الخلايا الجذعية من خيال علمي إلى واقع تحدّه محاذير أخلاقية

المهلة القصوى البالغة 14 يوما لزراعة أجنة بشرية في المختبر قيد النظر.
الجمعة 2021/05/28
هل تقف أخلاقيات علم الأحياء في طريق البحوث العلمية

حدّد خبراء الخلايا الجذعية مهلة 14 يوما لزراعة أجنة بشرية في المختبر وذلك لأسباب علمية وأخلاقية مثبتة، وفي تقديرهم فإن هذا المجال أقرب إلى الخيال العلمي مما يثير مخاوف عامة الناس، وهو ما يتطلب تحديد مهلة زمنية حيث مازلت هناك حاجة إلى فهم أفضل لهذه الفترة من التطور البشري، فيما يتوجس الخبراء من أن تقف أخلاقيات علم الأحياء في طريق البحوث العلمية.

باريس – يجب تمديد المهلة المحددة بـ14 يوما لزراعة أجنة بشرية في المختبر من أجل تكوين معرفة أكثر تقدما وفق ما أوصى الأربعاء خبراء الخلايا الجذعية الذين يعملون على وضع إطار علمي دولي لهذا النوع من الأبحاث.

في بعض البلدان، لا يتم تأطير هذه البحوث بموجب القانون، وحتى عندما تكون كذلك، تُجرى في ظل غياب تنسيق تشريعي دولي. وبالتالي، يستند الباحثون من كل أنحاء العالم إلى توصيات الجمعية الدولية لبحوث الخلايا الجذعية بالإضافة إلى قوانينهم المحلية.

وأصدرت الجمعية الدولية لبحوث الخلايا الجذعية نسختها المحدثة الأربعاء، للمرة الأولى منذ العام 2016.

وتغطي هذه التوصيات مجموعة واسعة من البحوث ذات الآثار الأخلاقية الجسيمة، من زرع خلايا بشرية في حيوانات حية إلى تعديل الجينوم مرورا بتكوين أعضاء من خلايا جذعية. وهذا مجال يصبح أقرب إلى الخيال العلمي ويسبب خوفا بين عامة الناس.

وأوضح رئيس هذه المجموعة المؤلفة من 45 خبيرا كانوا وراء وضع التوصيات الجديدة روبن لوفيل-بادج من معهد “فرنسيس كريك إنستيتيوت” في لندن أن “أهم التغييرات المقترحة قد تكون الإعفاء من قاعدة الـ14 يوما، الفترة الموجبة لزراعة أجنة بشرية سليمة في مختبر”.

الصندوق الأسود

لوفيل-بادج: نحن في حاجة إلى فهم أفضل لهذه الفترة من التطور البشري

لا تقترح لجنة الخبراء هذه مهلة جديدة لكنها توصي بإمكان تجاوز 14 يوما وفقا لأسباب علمية مثبتة واستشارة عامة في البلد الذي يتم فيه إجراء البحث المعني.

ولفت لوفيل-بادج في تعليق نشرته مجلة “نايتشر” الطبية إلى أن الفترة البالغة 14 يوما بعد الإخصاب والتي يجب في نهايتها تدمير الأجنة، “تطبق بموجب قوانين العشرات من البلدان بما فيها المملكة المتحدة وأستراليا”.

وفي فرنسا، لم يعط القانون حدًا أقصى، لكن في الممارسة العملية، حُدِد بسبعة أيام. وترغب الحكومة في تمديده رسميا إلى 14 يوما كجزء من قانون أخلاقيات علم الأحياء الذي يجري بحثه حاليا في البرلمان.

لكن بالنسبة إلى علماء الجمعية الدولية لبحوث الخلايا الجذعية، فإن هذه العتبة عفا عليها الزمن.

وأوضح لوفيل-بادج “عندما تم اقتراح هذه المهلة قبل نحو 40 عاما، لم يكن أحد قادرا على زراعة أجنة بشرية بعد خمسة أيام أو أكثر بقليل. لكن اليوم، هذه المهلة القصوى تمنعنا من دراسة فترة حاسمة من تطور الجنين والتي تحتاج إلى ما بين 14 و28 يوما”.

وبالنسبة إليه، فإن مهلة 14 يوما تسبق بقليل “ظهور العلامات الأولى لتشكل الجهاز العصبي المركزي”.

وبالتالي “لا نعرف سوى القليل جدا عما يحدث في داخل الجنين” خلال الفترة التي تلي الأيام الـ14 التي تعتبر “الصندوق الأسود” للتطور البشري.

