الخلاف الصيني التركي: الرسائل لأنقرة والتهديد لدول آسيا الوسطى

بكين - منذ عقود اتسمت السياسات الاتصالية للصين بانتهاج دبلوماسية ناعمة وغير صدامية عند خوض قادتها في أهم الملفات الدولية والإقليمية الشائكة، لكن بكين اختارت هذه المرة الرد بقوة على انتقادات وجهتها لها تركيا بشأن ما تتهم به من ممارسة للقمع ضد أقلية أتراك الإيغور المسلمة، لتتشكل بذلك ملامح حرب لن تؤثر فقط على العلاقة بين البلدين بل أيضا على مواقف وتصورات بلدان آسيا الوسطى التي ستجد نفسها في اختبار صعب، أي بين مناصرة مواقف أنقرة أو تلافي توجيه انتقادات قد تزعج الصين.
وبلغت الأزمة التركية الصينية ذروتها مؤخرا بعدما انتقدت تركيا وتحديدا حزب العدالة والتنمية الحاكم ما تقترفه السلطات الصينية بحق المسلمين الأتراك في إقليم شينجيانغ الشمالي الغربي، ليكون رد بكين وعلى لسان سفيرها في تركيا دينغ لي شديد اللهجة بقوله، إن “أنقرة تخاطر بتقويض العلاقات الاقتصادية مع بكين إذا استمرت في انتقاد معاملة السلطات الصينية للإيغور المسلمين”.
ورغم أن تحذيرات الصين تشي بمخاطر كبرى على مصالح تركيا خاصة أن تهديداتها تأتي في الوقت الذي تتطلع فيه الشركات الصينية إلى الاستثمار في مشروعات الطاقة والبنية الأساسية الكبرى في تركيا، إلا أن تداعيات هذه الأزمة تتجاوز العلاقات الثنائية بين البلدين لتلقي بظلالها على بلدان آسيا الوسطى.
وبحسب رأي جيمس دورسي، المحلل الأميركي في مدرسة راجاراتنام للدراسات الدولية، فإن الخلاف التركي الصيني يعقدّ الجهود التي تبذلها كازاخستان والعديد من الدول الأخرى في آسيا الوسطى لتحقيق تعامل هادئ، خلف أبواب مغلقة، مع ملف مواطنيها والأفراد الذين يشاركونها إثنيّتها في جمهورية الصين الشعبية.
وسيكون تهديد الصين بعواقب اقتصادية لتركيا عبر إغلاق القنصلية الصينية المؤقت في المدينة الساحلية إزمير التي تمثل مركزا مهما في كلّ من مجالي التجارة والنقل، وهو أيضا بمثابة تحذير لمختلف دول العالم الإسلامي في ما يمكن أن يحدث إذا ما قررت الاقتداء بتركيا.
وتنفي الصين تهم انتهاكها لحقوق الإنسان، وتصر على أن سجن مليون من معتقلي الإيغور وغيرهم من المسلمين الأتراك في معسكرات “إعادة التثقيف” هو مجرد مرافق لإعادة التعليم والتدريب، وقد أثبتت فعاليتها في إيقاف هجمات المتشددين الإسلاميين والانفصاليين.
ودعا وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو الصين، مرتين خلال الأسبوع الماضي، إلى التمييز بين مرتكبي العنف السياسي وبين المدنيين الأبرياء، مع التأكيد على رغبة تركيا في مواصلة التعاون مع جمهورية كوريا الشعبية قائلا “لا ينبغي أن تعيق مشكلتنا مع الصين تعاوننا في مسائل أخرى”.
وتأمل تركيا في أن يحدّ الاستثمار الصيني في التجارة النووية والتجارة الإلكترونية والبنية التحتية من عجزها التجاري الكبير مع الصين الذي بلغ 17.8 مليار دولار في العام الماضي.
وتأتي مواقف بكين عكس ما تأمله أنقرة اقتصاديا، حيث قال سفير الصين لدى تركيا دنيغ لي “قد تكون هناك خلافات أو سوء فهم بين الأصدقاء، ولكن يجب علينا حلها من خلال الحوار. لا يعتبر انتقادك لصديقك علانية في كل مكان نهجا بناء. يمثّل الاحترام المتبادل القضية الأهم بين الدول. هل ستبقى صديق شخص إذا ما انتقدك علنيا كل يوم؟ إذا اخترت مسارا غير بناء، فسيؤثر ذلك سلبا على الثقة المتبادلة والتفاهم وسينعكس في العلاقات التجارية والاقتصادية”.
وتهدف بكين إلى منع دول آسيا الوسطى من التحدث عن سياساتها وانتقادها علانية رغم الضغوط الداخلية المتزايدة.
وفي علاقة بتداعيات الخلاف على بقية دول آسيا الوسطى، فإنه سبق لعاملة سابقة في معسكرات إعادة التثقيف، فرّت إلى كازاخستان، أن أكدت سجن حوالي 75 ألف مواطن كازاخي وصيني من أصل كازاخستاني.
وفي الوقت الحالي، يسير قادة آسيا الوسطى على حبل مشدود. إذ يصرون رسميا على كون شينجيانغ شأنا داخليا صينيا، ويحاولون في نفس الوقت كبح الانتقادات المحلية.