الحياة البرية تدفع ثمن الحرب التي يشعلها الكيان الإسرائيلي

حيوانات وأشجار تحترق والطيور تبحث عن ملاجئ خارج المنطقة.
السبت 2024/11/16
الحرب تحرق الأخضر واليابس

يتسبب العدوان الإسرائيلي المستمر على الأراضي لفلسطينية ولبنان في كارثة بيئية غير مسبوقة، حيث يهدد جميع مكونات التنوع البيولوجي في المنطقة. ووفقا للمسؤولين البيئيين فإن الحياة البرية، من نباتات وحيوانات وكائنات دقيقة، تعرضت لتدمير شامل نتيجة استخدام أسلحة متفجرة محرمة دوليًا.

وادي الحولة (الأراضي الفلسطينية) - يظهر جليا حجم الضرر الذي تعرضت له المحميات الطبيعية في شمال الأراضي الفلسطينية المحتلة جراء الحرب بين الكيان الإسرائيلي وحزب الله اللبناني إذ يمكن معاينة الإصابات التي تعرضت لها الخنازير البرية والأشجار المحروقة والنباتات المتفحمة.

وفي وادي الحولة الذي يمثل موطنا للطيور المهاجرة، يمكن سماع الأصوات العالية لأسراب الطيور بينما تتصاعد أعمدة الدخان التي سرعان ما تتبعها أصوات المروحيات العسكرية الإسرائيلية.

ويظهر التأثير بشكل واضح في محمية وادي الحولة الطبيعية حيث لم يتبق في بعض المناطق التي تعرضت للهجمات الصاروخية سوى النباتات المحترقة والتربة التي يتخللها الرماد.

ويساور القلق المديرة الميدانية للمحمية إنبار روبين إزاء تأثير الحرب على الطيور.

وتقول روبين إن “أصوات الحرب وأصوات اعتراض الصواريخ وسقوطها والضجيج العالي الذي تسمعها الطيور ما هي إلا مصدر كبير للتوتر.”

يوسي ليشيم: حوالي 50 ألف طائر وصل المحمية في الشتاء الماضي لكن بعد اندلاع الحرب انخفض العدد بنسبة 70 في المئة
يوسي ليشيم: حوالي 50 ألف طائر وصل المحمية في الشتاء الماضي لكن بعد اندلاع الحرب انخفض العدد بنسبة 70 في المئة

ودفعت الحرب زوار المحمية التي تقع على بعد نحو 30 كيلومترا من الحدود مع لبنان لتجنبها.

وتضيف روبين “يقول لي الناس: لا بد وأن الطيور أكثر سعادة لأنه لا يوجد زوار،” لكن في الحقيقة، فإن “الضرر الذي تسببه الحرب للطبيعة أكبر بمليون مرة من الأضرار التي يخلفها الزوار.”

وتعتبر المحمية موطنا للبجع والبط والنسور وغيرها من الطيور الجارحة إلى جانب طيور النحام (الفلامنغو) والتي قالت روبين إنها “ظاهرة جديدة إلى حد ما.”

وتشير روبين إلى أن عدد الطيور التي تتوقف في المحمية أقل مقارنة بالمواسم السابقة كما أن “التعشيش كان أقل بكثير من السنوات العادية” كما انخفض التزاوج.

والمحمية تمثل استراحة معروفة دوليا لمئات الملايين من الطيور المهاجرة من أوروبا وآسيا إلى أفريقيا والتي تعود خلال فصلي الربيع والخريف.

ويقول عالم الطيور يوسي ليشيم إن مجموعة من حوالي 50 ألف طائر وصلت المحمية في الشتاء الماضي لكن بعد اندلاع الحرب بين إسرائيل وحزب الله انخفض عدد الطيور الوافدة بنسبة 70 في المئة.

ويرى ليشيم وهو مؤسس لمركز دولي لأبحاث هجرة الطيور أن ذلك يمثل “تهديدا حقيقيا.” وتسبب القتال والحرائق في تقليص الموارد الغذائية للطيور.

ويوضح ليشيم أن المكان كان بمثابة “جنة” للطيور. ويضيف، “حتى لو توقفت الحرب في غضون عام.. سنبقى نشعر بتأثيرها لسنوات عديدة أخرى.”

الطيور تهجر المنطقة
الطيور تهجر المنطقة

ويعتقد ليشيم أنه وعلى المدى البعيد، فإن النزاع السياسي لن يغير نمط هجرة الطيور.

