الخطة الأممية الجديدة في ليبيا: احتمالات الفشل أكبر من حوافز النجاح

الخطة لا تعالج الانقسامات وتبقي جذور الخلافات قائمة
السبت 2024/12/21
مبادرة تحمل بذور فشلها

يرى محللون أن الخطة الأممية الجديدة للحل السياسي في ليبيا التي أعلنت عنها نائبة الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا ستيفاني خوري ستلقى نفس مصير الخطط السابقة، لكونها لم تعالج جوهر الخلافات.

طرابلس - في ظل أزمة سياسية تراوح مكانها في ليبيا منذ نحو ثلاثة أعوام، أعلنت نائبة الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا ستيفاني خوري خطة جديدة للحل. إلا أن الخطة الأممية أثارت تساؤلات بشأن فرص نجاحها، خاصة أنها سبقتها خطط عديدة كان مصيرها الفشل جراء خلافات مستمرة في البلد المثقل بالأزمات.

وخلال إحاطة لمجلس الأمن الدولي الاثنين قالت ستيفاني إن من أولويات الخطة الجديدة “تشكيل حكومة موحدة” للبلاد التي تحكمها حاليا حكومتان.

وأضافت أنه “سيتم تشكيل لجنة استشارية محددة الزمن، للتمهيد لإجراء الانتخابات (برلمانية ورئاسية) ومعالجة النقاط الخلافية في قوانين الانتخابات.”

وأوضحت أن “اللجنة ستُشكل من شخصيات ليبية مرموقة وخبراء مع احترام التنوع، ومهمتها تقديم استشارات.”

وتوجد في ليبيا حكومتان إحداهما عيَّنها مجلس النواب مطلع 2022 برئاسة أسامة حماد ومقرها مدينة بنغازي، وتدير منها كامل شرق البلاد ومعظم مدن الجنوب.

والحكومة الأخرى معترف بها من الأمم المتحدة، وهي حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبدالحميد الدبيبة ومقرها العاصمة طرابلس، وتدير غرب البلاد كاملا.

ويأمل الليبيون أن تؤدي انتخابات طال انتظارها إلى وضع حد للصراعات السياسية والمسلحة، وإنهاء الفترات الانتقالية المتواصلة منذ الإطاحة بنظام معمر القذافي (1969 – 2011).

مواقف متباينة

خطة ستيفاني خوري شبيهة بالتي أطلقها المبعوث المستقيل عبدالله باتيلي في 27 فبراير العام الماضي

رحب الاتحاد الأوروبي بالخطة الأممية الجديدة واعتبر أنها “تطور إيجابي لإحياء العملية السياسية،” ودعا كافة الأطراف الليبية والدولية إلى “العمل مع البعثة الأممية لضمان نجاح آلية الوساطة.”

كما أعلنت فرنسا وألمانيا وإيطاليا وبريطانيا والولايات المتحدة في بيان مشترك دعمها للخطة الأممية واستعدادها الكامل للمساعدة.

وقال نائب رئيس المجلس الرئاسي عبدالله اللافي عبر منصة إكس “نُعبر عن دعمنا الكامل والمطلق لإطلاق عملية سياسية شاملة، برعاية بعثة الأمم المتحدة.”

واعتبر أن هذه العملية تمثل “مسارا وطنيا ضروريا لتحقيق الاستقرار وتوحيد مؤسسات الدولة والخروج من حالة الجمود السياسي، وصولا إلى انتخابات وطنية حرة ونزيهة تحقق تطلعات الشعب الليبي في بناء دولة ديمقراطية موحدة وذات سيادة.”

وحدد اللافي شروطا لنجاح المبادرة الأممية، أهمها “تعزيز التنسيق الدولي وتوحيد الجهود الإقليمية والدولية لدعم هذا المسار السياسي.”

ودعما للمبادرة الأممية دعا الرئيس السابق للمجلس الأعلى للدولة الليبي (نيابي استشاري) خالد المشري “الأطراف المعنية كافة إلى اتخاذ الإجراءات اللازمة لإنجاز الانتخابات في أقرب وقت، تحت إشراف حكومة موحدة، مع التأكيد على الملكية الليبية للعملية السياسية.”

المشري دعا الأطراف المعنية كافة إلى اتخاذ الإجراءات اللازمة لإنجاز الانتخابات في أقرب وقت

ولا يمكن اعتبار موقف المشري معبرا عن المجلس الأعلى للدولة بالكامل، كونه يتنازع على رئاسته مع محمد تكالة، بعد أن شككا في صحة انتخابات داخلية أُجريت قبل أشهر، ما قسَّم المجلس إلى قسمين، لكل منهما رئيس ومقر.

وفي المقابل لاقت المبادرة الأممية معارضة من مجلس النواب، إذ أصدر 4 من أعضائه بيانا مشتركا اعتبروا فيه أن “البعثة الأممية أصبحت جزءا من المشكلة وليست الحل.”

وما يجعل من المحتمل أن يكون رأي هؤلاء النواب الموقف الرسمي لمجلس النواب كاملا هو أن بيانهم نُشر عبر كل المنصات الرسمية للمجلس، ومنها الموقع الإلكتروني.

والنواب الأربعة هم النائب الأول لرئيس المجلس فوزي النويري، ورئيس لجنة الدفاع والأمن القومي طلال الميهوب، وسالم قنان، وعائشة شلابي.

