الخطة المصرية لإعمار غزة من دون تهجير تصطدم بألغام التمويل

تتركز الجهود الإقليمية والدولية على إعادة إعمار غزة وسط تحديات سياسية واقتصادية معقدة، فالخطة المصرية المطروحة تركز على التنمية دون تهجير الفلسطينيين، فيما تثار تساؤلات حول تحديات التمويل وما إذا كانت ستحصل على موافقة الولايات المتحدة وإسرائيل.
القاهرة - تجري مصر تحركات دبلوماسية مكوكية لحشد الدعم الإقليمي والدولي لخطتها البديلة لتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة، لكن الخطة التي تأتي في مواجهة اقتراح الرئيس الأميركي دونالد ترامب تصطدم بألغام التمويل.
وكشفت مصادر دبلوماسية عربية وغربية أن الخطة المصرية التي لم تكتمل بلورتها بعد تقترح إنشاء “مناطق آمنة” داخل غزة حيث يمكن للفلسطينيين العيش في البداية بينما تقوم شركات البناء المصرية والدولية بإزالة وإعادة تأهيل البنية التحتية للقطاع.
وقال المسؤولون المصريون إن الخطة تدعو إلى عملية إعادة إعمار من ثلاث مراحل تستغرق ما يصل إلى خمس سنوات دون إبعاد الفلسطينيين من غزة.
وتحدد ثلاث "مناطق آمنة" داخل غزة لإعادة توطين الفلسطينيين خلال “فترة التعافي المبكر” الأولية التي تستمر ستة أشهر. وسيتم تجهيز المناطق بمنازل وملاجئ متنقلة، مع تدفق المساعدات الإنسانية.
وستشارك أكثر من عشرين شركة مصرية ودولية في إزالة الأنقاض وإعادة بناء البنية التحتية للقطاع. وقال المسؤولون إن إعادة الإعمار ستوفر عشرات الآلاف من الوظائف لسكان غزة.
وناقش المسؤولون المصريون الخطة مع دبلوماسيين أوروبيين وكذلك مع المملكة العربية السعودية وقطر والإمارات العربية المتحدة قبل عرضها على القمة العربية المزمع عقدها أواخر فبراير الجاري.
وقال أحد المسؤولين المصريين ودبلوماسي عربي إنهم يناقشون أيضا سبل تمويل إعادة الإعمار، بما في ذلك مؤتمر دولي لإعادة إعمار غزة. ويتمثل جوهر المقترح المصري في إنشاء إدارة فلسطينية غير متحالفة مع حماس أو السلطة الفلسطينية لإدارة القطاع والإشراف على جهود إعادة الإعمار.
◙ عملية إعادة الإعمار تبدو مختلفة هذه المرة عن المرات التي تلت الحروب السابقة من ناحية التكلفة المالية المرتفعة
ويدعو المقترح أيضا إلى إنشاء قوة شرطة فلسطينية تتألف في الأساس من رجال شرطة سابقين من السلطة الفلسطينية بقوا في غزة بعد سيطرة حماس على القطاع في عام 2007، مع تعزيزات من قوات مدربة من مصر والغرب.
وفي علاقة بإمكانية نشر قوة عربية في غزة، قالت مصادر مصرية رفضت الكشف عن هويتها لوكالة أسوشيتد برس إن الدول العربية لن توافق إلا إذا كان هناك "مسار واضح" لإقامة دولة فلسطينية مستقلة.
ورفض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أي دولة فلسطينية وكذلك أي دور لحماس أو السلطة الفلسطينية المدعومة من الغرب في حكم غزة، رغم أنه لم يطرح أي بديل واضح.
وقالت حماس إنها مستعدة للتخلي عن السلطة في غزة. وقال المتحدث باسم حماس عبداللطيف القانوع لوكالة أسوشيتد برس الأحد إن الجماعة قبلت إما حكومة وحدة فلسطينية بدون مشاركة حماس أو لجنة من التكنوقراط لإدارة المنطقة. وعارضت السلطة الفلسطينية، التي تحكم جيوبا في الضفة الغربية، حتى الآن أي خطط لغزة تستبعدها.
