الخلافات حول المحكمة الدستورية يؤجج الصراع بين الرئاسي الليبي والبرلمان

الحكومة المكلفة من البرلمان تدعو إلى إجراءات القانونية ضد المجلس الرئاسي لمطالبته بإلغاء المحكمة الدستورية، وتعتبر أن موقفه يعرقل توحيد المؤسسات.
الأحد 2024/11/03
الصراع ينذر بتحوله إلى معركة كسر عظام

بنغازي (ليبيا) – دعت الحكومة المكلفة من مجلس النواب الليبي برئاسة أسامة حماد مكتب النائب العام إلى اتخاذ الإجراءات القانونية تجاه المجلس الرئاسي بعد مطالبة الأخير بإلغاء القانون رقم (5) لسنة 2023 بشأن إنشاء المحكمة الدستورية، معتبرة أن موقف المجلس منتهي الولاية يعرقل توحيد المؤسسات، في خطوة رآها مراقبون أنها قد تتحول إلى معركة كسر عظام بين المجلسين بعد جولة سابقة رافقت تغيير مجلس إدارة المصرف المركزي، ما يشير إلى أن الخلاف لا يزال قائما بشأن ملفات أخرى.

وقالت الحكومة، في بيان لها، فجر اليوم الأحد، إن كتاب المجلس الرئاسي الموجه إلى مجلس النواب، والمتداول عبر وسائل الإعلام، الذي اعترض فيه على قانون المحكمة الدستورية تضمن جملة من المغالطات والتناقضات، فهذا القانون صدر من جهة تشريعية مختصة، ويرسخ رقابة الدستور على كل القوانين والتشريعات في مؤسسة قضائية مستقلة عن القضاء العادي على غرار دول الجوار والعالم، التي تتبنى نظام المحاكم الدستورية العليا.

واعتبر البيان أن موقف المجلس الرئاسي يقوض كل الجهود المبذولة من جميع الأطراف لتوحيد مؤسسات الدولة، ولا يعبر إلا عن نظرة شخصية ضيقة لصاحبه، ولا يستند لأي معايير قانونية أو أسباب منطقية.

ودعت الحكومة المكلفة الجهات القضائية والرقابية للتحقيق حيال هذه الوقائع التي ترتقي لمصاف الجنايات وفتح تحقيق بشأنها تمهيدا لإحالة مرتكبها للقضاء المختص، معتبرة أن الخطاب محاولة جديدة لتعميق الشقاق والانقسام بين مؤسسات الدولة الرسمية وأهمها مجلس النواب، الجهة الوحيدة المنتخبة من الشعب الليبي.

وعدد البيان حالات إصدار المجلس الرئاسي في قرارات وصفتها بالمخالفة للتشريعات السارية والاتفاق السياسي، مشيرا بشكل خاص إلى اختلاق أزمة المصرف المركزي، التي تسببت في انهيار الاقتصاد الوطني لفترة معينة، مضيفاً رغم ذلك لم تتم محاسبته قانونا عن هذا العبث، الذي أثر في المركز المالي والتصنيف الائتماني للمؤسسات المالية بالدولة.

وأشار البيان إلى إصدار المجلس الرئاسي قرارا بتشكيل وخلق جسم مواز للمفوضية العليا للانتخابات وهو ما أطلق عليه مسمى المفوضية الوطنية للاستعلام والاستفتاء الوطني، دون أن يكون مخولا بذلك، متابعاً "لا يخفى على الجميع ما سيترتب على ذلك من إضاعة الفرصة لإنجاز الاستحقاقات الانتخابية، عبر مؤسسة رسمية معترف بها لدى جميع الأطراف المحلية والدولية منبثقة عن مجلس النواب وهي المفوضية العليا للانتخابات".

واعتبرت الحكومة المكلفة أن المجلس الرئاسي لم ينجز المهام المحددة الممنوحة له وأهمها ملف المصالحة الوطنية، والتي لم يبذل فيها أي جهود حقيقية على أرض الواقع، مشيرة إلى أن الرئاسي أمعن واستمر في ارتكاب تصرفات من شأنها زعزعة الأوضاع وخلق الفوضى من خلال التشكيك في شرعية استمرار مجلس النواب، وأن مجلس النواب هو الجهة الوحيدة المنتخبة حالياً.

كما اعتبرت أن رئيس المجلس الرئاسي يخالف- بسبب هذه الممارسات- نص المادة الأولى من القانون رقم 13 لسنة 2023 م، والتي قررت عقوبة السجن لمدة لا تقل عن عشر سنوات لكل من مارس مهام وظيفة انتهت ولاية تكليفه بها، مشيرة إلى أن العقوبة تكون مشددة إذا كانت الوظيفة المقصودة من الوظائف العليا.

واستطردت "كما أنه يخالف النصوص الواردة بالقانون رقم 2 لسنة 1979 بشأن الجرائم الاقتصادية وكذلك النصوص العقابية الواردة بقانون العقوبات، التي تجرم انتحال الصفات والوظائف، وتقرر العقوبات المشددة لها".

وشدد البيان على أن تصرفات المجلس الرئاسي تقوض كل الجهود المبذولة من كافة الأطراف لتوحيد مؤسسات الدولة، و"لا تعبر إلا عن نظرة شخصية ضيقة لصاحبها، ولا تستند لأي معايير قانونية أو أسباب منطقية".

