الخروج من إيران.. الأفغان يستكملون رحلة الفرار إلى أوروبا

طهران – وصلت الموجة الأولى من اللاجئين الأفغان إلى إيران عقب الغزو السوفييتي عام 1979. وأتيحت أمامهم فرصة الحصول على التعليم والعمل، فتمكن بعضهم من الاندماج في المجتمع الإيراني، إذ يعيش نحو 97 بالمئة من الأفغان خارج مخيمات اللاجئين، وبحسب الإحصائيات فإن ما بين 2.3 و3 ملايين من الأفغان يعيشون الآن في إيران، منهم 800 ألف من الأطفال.
ومنذ أكثر من 30 عاما شكلت إيران ملجأ للأفغان الفارين من الحروب في بلدهم ولكن تدهور الظروف المعيشية اليوم في إيران أجبر الشباب مثل محمد على مغادرة وطنه الثاني (إيران) ولو مؤقتا بحثا عن آخر يستقبله ويتيح له استئناف حياة عادية. محمد ذو الـ14 عاما التقاه مراسل الغارديان البريطانية وتحدث معه عن تجربته في إيران كمهاجر أفغاني انضم مؤخرا إلى اللاجئين في مركز احتجاز للقاصرين في الجزيرة اليونانية ليسفوس.
وترك محمد والديه في إيران، عابرا البحر على متن زورق مطاطي محملا بـ38 راكبا، ويقول واصفا عملية العبور الانتحارية التي خاضها تحت جنح الظلام بأنها كانت اللحظات الأكثر رعبا في حياته. لكنه لم يسمح لنفسه بالبكاء. مضيفا أنه يحتاج إلى رباطة الجأش وإلى أن يكون “رجلا”. ويوضح محمد أن أسرته هي من اتخذ القرار بإرساله إلى أوروبا في رحلة مجهولة العواقب قائمة على المخاطرة والمجازفة، ذلك أنه هو الأكبر بين إخوته، وأن هذا القرار الذي اتخذته اضطرارا يعد بالنسبة إليها الأنسب والأفضل مقارنة بالبقاء في إيران أو بالعودة إلى الوطن حيث الموت والتشرد في الانتظار.
العمل في الحقول يعتبر من الأعمال زهيدة الأجر المتاحة للأفغان المهاجرين في إيران مثل العمل في الحظائر والتنظيف
ويعمل محمد كرجل بالغ رغم صغر سنه إلا أن ظروف عائلته جعلته يتحمل مسؤوليات كثيرة كالعمل رغم أن أقرانه يرتادون المدرسة، وتنحدر عائلة محمد من طائفة الهزارة، وهي من الأقليات العرقية التي اضطهدتها حركة طالبان، كما أنها عانت من الاختطاف والذبح، فهربت العائلة إلى إيران عام 2006، وحصلت على وضع اللجوء، في الوقت الذي أصبحت فيه حياة الأفغان أكثر صعوبة في إيران.
وتمتلك عائلة محمد وثائق قانونية ما جعله مؤهلا للتعلّم في واحدة من المدارس الخاصة بالأفغان في إيران، وهو امتياز يحرم منه أبناء اللاجئين غير الشرعيين. وفي عام 2013، بلغت كلفة التسجيل السنوي لدخول هذه المدارس 40 دولارا، وهي تكلفة تعد باهظة بالنسبة إلى معظم الأسر الأفغانية المقيمة في إيران. وهو ما دفع عائلته إلى تسجيله في واحدة من المدارس الأقل تكلفة لكن سمعتها سيئة، وهو ما جعله يغادرها بسرعة ويترك مقاعد التعليم.
بدأ محمد يرافق والده للعمل في الحقول في منطقة كاراج، خارج ضواحي طهران. ورغم أنه صغير ونحيف، إلا أنه كان قادرا على المساعدة في زيادة إنتاجية والده في العمل. وفي سن التاسعة أصبح محمد في عمر يخول له العمل قانونيا في إيران. وخلال فصل الصيف، عندما يرتفع الطلب على عمال الزراعة، تصل ساعات عمله إلى 17 ساعة في اليوم.
