الخبراء يدرسون كيفية تخزين المخ للذكريات واستدعائها

الجزء الأمامي من الفص الصدغي بالمخ يركز على الأشخاص بصرف النظر عن البيئة المحيطة بهم.
الأربعاء 2023/04/05
الدماغ يزداد نشاطه عندما يسترجع الإنسان إحدى ذكرياته

أكد الباحثون أن الجزء الأمامي من الفص الصدغي بالمخ، والذي يلعب دورا مهما في ذاكرة الإنسان، كان يركز على الأشخاص بصرف النظر عن البيئة المحيطة بهم، في حين أن الفص الإنسي الخلفي، الذي يقع في مؤخرة المخ، يركز بشكل أكبر على البيئة المحيطة بهم، وذلك في دراسة حول طريقة تخزين المخ للذكريات وكيفية استدعائها. ويستخدم الأشخاص نفس الأنماط العصبية دخل المخ عند تخزين هذه المشاهد وعند استرجاعها.

سان فرانسيسكو (الولايات المتحدة) – أجرى فريق من الباحثين في الولايات المتحدة دراسة جديدة لفهم طريقة تخزين المخ للأحداث اليومية التي يمر بها الشخص وكيفية استحضارها مرة أخرى.

واستخدم الفريق البحثي من جامعة واشنطن الأميركية تقنيات التصوير بالرنين المغناطيسي لمراقبة النشاط المخي للمشاركين في التجربة أثناء مشاهدة مقاطع فيديو لأحداث حياتية، ثم أثناء استرجاع تلك الأحداث مرة أخرى.

ويقول الباحث زكريا ريجا، المتخصص في طب النفس وأمراض المخ بالجامعة، إن “هذه المشاهد كانت تقليدية للغاية، ولا تتضمن أي مطاردات بالسيارات مثلا أو ما إلى ذلك”.

وفي إطار التجربة التي نشرتها الدورية العلمية “نيتشر”، كان يُطلب من المتطوعين وصف الأحداث التي شاهدوها في مقاطع الفيديو بالتفصيل قدر المستطاع، مع تصوير أمخاخهم عن طريق الرنين المغناطيسي لمعرفة الأجزاء التي تنشط داخل المخ أثناء إجراء هذه التجربة.

البيانات التي يتم تسجيلها عبر جزأي الدماغ ترسل إلى منطقة الحصين، التي تقوم بمعالجتها وتحويلها إلى صورة متكاملة

وأوضح ريجا في تصريحات للموقع الإلكتروني “ميديكال إكسبريس” المتخصص في الأبحاث الطبية أن الجزء الأمامي من الفص الصدغي بالمخ، والذي من المعروف أنه يلعب دورا مهما في ذاكرة الإنسان، كان يركز على الأشخاص بصرف النظر عن البيئة المحيطة بهم، في حين أن الفص الإنسي الخلفي، الذي يقع في مؤخرة المخ، يركز بشكل أكبر على البيئة المحيطة في مقاطع الفيديو.

وأضاف ريجا أن هذين الجزئين من المخ يبعثان البيانات التي يتم تسجيلها إلى منطقة الحصين في المخ، التي تقوم بدورها بمعالجة هذه الإشارات وتحويلها إلى صورة متكاملة.

ووجد الفريق البحثي أن المتطوعين الذين يستطيعون استرجاع هذه المشاهد بأكبر قدر من الدقة، يستخدمون نفس الأنماط العصبية دخل المخ التي كانوا قد استخدموها عند تخزين هذه المشاهد.

ويقول ريجا “ليس من المعروف لماذا يستطيع البعض توظيف الأنماط العصبية داخل المخ لاستحضار الذكريات أفضل من غيرهم”، غير أنه أكد أن “أمورا كثيرة قد تسير بشكل خاطئ عند محاولة استدعاء ذكريات معينة”.

ويعرف الخبراء الذكريات بأنها أشياء مادية تتم إضافتها إلى الخلايا الدماغية، بمعنى أن الذهاب إلى منزل العائلة القديم وتذوق طعام الجدة الممتع والشاي الذي تعده بعناية وحديثها الحاني يعني أن تنطبع تلك المثيرات، بطريقة ما، على خلايا مناطق محددة في دماغ الشخص.

فإذا حدث وسافر إلى مكان آخر ثم قرر في إجازته الأولى أن يعود إلى منزل جدته مرة أخرى وشم رائحة طعامها قبل الدخول، فإن تلك الذكريات تعود إلى دماغه فورا لتذكره بتلك الليلة السعيدة التي قضاها هناك في الماضي، لأنها بالفعل أشياء مادية موجودة بداخل الوصلات بين خلايا دماغه.

غغ

ويحدث ذلك لأن الدماغ ليس كأي عضو آخر في الجسم، حيث إن خلاياه ذات طبيعة خاصة، فرغم أن نظامها العام يشبه كل خلية أخرى فإنها تتميز بوجود وصلات بين بعضها البعض، هذه الوصلات ليست ثابتة وإنما مرنة، قد تصبح أقوى وأكبر بين مجموعة من الخلايا، وقد تصبح أضعف وأصغر حتّى تتلاشى، يتوقف ذلك على قدر النشاط بين تلك الخلايا.

