الحواجز النفسية والمجتمعية مازالت تعرقل تمكين المرأة في المغرب

منظمات المجتمع المدني الوطنية تلعب دورا حيويا في الدعوة إلى المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة المغربية.
الجمعة 2024/01/26
المرأة المغربية فاعلة أساسية في التنمية

الرباط - رغم إحراز المغرب تقدما ملحوظا في ما يتعلق بتمكين المرأة وتوفير العديد من حقوقها، خاصّة في المناطق الحضرية، حيث تحسنت إمكانية وصول النساء إلى فرص التعليم والعمل، إلا أن الحواجز النفسية والمجتمعية مازالت تعرقل هذا التمكين. وأكد رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي أحمد رضا الشامي أن تمكين النساء يتطلب كسر ما يسمى بـ"السقف الزجاجي"، وجميع الحواجز النفسية والاجتماعية والمهنية.

وأوضح الشامي، خلال لقاء حول تجارب النساء الناجحة والملهمة، والذي نظم بالتعاون مع جمعية "مونتور آل"، أنه "لا يمكن إحراز تقدم ملموس دون رفع القيود والحواجز الثقافية التي تعيق النساء، لكون بناء مجتمع حداثي ومندمج يتطلب العمل بكل قوة على محاربة الصور النمطية".

واعتبر أن هذا اللقاء يمثل خطوة هامة في اتجاه تنفيذ إحدى التوصيات التي اقترحها المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي في إطار مساهمته في النموذج التنموي الجديد، ضمنها تلك الهادفة إلى "تسليط الضوء على التمثلات الاجتماعية الجديدة للمرأة المستقلة، من خلال إبراز نماذج النجاحات النسائية التي يمكن أن تكون بمثابة أداة تعريف وتحفيز للشابات".

وعلى المستوى الاقتصادي، أشار الشامي إلى أن نسبة النشاط النسائي لا تتجاوز ربع السكان الإناث، أي 19.8 في المئة في سنة 2022، مبرزا أن 12.8 في المئة فقط من المقاولات المنظمة تديرها نساء، وحوالي 35 في المئة من مناصب الشغل المخصصة للنساء غير مدفوعة الأجر.

أحمد رضا الشامي: لا يمكن إحراز تقدم ملموس دون رفع القيود التي تعيق النساء
أحمد رضا الشامي: لا يمكن إحراز تقدم ملموس دون رفع القيود التي تعيق النساء

من جهة أخرى، أشاد رئيس المجلس بالدور الذي تقوم به هذه الجمعية المشهود لها بتفانيها الاستثنائي في توجيه وإلهام النساء في مسارهن المهني، معتبرا أنها تنسجم تماما مع قيم وأهداف المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي.

كما أبرزت رئيسة جمعية "مونتور آل" زينب بايز دور هذا النوع من اللقاءات في تشجيع الاندماج الاقتصادي للنساء، بالنظر إلى أهمية الموضوع بالنسبة للمجتمع. وأضافت أن الجمعية تهدف إلى المساهمة في إحداث تأثير داخل المجتمع، من خلال تزويد النساء بآليات بديلة ومتكاملة، ضمنها التوجيه والإلهام والمشاركة وعمليات "التشبيك".

وعرف هذا اللقاء أيضا تقديم كتاب الجمعية الصادر بالفرنسية تحت عنوان "الجريئات" الذي يستعرض تجربة عشر نساء مغربيات تمكن من نسج أحلام كبيرة، وتجاوز عقبات الحياة من أجل تحقيق أهدافهن وإحداث تغيير إيجابي في حياتهن.

وتعتبر جمعية "مونتور آل"، التي تأسست سنة 2016، غير ربحية ومن مهامها مواكبة النساء لتحقيق التميز في مسارهن المهني وتوعيتهن بأهمية التوجيه والتشبيك والولوج إلى مصادر الإلهام والمشاركة، وكذلك مساعدتهن على تحقيق تطلعاتهن وطموحاتهن المهنية.

وأفاد تقرير بعنوان "النوع الاجتماعي والتمكين في شمال أفريقيا"، منشور بالمنصة الأوروبية "موديرن دبلوماسي" بأن "المغرب عرف تطورات إيجابية حين تبنّى إصلاحات قانونية لتحسين حقوق المرأة، مثل إدخال قوانين متعلقة بوقف كافة أشكال التمييز والعنف ضدها، وتعزيز وضعها ومكانتها، وتحسين وصولها إلى كافة الحقوق"، مبرزا أن "منظمات المجتمع المدني الوطنية تلعب دورا حيويا في الدعوة إلى المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة".

وأشار التقرير إلى أن عملية التمكين مازالت مع ذلك تواجه تحديات قوية في شمال أفريقيا، خصوصا تلك المتجذرة في الأعراف الثقافية والتفسيرات الدينية والهياكل الاجتماعية والاقتصادية، مؤكدا أن "المواقف المحافظة تجاه أدوار الجنسين والتمثيل المحدود للفئات المهمشة في الهياكل الرسمية مازالا عوائق بنيوية أمام التقدم".