ويعتبر العمل في الحقول كغيره من الأعمال زهيدة الأجر مثل العمل في الحظائر والتنظيف من المهن المتاحة للأفغان المهاجرين في إيران مقابل أجور زهيدة وساعات عمل طويلة وخاصة بعد أن اتخذت إيران قرارات بالحد من أعداد الأفغان على أرضيها، حيث بدأت منذ عام 2002 في القيام بعمليات ترحيل جماعي لهم، ليجد الآلاف من الأفغان أنفسهم من المقيمين بصورة غير شرعية في أماكن عاشوا فيها لعقود من الزمن. وفي نفس العام وجهت المنظمات الدولية والمنظمات غير الحكومية داخل إيران تركيزها للاستجابة إلى مطالب اللاجئين بالعودة الطوعية إلى وطنهم، رغم المشاكل الاقتصادية والأمنية الصارخة في أفغانستان. وعلى مدى عقد من الزمن، عاد 5.8 مليون أفغاني (أي خمس سكان أفغانستان) إلى وطنهم. وانضم العديد منهم إلى الأعداد المتزايدة من المشردين في البلاد.
800 ألف طفل أفغاني يعيشون في إيران حاليا
وحاليا أصبح ممنوعا على الأفغان دخول ثلثي الأراضي الإيرانية. وفي عام 2012، أعلن مكتب الأجانب وشؤون المهاجرين في إيران عن ضرورة مغادرة الأفغان الذكور للبلاد، وأقر أن أي مواطن إيراني يقوم بتوفير الغذاء أو المأوى أو العمل للأفغان الذين لا يحملون وثائق سوف يعرض نفسه للعقوبة القانونية. ورغم أن عائلة محمد تملك الوثائق القانونية إلا أنه لم يتم السماح لها بتجاوز حدود مدينة كاراج. وأكد تقرير منظمة هيومن رايتس ووتش أن الأفغان الذين يتم ترحيلهم بشكل فجئي من إيران، يتعرضون لسوء المعاملة.
وفي عام 2011، ازدادت حالتهم تدهورا، بعد أن فرضت الولايات المتحدة الأميركية العقوبات الدولية ضد إيران، والتي كانت لها آثار مدمرة على الفقراء في البلاد فما بلك بالمهاجرين. هذه التضييقات وغيرها اضطرت العائلات الأفغانية ومنها عائلة محمد إلى التفكير في مغادرة البلاد والبحث عن سبل تمكنها من ذلك. وبمساعدة والده، تمكن محمد من تجميع 5 آلاف دولار ليدفعها لمهربي المهاجرين من أجل اللجوء إلى أوروبا. ولكن انتهت به الرحلة في أحد مراكز الاحتجاز في جزيرة ليسفوس اليونانية.
وقضى محمد أيامه في ليسفوس في مقطورة بيضاء، تحيط به الأسلاك الشائكة ورجال الشرطة حيث يمضي الوقت المخصص لتدخين السجائر، في رسم الصور ولعب الورق مع المعتقلين الآخرين. وكل يوم يتأخر فيه المهاجرون عن الوصول تزيد قيمة المبلغ الذي يدفعونه للمهربين، لذلك كان محمد حريصا على الوصول إلى أثينا، حيث هرب من مركز اللجوء لمواصلة رحلته إلى السويد.
وبعد وقت قصير من انتهاء فترة احتجازه لمدة أسبوع رحل من اليونان إلى السويد، التي وصلها دون مساعدة المهربين، وبعد هذه الرحلة المضنية يشعر محمد بخيبة أمل لأن قوانين العمل في السويد تمنعه من العمل وإرسال الأموال إلى والديه في إيران، وهو ما جعله يتحمس للرجوع إلى الدراسة.