حالات إجهاض

Thumbnail

أوضح لوفيل-بادج أنه “من وجهة نظر أخلاقية، يمكننا أن نعتبر أننا في حاجة إلى فهم أفضل لهذه الفترة من التطور البشري نظرا إلى أهميتها”، معتبرا أن ذلك يساهم في تعزيز المعرفة حول حالات الإجهاض والتشوهات الجسدية للأجنة.

وأحرز هذا النوع من البحوث تقدما كبيرا في السنوات الأخيرة.

وفي مارس الماضي، أعلن فريقان من الباحثين أنهما أنتجا بنى جنينية بشرية في مرحلة مبكرة على أمل معرفة المزيد عن المراحل المبكرة من التطور.

وتتوافق هذه الهياكل التجريبية مع الأكياس الأريمية، وهي المرحلة الأولى من تكون الجنين، بعد حوالي خمسة أيام من إخصاب البويضة بواسطة حيوان منوي.

وهذه النماذج التي يطلق عليها “بلاستويد” والتي لا يمكن أن تستمر في تطورها على غرار الأجنة الطبيعية، لا تخضع لقاعدة الـ14 يوما.

لكن هذه المهلة القصوى تعيق التحقق من أن ما يحدث داخل هذه النماذج التجريبية يتوافق مع ما يحدث داخل الأجنة الحقيقية، وفق الباحثين.

ويعرف الباحثون الخلايا الجذعية بالمواد الخام بالجسم، فهي الخلايا التي تتولد منها جميع الخلايا الأخرى ذات الوظائف المتخصصة. وفي ظل الظروف المُناسبة في الجسم أو المختبر، تنقسم الخلايا الجذعية لتكوّن المزيد من الخلايا تسمى الخلايا الوليدة.

وهذه الخلايا الوليدة إما أن تصبح خلايا جذعية جديدة (ذاتية التجديد) أو خلايا متخصصة (متمايزة) ذات وظيفة متخصصة أخرى مثل خلايا الدم أو خلايا الدماغ أو خلايا عضلة القلب أو الخلايا العظمية. لا توجد خلايا أخرى في الجسم لها هذه القدرة الطبيعية على توليد أنواع خلايا جديدة.

ويأمل الباحثون والأطباء في أن تساعد دراسات الخلايا الجذعية على زيادة فهم كيفية حدوث المرض من خلال مراقبة نمو الخلايا الجذعية لتصبح خلايا في العظام وعضلة القلب والأعصاب والأعضاء والأنسجة الأخرى، وهو ما من شأنه أن يمكن الباحثين والأطباء من تحقيق فهم أفضل لكيفية الإصابة بالأمراض والحالات.

كما يطمح الباحثون إلى توليد الخلايا السليمة لتحل محل الخلايا المريضة (الطب التجديدي)، حتى يكون بالإمكان توجيه الخلايا الجذعية لتصبح خلايا نوعية، والتي يمكن استخدامها لتجديد الأنسجة المريضة أو التالفة، وإصلاحها.

وتتضمن فئات المرضى الذين يمكن أن يستفيدوا من علاجات الخلايا الجذعية؛ كل من المصابين بإصابات الحبل الشوكي، ومرض السكري من النوع الأول، ومرض باركنسون، والتصلب الجانبي الضموري ومرض الزهايمر ومرض القلب والسكتة الدماغية والحروق والسرطان والفُصال العظمي.

ويقول الباحثون إن لدى الخلايا الجذعية القدرة لتنمو وتصبح نسيجًا جديدًا للاستخدام في عمليات الزراعة والطب التجديدي. ويواصل الباحثون تقديم المعلومات المتقدمة حول الخلايا الجذعية واستخداماتها في الزراعة والطب التجديدي.

وتتضمن مجالات الدراسة الجديدة فاعلية استخدام الخلايا الجذعية البشرية، والتي خضعت للبرمجة لتصبح خلايا نسيجية نوعية لاختبار العقاقير الجديدة. ليكون اختبار العقاقير الجديدة دقيقًا، يجب برمجة الخلايا للحصول على خصائص نوعية للخلايا التي يستهدفها العقار. ولا يزال الباحثون يدرسون أساليب برمجة الخلايا لتصبح خلايا نوعية.

على سبيل المثال، يمكن توليد الخلايا العصبية لاختبار العقار الجديد لعلاج الأمراض العصبية. وقد تظهر الاختبارات ما إذا كان العقار الجديد يحقق تأثيرًا على الخلايا وما إذا كانت الخلايا قد أصابها الضرر.

لكن وعلى رغم أهمية البحوث والدراسات العلمية الخاصة بالخلايا الجذعية، إلا أنها تصطدم بعوائق قانونية، حيث قيدت القوانين الصارمة مستقبل أبحاث الخلايا الجذعية في ألمانيا على سبيل المثال وغيرها من الدول.

6