وكان فريق دولي من مشروع الدماغ البشري (مشروع بحث علمي كبير مدته عشر سنوات) قد أعن عن مساهمة جديدة في محاولات علماء الأعصاب لفهم السؤال المحير عن الكيفية التي تتكون بها الذكريات وتثبت في أدمغة البشر، وذلك عن طريق فهم الآلية التي يعمل بها أحد الإنزيمات المسؤولة عن تحوير الوصلات العصبية.

وجاء في الدراسة، التي نشرت في دورية “بلوس كومبيوتيشنال بيولوجي”، أن عائلة من الإنزيمات تدعى “أدينيل سيكلاز” تلعب دورا هاما في عملية تحويل الإشارات الخلوية الخارجية إلى جزيئات مادية داخل الخلايا العصبية، مما يعمل على تغيير تركيبها التغيير الذي يمكن أن نسميه ذكريات.

خبراء الصحة يؤكدون أن هناك نوعين من الذاكرة في أدمغة البشر، ذاكرة قصيرة الأمد وأخرى طويلة الأمد

وفي الدراسة، لجأ العلماء إلى فحص الدور الدقيق الذي يلعبه أحد إنزيمات الـ”أدينيل سيكلاز” في تحوير الوصلات العصبية بمنطقة الجسم المخطط من الدماغ، وهي إحدى المناطق المسؤولة عن الذاكرة، والسلوك والتعلم.

والإنزيمات هي بروتينات تلعب دور الحفز، وبشكل أدق فهي تتحكم في سرعة التفاعل الكيميائي الخلوي، وبالتالي تعمل بشكل مرن على ضبط عمليات وضع الذكريات في الوصلات العصبية بين الخلايا الدماغية.

بفهم الدور الذي يلعبه الـ”أدينيل سيكلاز” في تغيير معدلات التفاعل في تلك المنطقة، تمكن الباحثون في هذا النطاق من التقدم إلى الأمام خطوة واحدة إضافية لفهم كيفية عمل الذاكرة، لكن الطريق لا يزال طويلا أمامهم، فعلى الرغم من الدور الكبير الذي تلعبه الإنزيمات، إلا أن كل منطقة من الدماغ تحوي الكثير منها، وآليات عملها الكيميائية معقدة جدا.

بسبب هذا التعقيد، يلجأ العلماء إلى علم الأحياء الحاسوبي وهو نطاق علمي ضخم يجمع علوم البيانات والحاسب والرياضيات التطبيقية مع علم الأحياء، ليخلق نطاقا نظريا جديدا يمكن أن يساعد على تصميم نماذج تفسر عمل الدماغ المعقد.

ويشير الخبراء إلى أن هناك نوعين من الذاكرة في أدمغة البشر، ذاكرة قصيرة الأمد وأخرى طويلة الأمد، القصيرة الأمد كنقلة شطرنج محتملة أو رقم غرفة في الفندق، وهذه الذاكرة إمّا تزول أو تتحوّل إلى ذاكرة طويلة الأمد، ويتم تخزين هذا النوع في منطقة متطوّرة جدا من الدماغ تدعى بالفص أمام الجبهي.

uu

وتترجم الذاكرة قصيرة الأمد إلى طويلة الأمد في الحصين وهو منطقة في عمق الدماغ، يقوم الحصين بأخذ ذكريات متزامنة من عدة باحات حسية من المخ ويدمجها لتخزّن على شكل ذاكرة واحدة، فمثلا عندما يحضر الشخص حفلة، هناك ذكريات منفصلة عنها: كيف بدت وكيف كانت الأجواء هناك وما سمعه من موسيقى… كل ذلك يدمج ضمن الحصين على شكل ذاكرة واحدة.

عندما تخزّن الذاكرة في الحصين يصبح الاتصال العصبوني المرتبط بهذه الذاكرة اتصالا ثابتا وراسخا في الدماغ، فمثلا، لنقل أنك سمعت موسيقى معينة، وتخزّنت هذه الموسيقى على شكل اتصال عصبوني معيّن ضمن ذاكرة معينة، عندما تعاود سماعها، فإنك ستغوص في ذكرياتك لتجد الاتصال العصبوني وتتذكّر متى سمعتها.

وعند فحص الدماغ، نلاحظ أنّ مناطق عديدة من الدماغ يزداد نشاطها عندما يسترجع الإنسان إحدى ذكرياته، وهذا يبين أنّ ذكرياتنا هي حصيلة لمجموعة من الأحاسيس والأفكار المختلفة المسجّلة في دماغنا.

يقوم الحصين بترسيخ الاتصالات العصبونية المرتبطة بالذاكرة، ولكن الذاكرة نفسها تعتمد على مدى متانة الاتصال العصبوني الذي شكّلها، هناك مجموعة من البروتينات والمواد الكيميائية الهامة للحفاظ على الاتصال، وقد أثبتت التجارب على الحيوانات أنّ تغيير أو حذف مادة كيميائية أو جزيئة من الدماغ قد يعيق تكوين الذاكرة أو يدمّر ذكريات موجودة مسبقا.

16