الخيول في اليابان تحتفظ بمنزلتها في الثقافة الشعبية

تحتل الخيول مكانة خاصة وأساسية في المجتمع الياباني وثقافته عبر التاريخ؛ إذ كانت لها أدوار متعددة في الزراعة والتنقل، حيث تقل مقاتلي الساموراي إلى ساحات المعارك. كما يحتفلون بها في مهرجانات خاصة منذ مئات السنين. وهناك ثلاثة مهرجانات تحتفل بالتراث الثقافي الشعبي المرتبط بالخيول في اليابان.
طوكيو ـ تشير الدراسات الحديثة إلى أنه تم ترويض الخيول لأول مرة في تاريخ البشرية منذ أكثر من 4000 عام في آسيا الوسطى. وقد وصلت الخيول إلى اليابان لأول مرة حوالي القرن الخامس، حيث تم استقدامها من منغوليا عبر جزيرة تسوشيما، والتي كانت آنذاك مركزاً مهماً للتجارة مع بلدان القارة الآسيوية. وأعطى اليابانيون قيمة كبيرة للخيول بسبب ما قدمته لهم في مزارعهم كما في الحروب التي شاركوا فيها، فخفة حركتها منحت المقاتلين ميزة وقوة أكبر في ساحات المعارك أين استخدمت لأول مرة في الحروب.
وقد كان اليابانيون يعتقدون أن الآلهة تنزل وتمتطي ظهور الخيول في ساحات الحرب. وهذا ما منحها قدسية في الثقافة الشعبية، ومن جهة أخرى كانت الخيول البيضاء بشكل خاص تُقدَّم قرابين إلى معابد الشنتو. وما زال اليابانيون إلى اليوم يحتفون بالخيول في ثقافتهم من خلال المهرجانات المختلفة التي تقام سنوياً، حيث يتم الاحتفال بالخيول التي كان لها تاريخ في تدريبات الفنون القتالية، والخيول المرتبطة بطقوس الزراعة القديمة. ويقام مهرجان سوما نوماوي كل آخر سبت من شهر يوليو إلى يوم الإثنين، بمنطقة مينامي سوما في محافظة فوكوشيما.
ويعود تاريخ المهرجان إلى أكثر من ألف عام، وحسب القصص التاريخية المتوارثة فإن بداية هذا المهرجان مرتبطة بالمحارب المتمرد تايرا نو ماساكادو؛ حيث كان يقوم بتدريبات عسكرية في السهول المحيطة، وليبدد شكوك البلاط الإمبراطوري حول احتمال تخطيطه للتمرد ادعى أنه يقوم بمطاردة خيول برية يستخدمها العدو في القتال، وبعد استحواذه على الخيول يقوم بتقديمها إلى المعبد كقربان، وأطلق على تلك العمليات اسم مهرجان. واستمر أتباعه في القيام بهذه الطقوس على مدار القرون اللاحقة، واليوم تستقطب سوما نوماوي عدداً كبيراً من الناس كل صيف إلى المنطقة لحضور فعاليات المهرجان الذي يقام لمدة ثلاثة أيام متتالية.
ويترجم المهرجان مكانة الخيول في حياة سكان منطقة سوما، فقد توارثت العديد من العائلات جيلا بعد جيل مهنة تربية الخيول للمشاركة في المهرجان بالإضافة إلى إدارة نواد للفروسية، إلى أن تسبب تسونامي الزلزال الكبير الذي وقع خلال مارس 2011 في خسارة الكثير من الخيول، وهو ما أثر سلباً على المهرجان.
ويقام مهرجان شاغو – شاغو في السبت الثاني من شهر يونيو، بمنطقة تاكيزاوا وموريوكا، في محافظة إيواتي. وقد تزعمت عشيرة نانبو التي كانت تحكم المنطقة نشاط تربية الخيول، وتميز خيولها جعلها مطلوبة بشكل كبير لتكون خيول معارك للعديد من المحاربين. وللحفاظ على صحة الخيول كان مزارعو المنطقة، بعد انتهاء موسم الحرث وتهيئة الأرض لزراعة الأرز في شهر يونيو، يقومون باصطحاب خيولهم إلى معبد أونيكوشي سوزان بمدينة تاكيزاوا، حيث يُعتقد أن الإلهة أوكيموتشي نو كامي بمعبد أونيكوشي توفر الطعام للناس وتحافظ على صحة الخيول.
ولا يزال السكان المحليون يحافظون على هذه الطقوس إلى اليوم، فبعد الانتهاء من الصلاة في المعبد يتم اصطحاب الخيول المزينة بألوان زاهية في موكب ليقطع مسافة 14 كيلومترا باتجاه معبد هاتيشمان في منطقة موريوكا المجاورة. ويمر هذا الموكب المهيب عبر طرقات الريف في وقت مبكر من صباحات الصيف الذي تكسر صمته أصوات الأجراس المربوطة إلى سروج الخيول وتسمى “تشاغو – تشاغو”، وقد أخذت هذه الطقوس اسمها من صوت تلك الأجراس.
ويقام مهرجان أونداساي يوم الأحد الأول من شهر يوليو، بمنطقة ميساتو في محافظة ميازاكي. ويُعرف بكونه أضخم مهرجان لزراعة الأرز في اليابان ويعود تاريخه إلى أكثر من 1000 عام. ويتميز بالخيول الهائجة وهي تركض بكل قوتها وسط حقول الأرز المغمورة بالمياه. ويعتبر هذا المهرجان السنوي من طقوس معبد تاشيرو المقام على سفح جبل غونغن، أين يتم اعتبار المحراث كإله رئيسي للمعبد.
ويُفتتح المهرجان بصعود كاهن من معبد أوينو المتواجد في سفوح الجبال باتجاه معبد تاشيرو للترحيب بالمحراث المقدس. ويلي ذلك توجه موكب بقيادة شخص يرتدي زي الإله ساروتاهيكو متبوعا بما يسمى ميكوشي (مجسم على شكل معبد صغير)، ومصحوبين بعربات أخرى، من أعلى الجبل باتجاه حقل أرز مقدس تم غمره بالمياه استعداداً لزراعة الأرز. وبعد الانتهاء من الصلوات وأداء رقصات الكاغورا المقدسة في قاعة العبادة الرئيسية ينطلق الحدث الرئيسي للمهرجان المعروف باسم "أُمايري"، حيث يظهر فيه شباب يرتدون سترات خاصة بالمهرجان تسمى "هابي" ويمتطون خيولهم دون سروج ويؤدون عروضا فانتازية.