الدبابة ليست سيارة تستأجر: الغرب يرسل الأسلحة الثقيلة لدعم أوكرانيا

أنهى الغرب تردده ببدء إرسال شحنات أسلحة ثقيلة تشمل الدبابات والمروحيات إلى أوكرانيا لمواجهة الغزو الروسي، بما يعكس تحولا لافتا في موقف القوى الأوروبية والولايات المتحدة، حيث لم يكن هؤلاء متأكدين مما إذا كانت القوات الأوكرانية ستصمد أمام الغزو الروسي واسع النطاق.
كييف - في الوقت الذي تستعد فيه القوات الأوكرانية لمعارك حاسمة وواسعة النطاق ضد القوات الروسية في دونباس الواقعة شرق أوكرانيا، تكثف الولايات المتحدة وحلفاؤها في حلف شمال الأطلسي “الناتو” تسليم الدبابات والمروحيات والأسلحة الثقيلة إلى أوكرانيا.
وتعبّر شحنات الأسلحة الجديدة عن تحول صارخ في الدعم الغربي الباهت لأوكرانيا في الأيام الأولى من الحرب، عندما كان المسؤولون الأميركيون والأوروبيون غير متأكدين من المدة التي يمكن أن تصمد فيها البلاد ضد غزو روسي واسع النطاق، حيث كانوا حذرين من تسليم أسلحة ثقيلة يمكن أن تقع في أيدي الروس.
كما تعكس عمليات التسليم تحولا بعيدا عن الأنظمة الدفاعية مثل الصواريخ المضادة للدبابات، نحو المزيد من الأسلحة الهجومية التي تحتاجها أوكرانيا في مرحلة حرجة من الحرب.
دبابات وأسلحة ثقيلة
الأسلحة الجديدة تعبّر عن تحول صارخ في الدعم الغربي الباهت لأوكرانيا في الأيام الأولى من الحرب، عندما كان المسؤولون الغربيون غير متأكدين من المدة التي يمكن أن تصمد فيها البلاد
انطلقت جمهورية التشيك في شحن الدبابات إلى أوكرانيا في وقت سابق من هذا الشهر، وأصبحت بذلك أول دولة تتخذ هذه الخطوة في الناتو منذ أن شنت روسيا غزوها في الرابع والعشرين من فبراير. كما أرسلت إلى أوكرانيا مركبات مشاة قتالية وأنظمة مدفعية، ثم تبعتها دول أخرى في الناتو بشحناتها الخاصة من المعدات العسكرية المتطورة عبر حدود دول التحالف إلى أوكرانيا.
وأرسلت سلوفاكيا نظام دفاع جوي متقدما من طراز أس – 300، وأعلنت الولايات المتحدة الأربعاء أنها ستزود أوكرانيا بما قيمته 800 مليون دولار إضافية من المعدات العسكرية. وتشمل تلك الشحنة 11 طائرة هليكوبتر من طراز أم.إي 17، و200 ناقلة جند مدرعة من طراز أم – 133، و100 سيارة عسكرية من طراز همفي، و300 طائرة مسيّرة من طراز سويتش بليد “كاميكاز”، ومدافع هاوتزر ثقيلة، والآلاف من القذائف، بالإضافة إلى ذخائر أخرى.
واعتقد عدد من المسؤولين الغربيين خلال المرحلة الأولى من الحرب أن كييف يمكن أن تسقط بسرعة. ولم يتوقعوا أن تصمد كثيرا أمام القوات الروسية، مما دفعهم إلى الامتناع عن إرسال أسلحة ثقيلة إلى حكومة لم يكونوا متأكدين من قدرتها على البقاء.
ثم تغير كل ذلك بعد أن واجه الهجوم الروسي الشرس في شمال البلاد مقاومة أوكرانية شديدة، مدعومة بالإمدادات الغربية من الأسلحة المضادة للدبابات والأسلحة الصغيرة الأخرى، وبسبب الزلات التكتيكية التي قوّضت القوات الروسية سيئة التجهيز.