وقالت سميرة موحيا، رئيسة فيدرالية رابطة حقوق النساء، تعليقا على ما ورد في التقرير، “موضوع تمكين المرأة إذا أردنا أن ينجح فعلا فالأمر يستدعي مقاربة شمولية تروم مناهضة كل أشكال الفقر والهشاشة، وتسعى بالضرورة إلى إحقاق التمكين الاقتصادي والسياسي الاجتماعي للنساء، والمساهمة التربوية في وقف خطابات التمييز على أسس جندرية أو ميزوجينية أو تحقيرية تصرف مقولات عنيفة وعنصرية".

وشددت في تصريح لـ"هسبريس" على ضرورة "ملاءمة التشريعات الوطنية مع الدستور ومع المعاهدات الدولية، خصوصا مدونة الأسرة والقانون الجنائي المغربي، عبر وضعها بصيغة حقوقية كونية تحترم كرامة النساء والرجال والأطفال"، مضيفة أن "تصحيح المسار يستدعي تجهيز الأرضية عبر تعديل القوانين وتصحيح التصورات التي تهدد الكثير من أشكال اندماج المرأة في المغرب". وختمت “مقاربة الدولة مازالت مع ذلك تحتاج إلى رؤية واضحة حول الكيفية التي ستتحقّق بها المناصفة".

ويعد مجال التمكين الاقتصادي للنساء من المداخل الأساسية لإرساء المساواة بين النساء والرجال، ويستمد هذا المجال أهميته من المقتضيات الدستورية التي أولت أهمية بالغة لتمكين النساء اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا كمحدد أساسي لتدعيم دولة القانون.

◙ نسبة النشاط النسائي لا تتجاوز ربع السكان الإناث في 2022، و12.8 في المئة فقط من المقاولات المنظمة تديرها نساء
◙ نسبة النشاط النسائي لا تتجاوز ربع السكان الإناث في 2022، و12.8 في المئة فقط من المقاولات المنظمة تديرها نساء

وسعيا لبحث سبل تحسين المؤشرات الاجتماعية والاقتصادية للمرأة، انسجاما مع المجهودات المبذولة لتحقيق أهداف الألفية للتنمية، وتفعيلا لمضامين البرنامج الحكومي 2017 – 2021 الذي أولى عناية خاصة للنهوض بأوضاع النساء وحمايتهن من خلال مجموعة من المقتضيات مثل تقوية برنامج الإدماج الاقتصادي للمرأة والتمكين لها في الحقل التنموي، أعطت الخطة الحكومية للمساواة في نسختها الثانية 2017 - 2021 أهمية محورية لهذا المجال، بحيث وضعت من بين أولوياتها “بلورة وتنفيذ برنامج وطني مندمج للتمكين الاقتصادي للنساء في أفق 2030”.

وأعطت الخطة الحكومية للمساواة “إكرام” بنسختيها الأولى والثانية، من خلال محاورها، أبعادا إستراتيجية وحقوقية واستشرافية للنهوض بوضعية المرأة وإدماجها اقتصاديا. وقالت عواطف حيار وزيرة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة في المملكة المغربية إن المملكة قطعت أشواطا كبيرة في تسخير التكنولوجيا الحديثة والرقمنة في محاولة لتقليص الفجوة بين الجنسين وتمكين المرأة.

وذكرت حيار في حوار مع "أخبار الأمم المتحدة” أن بلادها اعتمدت نموذجا تنمويا جديدا يؤكد على ضرورة تطوير “مغرب رقمي دامج ومستدام” يهدف إلى تفعيل المساواة والسعي نحو المناصفة كما كرسها دستور المملكة المغربية في الفصل التاسع عشر. وقالت إن الخطاب الذي ألقاه العاهل المغربي الملك محمد السادس في عيد العرش 2022 أكد على ضرورة ولوج المرأة لجميع المجالات حتى تكون فاعلة أساسية في التنمية. كما أكد البرنامج الحكومي للمملكة المغربية للفترة 2021 - 2026 على أهمية تمكين المرأة وخاصة التمكين الاقتصادي.

وقالت حيار "نهدف كحكومة إلى رفع نسبة نشاط اقتصاد النساء من 20 في المئة إلى 30 في المئة، ولهذا قمنا ببلورة إستراتيجية جديدة وهي إستراتيجية جسر لتنمية اجتماعية دامجة ومبتكرة ومستدامة وهذه الإستراتيجية تعتمد على الرقمنة وتعتمد على تعميم ما يسمى بالشبكة الاجتماعية الرقمية الموحدة في جميع أقاليم المملكة بما سيساعد على اعتماد الرقمنة لكي تصل الخدمات الاجتماعية إلى جميع الأقاليم وخاصة في القرى والمناطق النائية، وكذلك اعتماد الرقمنة لتفعيل المساواة بين الجنسين".

وشددت الوزيرة المغربية على ضرورة تمليك النساء آليات الرقمنة، منبهة إلى أن ذلك ليس بالصعب “لكن يجب أن نبلور برامج سهلة للولوج لجميع الفئات. نحن نتكلم عن النساء في وضعية هشاشة، نساء في وضعية صعبة، نتكلم عن تلميذات وطالبات".

◙ تمكين المرأة بات ضرورة ملحة

15