الخطة الأميركية للسلام تحيي مخاوف قديمة في لبنان

بيروت – نظم الآلاف من اللبنانيين واللاجئين الفلسطينيين، الثلاثاء، وقفة بالعاصمة بيروت، احتجاجا على ورشة البحرين التي انطلقت الثلاثاء وتستمر حتى الأربعاء.
وتشكل الورشة التي تأتي تحت عنوان “الازدهار من أجل السلام” المرحلة الأولى من خطة السلام الأميركية لحل النزاع الإسرائيلي الفلسطيني، وتركز على جلب استثمارات بقيمة 50 مليار دولار إلى الأراضي الفلسطينية وثلاث دول عربية مجاورة إحداها لبنان.
ويتضمن الجزء الاقتصادي من الخطة منح لبنان الذي يعاني من أزمة اقتصادية خانقة، ستة مليارات دولار مقابل قبوله بتوطين الفلسطينيين الذين عاشوا لاجئين في البلاد منذ قيام إسرائيل في عام 1948.
وكان رفض تجنيس الفلسطينيين من بين الأشياء النادرة التي اتفق عليها اللبنانيون خلال تاريخ مضطرب شهد حربا أهلية استمرت من عام 1975 إلى عام 1990 ولعبت فيها فصائل فلسطينية دورا رئيسيا.
ويميط اللثام عن الجزء الأول من الخطة جاريد كوشنر كبير مستشاري البيت الأبيض وصهر ترامب في مؤتمر بالبحرين. ودعيت الحكومة اللبنانية لحضور المؤتمر لكنها لم تشارك.
ولا تبدو احتمالات تحقيق أي تقدم في الخطة جيدة. فالسلطة الفلسطينية نفسها لن تحضر مؤتمر البحرين كما ترفض التعامل مع إدارة دونالد ترامب منذ 18 شهرا متهمة إياها بالانحياز لإسرائيل.
وقال حسام منيمنة (43 عاما) والذي يعمل سائق سيارة أجرة “أنا كلبناني وعربي أرفض المشروع الأميركي كله. وبموضوع الشق اللبناني طبعا أنا ضد توطين الفلسطينيين، وليس ضدهم كفلسطينيين… لا، نحن نريد عدم توطينهم من أجل أن يرجعوا إلى بلدهم”.
وأضاف “لا يناسبنا بصراحة أن يحصل موضوع التوطين لأي جنسية معينة لأن هذا يحدث خللا ديموغرافيا وجغرافيا وهذا أمر نحن لا نقبل به بصراحة”.
ولا تتضمن الأفكار التي تم الكشف عنها حتى الآن أي ذكر للقضايا السياسية الكبيرة التي تمثل لب الصراع مثل الدولة الفلسطينية أو مصير اللاجئين.
وتحدث نبيه بري رئيس مجلس النواب، وهو شيعي، بقوة ضد خطة كوشنر يوم الأحد. وقال “يخطئ الظن من يعتقد أن التلويح بمليارات الدولارات يمكن له أن يغري لبنان الذي يئن تحت وطأة أزمة اقتصادية خانقة على الخضوع أو المقايضة على ثوابت غير قابلة للتصرف”.
ووصف حزب الله المدعوم من إيران والمدجج بالسلاح الخطة بأنها “جريمة تاريخية”.
والمخاوف من حدوث تغييرات في الوضع السكاني في لبنان أكثر حدة بين المسيحيين الذين يشغلون حصة من مقاعد مجلس النواب نسبتها 50 في المئة ويشغلون مناصب عليا منها رئاسة الدولة بمقتضى نظام تقاسم السلطة الطائفي.
ودفع وجود أكثر من مليون لاجئ من سوريا المجاورة، وهم في أغلبهم مسلمون سنة مثل الفلسطينيين، الرئيس ميشال عون، وهو مسيحي ماروني، إلى التحذير من تهديد وجودي للبنان.
وأشار النائب المسيحي الماروني نديم الجميل، الذي قاتل والده بشير الجميل الفصائل الفلسطينية خلال الحرب الأهلية، إلى الدم الذي أريق في الصراع وهو يحذر كوشنر من عرض المال مقابل التوطين الدائم للفلسطينيين. وكتب على تويتر يقول “لبنان ليس شركة عقارية”.
وقال إدمون شماس (55 عاما) وهو مسيحي إن التوطين الدائم للفلسطينيين من شأنه زعزعة استقرار لبنان. وأضاف “أكيد مع محبتي للشعب الفلسطيني أتمنى أن يعود إلى بلده… يكفينا مشاكل ونتمنى لهم التوفيق ولكن أنا أكيد ضد التوطين”.
ويوجد نحو 470 ألف لاجئ فلسطيني مسجلين في لبنان على الرغم من أن تعدادا سكانيا رسميا أجري في عام 2017 أحصى عدد من يعيشون هنا يقل عن نصف هذا العدد، حيث يبلغ عددهم نحو 175 ألف لاجئ.
ويفرض لبنان قيودا مشددة على حقهم في العمل ويحظر عليهم تملك العقارات. وفي مخيم شاتيلا في بيروت، حيث قتلت ميليشيا مسيحية مئات الفلسطينيين خلال الغزو الإسرائيلي للبنان في عام 1982، رُفعت لافتة تجسد الرفض الفلسطيني للخطة الأميركية إذ تقول إن حق الفلسطينيين في العودة سيهزم صفقة القرن.
وقال حسن عبدالرحمن وهو لاجئ في العقد السادس من العمر “لا أحد يقبل بدلا عن وطنه. نحن هنا مؤقت قعدتنا وإن شاء الله العودة قريبة”.
واعتبر مهند الحاج علي، وهو زميل في مركز كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت، إنه على الرغم من أن الزعماء اللبنانيين سيرفضون في كل الأحوال منح الجنسية للفلسطينيين، إلا أنهم سيصابون بالصدمة بسبب المبلغ الضئيل نسبيا الذي تم طرحه في خطة كوشنر.
وتابع قائلا “في إطار المناقشات السياسية في لبنان كان هناك دائما اعتقاد بأن المجتمع الدولي وإسرائيل سيسددان كل ديون لبنان مقابل تجنيس اللاجئين الفلسطينيين… لذلك هذه مزحة في الواقع”.