ومع ذلك، يرى الباحثون روبي غرامر وجاك ديتش وإيمي ماكينون أن نقل الأسلحة الثقيلة إلى أوكرانيا ليس بالأمر السهل.
وقال الباحثون في تقرير لمجلة “فورين بوليسي” الأميركية إن “أي عمليات نقل إلى أوكرانيا تتطلب ذيلا لوجستيا طويلا، بما في ذلك التدريب وقطع الغيار والميكانيكيين للحفاظ على عمل المركبات في منطقة الحرب، بالإضافة إلى المركبات الثقيلة والأسلحة نفسها”.
التطورات تأتي في مرحلة حرجة من الحرب حيث تعيد روسيا تجميع صفوفها لمواجهة معركة جديدة للسيطرة على شرق أوكرانيا
وكانت روسيا قد هددت بمهاجمة شحنات الأسلحة الأميركية وتلك التابعة لحلف شمال الأطلسي المتجهة إلى أوكرانيا.
وقال القائد السابق للجيش الأميركي في أوروبا بن هودجز “ليست الدبابة سيارة تُستأجر. فعندما تتحدث عن نقل أي نوع من المركبات الآلية أو المدرعة، عليك أن تفكّر في قطع الغيار وحزم الصيانة والتدريب والوقود والذخيرة… لضمان سير الأمور”.
ومع ذلك، قال مسؤول دفاعي أميركي كبير الاثنين الماضي إن العديد من الدول المتحالفة ما زالت تدرس تسليم دبابات إلى أوكرانيا، ومعظمها من طرازات الحقبة السوفيتية التي تدرّبت القوات في كييف عليها بالفعل. وقال هودجز إن “هذه معدات قد يكون الأوكرانيون على دراية بها بالفعل، مما سيجعل وقت التدريب عليها سريعا نسبيا”.
ودفعت التعقيدات اللوجستية بعض الحكومات الغربية إلى منع تسليم إمدادات أكبر من المركبات الثقيلة إلى أوكرانيا، على الرغم من مناشدات كبار المسؤولين الأوكرانيين المزيد من الدعم لقواتهم. ويخشى آخرون، وخاصة بعض السياسيين في ألمانيا، من أن تطوير الجيش الأوكراني بأسلحة ثقيلة يمكن أن يحول الغرب إلى هدف للمزيد من العدوان الروسي. وقيل إن هذا الجدل أثار انقسامات داخل الائتلاف الحاكم في ألمانيا.
وقالت شركة راينميتال الألمانية المصنعة للأسلحة إنها مستعدة لتزويد أوكرانيا بما يصل إلى 50 دبابة قتالية من طراز ليوبارد 1. لكن الحكومة الألمانية لم تأذن بنقل الأسلحة بعدُ، حتى إن بعض المسؤولين الألمان رفضواالفكرة، قائلين إن تدريب الأوكرانيين سيستغرق وقتا طويلا، حيث إنهم أكثر تعوّدا على أنظمة الأسلحة ما بعد السوفيتية الشائعة في أوروبا الشرقية. لكن رئيس راينميتال التنفيذي أرمين بابيرجر عارض هذه الحجة، قائلا إن التدريب يمكن أن ينتهي في غضون أيام.
تحول مرحب به

كانت الموجة الجديدة من عمليات نقل الأسلحة الغربية في نظر الأوكرانيين تحولا مرحبا به ولكنه غير كاف.
وقال مسؤولون أوكرانيون حاليون وسابقون إن الغرب لا يزال بإمكانه فعل المزيد لتسليح البلاد، قبل ما يُتوقع بأن يكون فصلا جديدا حاسما في الحرب.
وكتب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الأربعاء على تويتر “من دون أسلحة إضافية، ستصبح هذه الحرب حمام دم لا نهاية له، وتنشر البؤس والمعاناة والدمار، ماريوبول، بوشا، كراماتورسك، ستستمر القائمة، لن يوقف أحد روسيا باستثناء أوكرانيا بالأسلحة الثقيلة”.