ويأتي هذا البيان المطول، بعد أن طالب رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، السبت، في خطاب وجهه إلى رئيس مجلس النواب عقيلة صالح بضرورة إلغاء وتجميد قوانين "لا تتطلبها المرحلة الانتقالية وتخالف الاتفاق السياسي"، مشيراً إلى أن مجلس النواب "سلطة تشريع مؤقت"، وذلك بعد خطابات سابقة طالبه فيها بضرورة الإعلان عن تفاصيل الجلسات التي أصدر فيها عددا من القوانين والتشريعات، خاصة في جانب النصاب القانوني المطلوب للتصويت على التشريعات.

واتهم المجلس الرئاسي مجلس النواب بأنه "مدد لنفسه بدون استفتاء الشعب كما ينص الإعلان الدستوري بنص صريح"، معتبراً أن هذا التمديد بدون استفتاء الشعب عليه كان "لظروف أمنية منعت ذلك الاستحقاق الدستوري حينها". ونبه المجلس الرئاسي إلى أن هذه الظروف "زالت اليوم مع حالة الاستقرار والإعمار الذي نشهده في كل ليبيا".

وركز خطاب "الرئاسي" في اتهاماته على تدخل مجلس النواب بأعمال السلطة القضائية، وقال "لاحظنا محاولات مستمرة للهيمنة على السلطة القضائية من خلال أداة التشريع في غياب النصاب الدستوري والقانوني عن جلسات البرلمان، وإجراء تعديلات غير مبررة للقوانين المنظمة للسلطة القضائية والتعدي كذلك على اختصاصات تنفيذية".

وختم خطابه بمطالبة مجلس النواب بـ"إلغاء قانون إنشاء المحكمة الدستورية، وتجميد ومراجعة كل القوانين التي لا تتطلبها المرحلة الانتقالية أو المخالفة للاتفاق السياسي، وذلك في جلسات علنية شفافة بنصاب قانوني".

واشتدت الخلافات بين المجلس الرئاسي ومجلس النواب منذ أغسطس الماضي، على خلفية إصدار المجلس الرئاسي قرارا بتغيير إدارة المصرف المركزي، وتكليف محافظ للمصرف بديلا عن المحافظ المشرعن من مجلس النواب، ما حدا بالبعثة الأممية إلى عقد مفاوضات بين ممثل عن المجلس الرئاسي وممثلين عن مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، انتهت إلى الاتفاق على تعيين محافظ جديد وتشكيل مجلس إدارة للمصرف نهاية سبتمبر الماضي.

وعقب ذلك، أعاد المجلس الرئاسي الجدل حول مشروعية قرار أصدره مجلس النواب، نهاية العام 2022، بشأن إنشاء محكمة دستورية وتعيين أعضائها، وبالرغم من إعلان مجلس النواب عن تجميد خطوته إثر اعتراض المجلس الأعلى للدولة عليها، إلا أنه عاد منتصف سبتمبر الماضي وأعلن عن افتتاح مقر المحكمة في بنغازي ومباشرة أعضائها أعمالهم فيها بعد أن أدوا اليمين القانونية أمام "النواب".

وتباعاً، وجه المجلس الرئاسي خطابا إلى مجلس النواب، منبها إلى عدم قانونية إنشاء المحكمة الدستورية، إلا أن الأخير رد على المجلس الرئاسي بعدم اختصاصه بالنظر في القرارات والتشريعات التي يصدرها النواب.

ويرى مجلس النواب أن قانون المحكمة الدستورية العليا هو الأولى بالصدور في المرحلة الانتقالية، لأن إنشاء قضاء متخصص في هذه المرحلة من شأنه أن يضبط الأمور في البلاد، ولا تتكرر الأخطاء، ولتجنب إصدار أحكام على قوانين قبل أن تولد.

وبينما يرى أنصار مجلس النواب أن المحكمة الدستورية يمكن أن تكون حصنا منيعا للقرارات الصادرة عن السلطة التشريعية، وتحول دون المزيد من فوضى القوانين الناجمة عن الأزمة السياسية المتفاقمة في البلاد، يعتبر أنصار المجلس الرئاسي أن المحكمة الدستورية ستزيد من تعميق حالة الانقسام في البلاد، لاسيما أن سلطات طرابلس تعتمد على الدائرة الدستورية التابعة للمحكمة العليا وتتبنى قرار القضاء الصادر في طرابلس ببطلان قرار إنشاء المحكمة الدستورية في بنغازي.

ويرى المراقبون أن أزمة المحكمة الدستورية تضاف إلى سلسلة القضايا والأزمات التي تواجهها ليبيا نتيجة حالة الاستقطاب السياسي والتجاذبات حول الشرعية بين الفرقاء الفاعلين سواء في طرابلس أو بنغازي، حيث يسعى كل طرف إلى التحصن بعدد من المؤسسات التي تدور في فلكه ليستفيد منها عندما يكون في حاجة إليها.

وسبق أن كشفت مصادر ليبية مقربة من المجلس الرئاسي عن استعداد المجلس الرئاسي للإعلان عن خطوات تصعيدية جديدة ضد مجلس النواب، وعزمه تفعيل قراره بشأن إنشاء مفوضية للاستفتاء، لعرض القرارات والتشريعات التي يصدرها مجلس النواب على الشعب للاستفتاء عليها.