الحناء تقليد عربي إسلامي ترسخ بالارتباط في المخيال الشعبي بالفرح

عواصم- استعمالات الحناء متعددة ولو طغى عليها استعمالها للزينة عند النساء، إلا أنها تستعمل لنفس الغاية عند الرجال أيضا حيث يستخدمونها في صبغ شيب الشعر الناتج عن التقدم في السن ولذلك تفسيراته العقائدية والتاريخية.
هكذا ارتبطت الحناء عند العرب والمسلمين بالقداسة وبالجانب الروحي وبالتدين، فحرص الرجال كما النساء على تخضيب الشعر أو اليدين أو الساقين بالحناء، واقتداء بالطب النبوي عمل علماء الكيمياء والطب أمثال ابن سينا على البحث في فوائد الحناء وأثبتت تجاربهم أنها تساعد في شفاء التقرحات والجراح المفتوحة وآلام المفاصل وآلام الرأس وفق طرق تحضير معينة حيث تضاف إليها مكونات طبيعية أخرى مثل الزيوت النباتية أو تستعمل أوراقا مجففة أو مطبوخة في الماء أو في شكل مسحوق.
الفراعنة استعملوا مسحوق الحناء وأوراقها في تحنيط جثث الموتى كما استعملوا خلطاتها للعلاج والتجميل
ومثل ارتباطها بالطقوس الدينية ترتبط الحناء بالحياة الاجتماعية، فهي رمز من رموز الأعراس في المغرب العربي وفي العديد من دول الخليج العربي، ونادرا ما نرى عروسا لم تزين يداها وقدماها بالحناء في زينة ونقوش تتطور بتطور العصر والأذواق، فترسم بها لوحات فنية مكونة من أزهار ونجوم ومن صور ترمز للحب والفرح، واليوم توجد محال خاصة بالحناء فيها لوحات من الزينة المتنوعة لإغواء الحريفات وتلبية رغباتهن وأذواقهن على اختلافها.
كما خلق تعلق الناس بالحناء مهنة خاصة بها، حيث توجد محترفات ومختصات يمتهن تزيين النساء بالحناء، وفي تونس مثلا تلقب المرأة المحترفة في الحناء بـ”الحنانة”، وهي إما أن يكون لها محل تقصده النساء وإما تكون سيدة معروفة في الحي أو في القرية أو المدينة تقصدها السيدات والفتيات أو تدعى إلى حفلات الزفاف لمنزل العروس فتقام الاحتفالات وتنشد الأغاني وتقرع الطبول وتضاء الشموع في ليلة الحنة التي تخضب فيها العروس بالحناء، وعادة ما تنطلق مراسم الزفاف بهذه الليلة حيث تجتمع عائلة العروسين وتتزين النساء والفتيات بالحناء.
|
وفي بعض المدن التونسية هناك عادة طريفة تحرص النساء على القيام بها وتتمثل في تخضيب الفتيات من نفس خلطة الحناء المستخدمة للعروس والتي أوقدت فوقها الشموع ورشت بالعطر مثل ماء الورد اعتقادا بأنها ستجلب لهن الحظ في الزواج.
وللعريس نصيبه من الحناء في العديد من المدن المغربية، وتقام ليلة حناء له أيضا ويشاركه في الاحتفال بوضع قرص صغير من الحناء وسط كف يده أو في إصبعه، أصدقاؤه وأفراد عائلته. وفي كلتا الليلتين يجتمع الجميع كبارا وصغارا حول طبق الحناء في سهرات احتفالية مليئة بالابتهاج وكأن الجميع يهنئ العروسين بتزينهما بالحناء التي تتخذ رمزا لبداية حياة ثنائية تستهل ببركات الحناء وطيب رائحتها.
وفي الأعراس كما في حفلات الختان وفي مراسم الاحتفالات بالمولد النبوي الشريف والاحتفال برأس السنة الهجرية وبالأعياد وبشهر رمضان تعتبر الحناء إحدى أهم علامات الاحتفال والبهجة في هذه المناسبات وتحرص النساء على التزين بها بتخضيب الأيادي والأقدام وصبغ الشعر للمحافظة على العادات التي ورثنها عن أمهاتهن وجداتهن وحرصا منهن على الظهور في أبهى حلل الزينة، غير أن المتأمل اليوم في مجتمعاتنا العربية يلاحظ نوعا من الابتعاد عن هذه العادات حيث أن المراهقات والشابات اليوم انصرفن، بنسب متفاوتة، عن اعتماد الحناء كأداة أساسية للزينة والاحتفال، ولعل ذلك يرجع إلى توفر أنواع أخرى من الزينة لتختصر استعمالاتهن للحناء في الأعراس في المجتمعات التي لاتزال حريصة على مراسم الزفاف التقليدية.
وتاريخيا يرجع المؤرخون استعمالات الحناء إلى ما قبل الإسلام حيث عرفتها العديد من الشعوب القديمة وتناقلتها العديد من الحضارات الغابرة، فقد ذكرت الدراسات التاريخية أن الفراعنة استعملوا مسحوق الحناء وأوراقها كمادة حافظة في تحنيط جثث الموتى لحمايتها من التعفن بفعل الزمن، كما استعملوا خلطاتها لعلاج المصابين بالصداع بوضعها على الجبين ولمداواة القروح، واستعملوها في أغراض الزينة على الأيدي وصباغة الشعر واستعملوا أوراقها وأزهارها لاستخراج العطور.