وفي حين أن الوزارة نفسها لن تكون سوى واحدة من الوكالات العديدة التي تتصدى لتغير المناخ في الداخل، إلا أن السلك الدبلوماسي الصغير داخلها قد يمارس تأثيرا كبيرا في مساعدة الولايات المتحدة للبلدان الأخرى للابتعاد عن الكربون.

----

ومن المرجح أن تكون انبعاثات الغازات الدفيئة في الولايات المتحدة قد استقرت في الوقت الراهن، وستبدأ في الانخفاض المطرد بحلول نهاية العقد، وإن لم يكن بمعدل يتماشى مع الأهداف المنصوص عليها في اتفاقية باريس.

وبدلا من ذلك، ستقود الصين والهند نمو الانبعاثات الكلي في السنوات المقبلة. وبالتالي ينبغي على واشنطن أن تركز مواردها على مساعدة تلك البلدان على تحقيق أهدافها الخضراء بكلفة معقولة. وسيكون لذلك تأثير كبير على خفض الانبعاثات العالمية مقارنة بالنهج الذي يقلل من الانبعاثات في الولايات المتحدة بتكنولوجيا لا يمكن لنيودلهي، على سبيل المثال، أن تضاهيها وتطبقها.

ويمكن أيضا لدبلوماسيي وزارة الطاقة في الخارج المساعدة في التأكد من حصول الدول الأجنبية على الموارد التي تحتاجها، مع تقديم رؤى تجارية من شأنها أن تساعدها على المنافسة في قطاع التكنولوجيا النظيفة المتنامي.

كما يمكن أن تضاعف وزارة الصحة والخدمات الإنسانية برنامج الملحق الصحي الذي ينشر الموظفين في عدد قليل من البلدان. ويمكن أن تركز دائرة الصحة الأجنبية على الدبلوماسية الصحية العالمية والأمن الصحي العالمي لإعطاء الحكومة الأميركية نافذة أفضل على الأوبئة المحتملة في مراحلها المبكرة.

وقد أرسلت مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها منذ فترة طويلة موظفيها إلى الخارج للوقاية من التهديدات المرتبطة بالأمراض والكشف عنها والتصدي لها. وسيوسع دبلوماسيو الصحة العالمية نطاق هذه المهمة الحالية مع زملائهم من الوكالة الأميركية للتنمية الدولية.

وبموازاة ذلك، يعمل موظفو السلك الدبلوماسي الذين يتبعون وزارة الخزانة ضمن نطاق واسع من برامج المساعدة الدولية القائمة في الوزارة مثل إعادة هيكلة الديون والتصنيف الائتماني وإدارة أصول الدولة وتحقيق الدخل. وحتى قبل أن يتفاقم الوباء في الخريف الماضي، توقع البنك الدولي انكماشا اقتصاديا في كل المناطق تقريبا، مما سيلقي بأكثر من 100 مليون شخص من جميع أنحاء العالم بين براثن الفقر. وفي نفس الوقت، ينذر الإقراض الصيني في الخارج تحت راية مبادرة الحزام والطريق بزيادة أزمات الديون نظرا إلى حجم القروض غير المسددة الهائل في مختلف أنحاء العالم، والتي مُنحت بشروط عقود مبهمة وتحليلات ضئيلة للتكاليف والفوائد.

وعندما تهدأ جائحة كوفيد – 19، سيتعين على البلدان أن تضطلع بالمهمة الطويلة المتمثلة في إعادة اقتصاداتها إلى مسارها نحو تحقيق النمو المستدام. وتحقيقا لهذه الغاية، يمكن أن تساعد فرق الشؤون المالية الخارجية النظراء في الوزارات المعنية في إعادة هيكلة الديون، وإعادة التفاوض بشأن العقود، وجذب رؤوس الأموال العامة والخاصة لنشر مشاريع التحفيز التي تخلق فرص العمل.

تنويع السلك الدبلوماسي

قد يبدو إنشاء خدمات دبلوماسية إضافية بمثابة تحوّل جذري، ولكن وزارة الخارجية تحتاج فعلا إلى هذا الإصلاح حتى تسترجع مكانتها محليا ودوليا، ويلفت ساها إلى أن قطار الإصلاحات داخل السلك الدبلوماسي قد تأخر، فقد سجّل الكونغرس آخر تحديث لهيكله قبل 40 سنة من خلال قانون الخدمة الخارجية لسنة 1980.