واعتبر النواب الأربعة أن مبادرة ستيفاني “لم تحمل سوى عبارات عامة ومواقف مكررة،” وتمثل “محاولة لفرض حلول مفصلة خارج إرادة الشعب الليبي أو تجاوز ممثليه.”

أما الطرفان الرئيسيان الفاعلان في ليبيا، وهما رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبدالحميد الدبيبة والقائد العام للجيش الوطني الليبي المشير خليفة حفتر، فلم يصدر عنهما موقف رسمي حول خطة ستيفاني.

توترات ومصالح

ترى الكاتبة الليبية منال نجم أن “الخطة الأممية الجديدة قد يكتب لها النجاح، رغم أنها مكررة، إلا أن التكرار ليس دائما يفضي إلى النتيجة ذاتها.”

وتضيف نجم “حين الحكم على الخطة الجديدة، يجب أخذ المعطيات الجديدة في الاعتبار، وأولها الوضع العام في الشرق الأوسط.”

وتوضح أن “الشرق الأوسط يعيش أصعب أوقاته، فهناك توترات سياسية واقتصادية وأمنية في كل من فلسطين وسوريا والسودان وحتى إيران والعراق ولبنان أيضا.”

وتعتبر الكاتبة أن هذا “أهم عوامل نجاح الخطة الجديدة، وردود أفعال جميع الدول (المرحبة) في جلسة مجلس الأمن دليل على ذلك.”

وتزيد بأن “ليبيا تمثل حاليا أهمية كبيرة للدول الغربية، فمثلا إيطاليا تضعها ضمن أولوياتها، لكون ليبيا أكثر الدول التي تصدر مهاجرين غير نظاميين إلى إيطاليا، وبالتالي استقرار ليبيا مهم.”

كما أن “الولايات المتحدة وقَّعت عقودا ضخمة مع ليبيا العام الجاري في مجالات النفط، وستيفاني خوري أميركية وبالتالي نجاحها سيُحسب لواشنطن.”

وتتابع أن “الولايات المتحدة تضغط داخل مجلس الأمن لإبقاء ستيفاني وعدم تكليف مبعوث جديد، رغم مرور ثمانية أشهر على استقالة المبعوث السابق عبدالله باتيلي.”

وتردف “هناك دول فاعلة ومهمة جدا في المنطقة، على رأسها تركيا، يهمها نجاح المبادرة الأممية الجديدة، فالشركات الكبرى في هذه الدول وقَّعت عقودا بمليارات الدولارات في ليبيا التي تشهد حالة ضخمة من الإعمار.”

وجميع الدول الغربية، وفق نجم، يهمها “استقرار ليبيا الآن لتعويض النقص العالمي في الطاقة، الذي تسببت فيه الحرب الروسية – الأوكرانية (منذ فبراير 2022)، وهو أمر لن يكون إلا باستقرار ليبيا التي تملك المخزون الأفريقي الأكبر من النفط.”

وتعتبر أن “كل تلك الدول والعوامل مجتمعة تدفع نحو التفاؤل بنجاح المبادرة الأممية الجديدة.”

أسباب الفشل

Thumbnail

يرى المحلل السياسي الليبي بوبكر سالم حماد أن “الفشل هو مصير المبادرة الأممية الجديدة، لعدة أسباب.” ويعتبر أن أول هذه الأسباب هو “عدم وجود شريك سياسي في غرب البلاد لمجلس النواب (في الشرق) في ظل انقسام المجلس الأعلى للدولة، والثاني هو عدم إشراك المجموعات المسلحة الحاكمة فعلا على الأرض في المنطقة الغربية.”

ويضيف “هناك في ليبيا فعليا قوتان، الأولى القيادة العامة بقيادة حفتر شرق البلاد ومجموعات مسلحة في الغرب. القيادة العامة تمثل المنطقة الشرقية ومعظم الجنوبية، وهي حاضرة عبر ممثلين لها في أي حوار، أما المجموعات المسلحة فغير متفقة ولا يمكن القول إن أحدا يمثلها.”

ومع هذا الوضع “لن يتمكن الطرف المحاور في المنطقة الغربية من تنفيذ أي اتفاق مقبل، والصحيح هو إشراك ممثلين مباشرين عن المجموعات المسلحة النافذة في الغرب في أي حوار، لضمان تطبيق مخرجاته.”

كما يرى أن “خطة ستيفاني خوري شبيهة بالتي أطلقها المبعوث المستقيل عبدالله باتيلي في 27 فبراير العام الماضي، خلال إحاطته أمام مجلس الأمن، وقال إنها تهدف إلى توسيع الحوار وجمع الأطراف الليبية لتمكينها من تجاوز الركود الحالي وقيادة البلاد نحو الانتخابات.”

وختم باعتبار أن “اجتماع نواب من مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة في مدينة بوزنيقة المغربية الأربعاء، للتحاور حول تشكيل حكومة، يعني رفض المجلسين لخطة ستيفاني خوري الجديدة، فالمجلسان يريان أن الحل يكمن في استمرار المشاورات بينهما، وعدم إشراك آخرين كما تنوي البعثة الأممية فعله.”

وتوصل المجلسان الأربعاء إلى اتفاق من 8 مواد، من بينها “إعادة تشكيل السلطة التنفيذية” في البلاد، وفق ما أعلنته عضوة مجلس النواب سارة سويح في مؤتمر صحفي.

7