الحنين لا يكفي لإقناع ليبيي تاورغاء بالعودة من ملاجئهم

أحياء سكنية لم تدخل مرحلة إعادة الإعمار ومعظم المقارّ الحكومية والخاصة مدمّرة كليا.
الاثنين 2020/12/21
مدينة تفتقر لكل مقومات الحياة

ما يزال الليبيون الذين غادروا مدينة تاورغاء قسرا في حيرة من أمرهم بشأن رجوعهم إلى المدينة التي هجروها بعد أن دمرتها الحرب، هل يعودون إلى منازلهم المهدمة والشوارع الفارغة حيث لا مورد رزق هناك، أم يظلون في مخيماتهم وملاجئهم وما فيها من غربة وعناء؟

تاورغاء- ليبيا - ما زالت آثار “العقاب الجماعي” تبدو واضحة في مدينة تاورغاء الليبية، التي اتهم سكانها في 2011، بأنهم موالون لمعمّر القذافي وطردوا منها، لكنهم يعودون تدريجيا لمحاولة طي واحدة من الصفحات الأكثر إيلاما من الصراع.

ولم يغادر الشعور بالحنين إلى مسقط رأسه عبدالغني عمر طوال سنوات تهجيره. واليوم تحقق حلمه وعاد مع أسرته إلى مدينته.

وفي صالون حلاقة متواضع هو الوحيد في تاورغاء ويقع عند مدخلها الرئيسي، يقص عبدالغني شعر طفل صغير لم يتجاوز العاشرة من العمر، على أنغام موسيقى غربية.

وقال حلاق المدينة عمر (35 عاما) “البداية كانت صعبة، لكنني محظوظ بتشجيع الأصدقاء وأهالي المنطقة، وإقناعي بحاجتهم لمن يقوم بهذا العمل”.

وأضاف أن “البعض يريدون العودة، لكنهم يفكرون مليا في مصدر دخل يؤمّن احتياجات أسرهم”، معتبرا أنهم “محقون قطعا في ذلك، ولهم مبرراتهم (…) ولو لم تتوفر لي فرص العمل، لا أعتقد أن عودتي ممكنة بالرغم من مرارة التهجير”.

وتابع عمر أن “الحنين قد لا يكون كافيا لدى الكثير من السكان لإقناعهم بالعودة”.

وأنهى اتفاق مصالحة تاريخي بين مصراتة وتاورغاء برعاية دولية منتصف 2018، العداء بين المدينتين استمر لنحو ثماني سنوات.

عبدالرحمن الشكشاك: طلبنا توفير 1500 وحدة سكنية، لكن لم يحدث شيء إلى الآن
عبدالرحمن الشكشاك: طلبنا توفير 1500 وحدة سكنية، لكن لم يحدث شيء إلى الآن

وبموجب الاتفاق سمح لسكان تاورغاء المهجرين بالعودة إلى مدينتهم الواقعة 240 كلم شرق طرابلس. وتعهدت حكومة الوفاق المدعومة من الأمم المتحدة بإعادة إعمارها ودفع تعويضات للمتضررين في كلا المدينتين.

وعلى الرغم من مرور عامين ونصف العام على الاتفاق، لا يزال قسم كبير من مهجري تاورغاء يرفضون العودة إلى مدينتهم ويقيمون في مخيمات عشوائية، بعدما أجبرهم معارضو القذافي من مدينة مصراتة الواقعة على بعد أربعين كيلومترا، على مغادرتها إبّان الثورة الليبية في 2011.

ولا يزال جزء كبير من تاورغاء وخصوصا أحياءها السكنية، لم يدخل مرحلة إعادة الإعمار، ومعظم المقار الحكومية والخاصة مدمّرة كليا أو جزئيا، والنّدوب التي خلفتها الذخائر بأنواعها، تشهد على أن آلة الحرب مرت قبل لحظات وليس منذ سنوات طويلة.

وبالرغم من الاستقرار الأمني وعودة جزء من الخدمات العامة، لم يعد سوى ثلث سكان تاورغاء الذين تجاوز عددهم الخمسين ألفا إلى المدينة.