وبدأ المسؤولون الأوكرانيون والحسابات الحكومية في استخدام هاشتاغ “سلّحوا أوكرانيا الآن” على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث طالبوا بتسليم المزيد من الأسلحة الثقيلة.
وقالت رئيسة اللجنة الدفاعية المستقلة لمكافحة الفساد في أوكرانيا أولينا تريجوب إن الشحنات الجديدة من الغرب ليست كافية لمنح أوكرانيا اليد العليا في حربها ضد القوات الروسية المتفوقة عدديا.
ويقول المسؤولون الأميركيون والأوروبيون مع ذلك، إن عمليات النقل الجديدة تشير إلى أن واشنطن وحلفاء أوروبيين آخرين يستعدون الآن لمساعدة أوكرانيا في النجاة من الهجوم الروسي والبدء في شن هجومها الخاص. ويقولون إن عمليات نقل الأسلحة الثقيلة قد تكون حاسمة لنجاح أوكرانيا العسكري، حتى لو اعتقدت أوكرانيا أن التدفقات الوافدة غير كافية.
وقال وزير الدفاع الليتواني أرفيداس أنوسوسكاس لمجلة فورين بوليسي “تبذل أوروبا الغربية كل ما في وسعها لدعم أوكرانيا لكسب هذه الحرب. وينمو هذا الدعم من حيث الكمية والنوعية”.
لكن شهية أوكرانيا المتزايدة للدبابات، ودفعها المسؤولين الغربيين إلى إرسال المزيد منها، مدفوعة بساحة المعركة في منطقة دونباس الشرقية، حيث تسهل المناورة بها.
وقال فرانز ستيفان غادي، وهو زميل باحث في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية ومقره لندن، إن “أجزاء كبيرة من شرق أوكرانيا هي ما يسمى ببلد الدبابات، فهي أرض مسطحة مفتوحة مناسبة بشكل مثالي للحرب الآلية. وهذا هو السبب الذي يجعل أوكرانيا بحاجة إلى دبابات قتال رئيسية، وعربات مشاة قتالية، وأنظمة دفاع جوي متوسطة المدى، وذخائر، وما إلى ذلك للبقاء في هذه المعركة ومحاربة القوات الروسية وشن هجوم مضاد عندما يكون ذلك مناسبا. لكن التحدي الرئيسي الذي تواجهه القوات الأوكرانية يكمن في كيفية إجراء عمليات أسلحة مشتركة واسعة النطاق في مواجهة القوة النارية الروسية المتفوقة”.
تعقيد مهمة الروس

بدأت الولايات المتحدة في دراسة قائمة الرغبات الأوكرانية الواسعة والبحث في سبل تلبية ما فيها، في أحدث تسليم للأسلحة إلى أوكرانيا. وقال مسؤول دفاعي أميركي كبير، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته بناء على قواعد البنتاغون الأساسية، إن الخطط جارية للمدربين الأوكرانيين للسفر إلى دول الناتو في أوروبا الشرقية للتدريب على كيفية استخدام الأنظمة الجديد، مثل مدافع الهاوتزر والرادارات المضادة للبطارية.
كما أصبحت واشنطن دعامة مهمة لإعادة تسليح حلفاء الناتو في أوروبا، حيث تلعب دورها في نقل إمداداتها الخاصة إلى أوكرانيا. وبعد أن أرسلت سلوفاكيا نظام الدفاع الجوي أس – 300 إلى أوكرانيا، نشرت الولايات المتحدة أحد أنظمة الدفاع الصاروخي باتريوت في سلوفاكيا لسد الفجوة. ووقّعت الولايات المتحدة أيضا صفقة أسلحة كبيرة مع بولندا في وقت سابق من هذا الشهر لتزويد الجيش البولندي بـ250 دبابة قتال من طراز أبرامز، مما يحتمل أن يدفع بولندا إلى إرسال بعض دباباتها إلى أوكرانيا، على الرغم من عدم الإعلان عن مثل هذا القرار.