وقال دبلوماسي غربي إن فرنسا وألمانيا أيدتا فكرة قيام الدول العربية بتطوير اقتراح مضاد لخطة ترامب، وإن الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي ناقش جهود حكومته مع الرئيس الفرنسي في مكالمة هاتفية في وقت سابق من هذا الشهر.
وقال أحد المسؤولين المصريين إن وزير الخارجية المصري بدر عبدالعاطي أطلع وزير الخارجية الألماني ومسؤولين آخرين من الاتحاد الأوروبي على الخطة على هامش مؤتمر ميونخ للأمن الأسبوع الماضي. وتقترب غزة من منعطف حرج مع انتهاء المرحلة الأولى من وقف إطلاق النار في أوائل مارس. لا يزال يتعين على إسرائيل وحماس التفاوض على مرحلة ثانية تهدف إلى إطلاق سراح جميع الرهائن المتبقين الذين يحتجزهم المسلحون، والانسحاب الإسرائيلي الكامل من غزة ووقف الحرب على المدى الطويل.
ويرى محللون أنه سيكون من المستحيل تنفيذ أي خطة لإعادة الإعمار دون التوصل إلى اتفاق بشأن المرحلة الثانية، بما في ذلك الاتفاق على من سيحكم غزة في الأمد البعيد. وتطالب إسرائيل بالقضاء على حماس كقوة سياسية أو عسكرية في المنطقة، ومن غير المرجح أن يساهم المانحون الدوليون في أي إعادة بناء إذا كانت حماس مسؤولة.

ودمرت الحملة الإسرائيلية التي استمرت 16 شهرا في غزة، والتي اندلعت بسبب هجوم حماس في السابع من أكتوبر 2023، القطاع. ووفقا لتقديرات الأمم المتحدة، تم تدمير أو إتلاف حوالي ربع مليون وحدة سكنية. كما تضرر أو دمر أكثر من 90 في المئة من الطرق وأكثر من 80 في المئة من المرافق الصحية.
وتبدو عملية إعادة إعمار غزة هذه المرة مختلفة عن المرات التي تلت الحروب السابقة ما بين 2008 وحتى 2021، من ناحية التكلفة المالية المرتفعة وطبيعة الأوضاع الجيوسياسية.
وحسب تقرير صادر عن الأمم المتحدة، فإن تكلفة إعادة إعمار غزة تتطلب أكثر من 53 مليار دولار. وقدر التقرير حاجة غزة إلى قرابة ثلاثة قرون ونصف القرن، أي ما يعادل 350 عاما، للعودة إلى ما كان عليه الواقع قبل السابع من أكتوبر 2023، إذا ما استمر الحصار الإسرائيلي المفروض على القطاع وجرت عرقلة عملية إعادة الإعمار.
وتتوقع مصادر أن تحشد الخطة المصرية مساهمات مالية من دول المنطقة بما يصل إلى 20 مليار دولار، وهو أقل من نصف المبلغ الذي قدرته الأمم المتحدة لإعادة الإعمار.
وقال الأستاذ الجامعي الإماراتي عبدالخالق عبدالله في تصريح لوكالة رويترز "مساهمة الدول العربية بمبلغ يصل إلى نحو 20 مليار دولار، وهو الرقم المحتمل الذي ذكره مصدران من القائمين على جهود إعادة الإعمار، قد يكون حافزا جيدا لترامب لقبول الخطة."
وأضاف عبدالله "ترامب هو رجل معاملات (مالية)، لذا فإن مبلغ 20 مليار دولار سيكون له صدى جيد بالنسبة له.. وهذا سيفيد الكثير من الشركات الأميركية والإسرائيلية."