ويقول عالم البيئة في سلطة الطبيعة في المنطقة الشمالية عاميت دوليف إن “الضرر الذي لحق بالطبيعة واسع النطاق بالطبع وبأعداد لم نعتد عليها.”

ففي نهاية يناير الماضي، وتحديدًا في الثلاثين منه، أطلقت سلطة جودة البيئة الفلسطينية جرس إنذار بشأن الكارثة البيئية التي يشكلها العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة. ولم يقتصر هذا العدوان على التسبب في كارثة إنسانية فحسب، بل امتد ليشمل تدميرًا شاملًا لمكونات التنوع البيولوجي في القطاع، بما في ذلك النباتات والكائنات الحية الدقيقة.

وأكدت سلطة جودة البيئة أن الحياة البرية، من نباتات وحيوانات، سواء على اليابسة أو في بحر غزة، تعرضت لأشد أشكال الدمار نتيجة استخدام أنواع مدمرة من المتفجرات والأسلحة. وقد أدى ذلك إلى إبادة موائل الحيوانات البرية وحرق أشكال الحياة النباتية، بما فيها الأشجار والشجيرات والأعشاب، التي تعتبر بعضها متوطنة في بيئة غزة الساحلية وشبه الساحلية. وهذا التدمير أدى إلى فقدان بعض الأنواع بشكل نهائي، في ما يُعرف بالانقراض.

وأشارت التقارير إلى أن بين 150 و200 نوع من الطيور المتوطنة والمهاجرة، خاصة في منطقة وادي غزة، بالإضافة إلى 20 نوعًا من الثدييات و25 نوعًا من الزواحف، أصبحت مهددة بالانقراض الكامل. يأتي هذا في وقت يبذل فيه العالم جهودًا مضنية للحفاظ على التنوع البيولوجي، حيث انعقدت 15 نسخة من مؤتمر الأمم المتحدة للتنوع البيولوجي بهدف التصدي لشبح الانقراض الجماعي. ومع ذلك، لم يكن منظمو تلك المؤتمرات يتوقعون حجم الدمار الذي سببه العدوان الإسرائيلي، الذي يُعتبر واحدًا من أبشع عمليات الإبادة البيئية في العصر الحديث.

Thumbnail

وأضافت سلطة جودة البيئة أن العدوان الإسرائيلي لم يقتصر على تدمير الحجر والبنية التحتية، بل أسفر أيضًا عن تلويث المياه والهواء والتربة، وحرق الأراضي بجميع تضاريسها. ونتج عن ذلك تراكم ملايين الأطنان من النفايات الإنشائية مختلطة بالنفايات الطبية والمنزلية ومياه الصرف الصحي ومياه الأمطار، حيث تصل هذه النفايات إلى البحر مرورًا بمحمية وادي غزة.

وتحولت محمية وادي غزة، التي اعتمدتها السلطة الوطنية الفلسطينية في أواخر التسعينات كأحد المواقع البيئية المهمة، إلى مقبرة جماعية لكل أشكال الحياة بفعل استخدام الأسلحة المحرمة دوليًا. وأدى هذا الدمار إلى القضاء على أحد أهم مسارات هجرة الطيور العالمية، التي كانت تستريح في أراضي غزة للتزود بالغذاء وأحيانًا للتكاثر، خاصة في منطقة وادي غزة، مما يمثل خسارة بيئية فادحة على المستويين المحلي والعالمي.

وفي محمية تل دان (تل القاضي) الطبيعية المجاورة للحدود اللبنانية، دمرت الحرائق الناجمة عن الصواريخ نحو سبعة هكتارات. وعلى ضفاف مجرى نهر دان يمكن ملاحظة شجرة شوكيات محترقة.

ويقول رمضان عيسى الذي يدير المحمية إنه أمضى العام الماضي في إخماد الحرائق وإنقاذ الحيوانات المصابة أو المضطربة بسبب النزاع.

ويشير إلى معاناة الحياة البرية بما في ذلك القنافذ والثعابين وحتى الخنازير البرية التي أصيبت أو قتلت بالصواريخ أو الشظايا فضلا عن تدمير الأشجار القديمة.

وعند الأرض المتفحمة حيث وقف عيسى كانت هناك بعض الأعشاب الصغيرة التي بدأت تنمو بالفعل. ويقول عيسى “الطبيعة قوية، يمكنها أن تنمو بسرعة كبيرة وبعد الأمطار (الشتوية) الأولى ستبدأ الكثير من النباتات بالعودة والنمو.”

16