ويجادل بعض الخبراء بأن الولايات المتحدة يجب أن تذهب إلى أبعد من ذلك، وأن تدعم حلفاء الناتو مثل بولندا بنقل طائرات مقاتلة من طراز ميكويان إلى أوكرانيا، من خلال عرض إعادة تزويد قواتها الجوية بطائرات مقاتلة أقدم من طراز أف – 16، وهو ما رفضه بعض الحلفاء وما يمكن أن يكون معقدا عند أخذ التدريب والخدمات اللوجستية في الاعتبار. (ورد أن سلوفاكيا تفكر أيضا في نقل أسطولها من طائرات ميكويان إلى أوكرانيا).
ورأى بن هودجز أن المخاوف بين بعض الدول الغربية مبالغ فيها، حيث تعتقد أن مثل هذا الدعم العسكري يمكن أن يؤدي إلى صراع أوسع بين الناتو وروسيا. وتحتاج واشنطن إلى زيادة عمليات نقل الأسلحة إلى أوكرانيا.
المسؤولون الغربيون يعتقدون أن الكرملين متعطش لتحقيق انتصار كبير في ساحة المعركة قبل التاسع من مايو، وهو عيد كبير لإحياء ذكرى انتصار روسيا في الحرب العالمية الثانية على ألمانيا النازية
وقال “لقد بالغنا في المخاطرة، ويعرف الروس ذلك. ونجد أقوى تحالف في تاريخ العالم خائفا من توفير طائرة عمرها 25 عاما لدولة تقاتل للبقاء. إذا كنا ترسانة للديمقراطية، فلنكن كذلك ونفتح الأبواب ونقدم كل شيء قد يحتاجه الأوكرانيون”.
ويأتي الجدل في مرحلة حرجة من الحرب، حيث تعيد روسيا تجميع صفوفها بعد انسحابها من ضواحي كييف. وتجمع القوات الأوكرانية أكبر قدر ممكن من القوة النارية لمواجهة معركة جديدة للسيطرة على شرق أوكرانيا.
ويقول مسؤولو البنتاغون إن روسيا تنشر وحدات مدفعية جنوب مدينة دونيتسك في شرق أوكرانيا، وتنبأ تقرير استخبارات الدفاع البريطاني بأن الكرملين سيكثف الضربات الجوية ضد المراكز السكانية الرئيسية في دونباس مثل كراماتورسك، حيث أسفر هجوم صاروخي روسي الأسبوع الماضي عن مقتل 59 شخصا.
وقال فيليبس أوبراين، أستاذ الدراسات الاستراتيجية في جامعة سانت أندروز، “يمكن أن تكون أوكرانيا أكثر ضعفا أمام المدفعيات الثقيلة في دونباس… أنصح بالانطلاق بمدّ الدفاع الجوي والطائرات دون طيار لمنح أوكرانيا فرصا أفضل في القوة الجوية. كما يمكن أن تكون المدفعيات بعيدة المدى مفيدة للغاية”.
ورأى الباحثون غرامر وديتش وماكينون أن “تدفق الأسلحة الغربية المتزايد على أوكرانيا قد يصعّب مواصلة هجومها في شرق أوكرانيا”.
ويعتقد المسؤولون الغربيون أن الكرملين متعطش لتحقيق انتصار كبير في ساحة المعركة قبل التاسع من مايو، وهو عيد كبير لإحياء ذكرى انتصار روسيا في الحرب العالمية الثانية على ألمانيا النازية. ويعتقد الخبراء أن روسيا ستواجه الآن تحديا بسبب الافتقار إلى دعم المشاة والتقدم البطيء في دونباس، وذلك بعد الخسائر الهائلة التي تكبدتها في الشهر الأول من الحرب.
وقال غادي “لا يمكن أن يستمر الهجوم إلى الأبد بالتأكيد. ولا أعتقد أن روسيا ستتمتع بالقدرة على خوض هذه المعركة في يونيو”.