وتعتمد وزارات الطاقة والخزانة والصحة بالفعل برامج ملحقة محدودة، والتي على إثرها يقع إرسال موظفين إلى الخارج في السفارات والقنصليات الأميركية، مما يشير إلى الحاجة إلى زيادة الكوادر حتى تحظى الدبلوماسية الأميركية بوجود أقوى.

ويعتقد ساها أن ما يعيق عملية الإصلاح هذه هي صعوبات متعلقة بالموازنة والموظفين، إضافة إلى افتقار السلك الدبلوماسي إلى التنوع بسبب ظاهرة العنصرية وهيمنة البيض على المناصب.

وتدير الحكومة الأميركية هيئات دبلوماسية خارج وزارة الخارجية منذ فترة طويلة. فعلى سبيل المثال، يلعب أكثر من 100 موظف دبلوماسي دورا حاسما في تعزيز الأمن الغذائي العالمي وخلق فرص السوق للمنتجات الزراعية الأميركية.

وزارة الخارجية الأميركية تحتاج إصلاحا جذريا، فقد سجّل الكونغرس آخر تحديث لهيكله قبل 40 سنة من خلال قانون الخدمة الخارجية لسنة 1980

ويعتمد تكثيف هذه الجهود من خلال إنشاء خدمات جديدة في هذه الفروع على حقيقة مجربة في الإدارة البيروقراطية، وقد اتضح من خلال التجارب أن المؤسسات الكبرى بطيئة في التغيير.

ومع ذلك يكمن الخطر في تكرار التحيزات الهيكلية القديمة والموثقة التي تواجهها الأقليات، لاسيما الدبلوماسيون السود، في التوظيف والتقدم، حيث بقي البيض ممثلين تمثيلا زائدا في السلك الدبلوماسي في كل من وزارة الخارجية والوكالة الأميركية للتنمية الدولية.

وقد قدم أعضاء الكونغرس وكبار المسؤولين القادمين، الذين من المقرر أن يشغلوا مناصبة قيادية في وزارة الخارجية والبيت الأبيض ومجتمع الاستخبارات، اقتراحات تهدف إلى تنويع السلك الدبلوماسي الأول في الولايات المتحدة. وتشمل توصياتهم تحديد مسارات للمجموعات الممثلة تمثيلا ناقصا، وتطوير علاقات التوظيف مع جامعات وكليات السود التاريخية، ودمج الجهود الرامية إلى تعزيز التنوع والإدماج كمعايير في اعتبارات الترقية، واشتراط إجراء مراجعات سنوية إلزامية للحواجز النظامية التي تواجهها الفئات الممثلة تمثيلا ناقصا، وجمع بيانات كاملة عن التوظيف والتقدم على جميع المستويات مفصلة حسب العرق والجنس.

ويعتقد ساها أنه على وزارة الخارجية أن تتبنى كل هذه السياسات والإجراءات حتى تستعيد حيويتها. كما يمكن تبني هذه المقترحات بسرعة أكبر في هيئات دبلوماسية أحدث وأصغر. ومن شأن ذلك أن يقدم فوائد لا حصر لها مثل ربط السياسة الخارجية بالشواغل الداخلية التي تعمل هذه الوكالات عليها عادة، والاستفادة من الخبرة التقنية الحاسمة التي تمتلكها هذه الإدارات لتحقيق غايات السياسة الخارجية، وتجريب برامج وإجراءات جديدة للتوظيف والتقدم الشاملين في الساحة الدبلوماسية.

مع ذلك، يعتقد ساها أن “خلق بيروقراطيات جديدة يطرح تحديات كبيرة “. وأوضح أن “التحديات الأكثر إلحاحا التي يواجهها الدبلوماسيون الأميركيون تكمن اليوم في ملفات المناخ والصحة العامة والأزمات الاقتصادية، وهي نفسها التي يواجهها المواطنون العاديون”.

وختم بالقول “فيما تخطط إدارة بايدن لمواجهة هذه الحالات الطارئة في الداخل بموارد من جميع مكوّنات الحكومة الأميركية، إلا أنه ينبغي عليها اغتنام الفرصة لتفعل الشيء نفسه في الخارج ولإثبات العودة القوية للدبلوماسية الأميركية”.

6