ومنذ يونيو 2018، عندما تم التوصل إلى مصالحة بين المدن المعادية، وبدأ السكان بالعودة إلى مدينتهم يشجعهم التزام السلطة التنفيذية بتعويضهم.

وقال عبدالغني عمر إن “هناك الكثير ممن يودّون العودة لكنهم يترددون”، مشددا على صعوبة تأمين دخل في مدينة منكوبة. وأضاف “حتى لو كان المنفى مريرا، فإن العودة غير ممكنة” للجميع.

وقال محمود أبوحبل (70 عاما) أحد شيوخ وحكماء تاورغاء وأول من عاد إلى مدينته عقب توقيع اتفاق المصالحة، إنه لا مبرر لسكانها بالاستمرار في البقاء خارجها.

وأوضح أبوحبل من داخل مزرعته، التي أعاد تأهيلها من آثار الحرب أنه “مؤمن بأن وجودنا على أرضنا هو الصحيح، ولا عذر أمام أهلنا بعدم العودة والمطالبة بحقوقهم”.

وطالب الشيخ محمود بإغلاق كافة المخيمات في طرابلس وبنغازي، لقطع الطريق أمام الأطراف التي تحاول عرقلة اتفاق المصالحة، على حد قوله.

وأضاف “يجب إغلاق المخيمات لدفع المهجرين إلى العودة وطالما المخيمات مفتوحة ستتأخر إعادة إعمار المدينة، وسيظل الاتفاق عرضة للتشكيك من قبل مأجورين”.

وفسر رئيس المجلس المحلي لتاورغاء عبدالرحمن الشكشاك هذا الوضع القائم، بأنه “طبيعي” نتيجة “غياب الحكومة والانشغال بالصراعات والانقسام”.

من يتأخر لا يجد نصيبا من الغذاء
من يتأخر لا يجد نصيبا من الغذاء

وأضاف من مكتبه في مبنى إداري صغير “نحن اليوم فوق أرض تاورغاء وهذا تحقق بعد سنوات من التهجير وتسوية الوضع مع جيراننا في مصراتة”. لكنه أشار إلى “غياب الدولة والانقسام وعدم توفر الميزانيات الكافية وتأخر صرف التعويضات وإعادة الإعمار”.

وتابع المسؤول المحلي “طلبنا من الحكومة توفير 1500 وحدة سكنية في مكان المحال المدمرة، لكن لم يحدث شيء إلى الآن”. وأضاف “بالرغم من الصعوبات الجمّة أعيد تأهيل بعض المدارس والخدمات، لتساهم بإنعاش الحياة بعدما كانت لسنوات أشبه بمدينة الأشباح وصارت لدى الجميع فرصة سانحة لاستعادة مستقبلهم”.

ولا تنوي تهاني خيري، وهي من سكان تاورغاء وتقيم في طرابلس منذ ثماني سنوات، العودة إلى مدينتها الأم لأنها أنشأت حياة لائقة لأسرتها في العاصمة.

وقالت هذه الأرملة التي تعيل أربعة أولاد “لدي عمل جيد في طرابلس وأولادي في المدارس والجامعات والأمور تسير معنا بخير. لجميع هذه الأسباب لا أعتقد أن خيار العودة مطروح”.

وأشارت إلى أن رفضها العودة لا يعني تخليها عن قضية مدينتها، لكنها لا تجد في الوقت الراهن دوافع تقنعها بالعودة بالرغم من الحنين المستمر والتفكير فيها.

وقالت تهاني إن “تاورغاء تحتاج إلى عشر سنوات أو أكثر لتعود (كما كانت) لأن الظرف الذي مرّ بها استثنائي، وفي وضع ليبيا الحالي لن تطالها يد الإعمار، بل ستظل مهملة ولن يكترث لها أحد للأسف”.

وختمت قائلة “تاورغاء تمثل انعكاسا للحالة الليبية المتدهورة، واستقرار المدن المضطربة يأتي عندما تستقر ليبيا وتصبح فيها دولة واحدة قوية، وهو أمر مفقود قطعا في الوقت الراهن”.

20