الحمائية الاقتصادية.. إجراء مناهض للعولمة مناقض لحرية التجارة

الثلاثاء 2017/09/19
الحمائية الاقتصادية تتيح فرص عمل جديدة للعمال المحليين

لندن - الحمائية التجارية، هي تلك السياسة التي تلجأ إليها حكومة بلد معين في حال شعرت أن هناك منافسة غير عادلة ومن شأنها أن تضر باقتصادها، وتستشعر خطرا يتمثل في أن بضائعها المحلية مهددة من قبل البضائع الأجنبية فتقوم الحكومات في هذه الحالة بوضع القيود أمام التجارة الدولية بهدف الحد من الواردات وتشجع في الوقت ذاته اقتصادها المحلي من خلال إقامة الحواجز الجمركية أمام الواردات.

وتقوم الدول بتطبيق السياسة الحمائية عبر اتباع عدة وسائل منها التعريفات الجمركية على الواردات، وتحديد الحصص، والإعانات، ومنع الأجانب من الاستيلاء على الأسواق المحلية والشركات، والتخفيضات الضريبية للشركات المحلية أو حتى التدخل المباشر للدولة على اعتبار أنّ الاقتصاد لا يمثل العصب الحيوي فقط لأي دولة، بل هو أحد أهم مظاهر ومقومات السيادة الوطنية.

ما يجعل مسألة الحمائية التجارية تتصدر السجال الدائر بين الخبراء الاقتصاديين في العالم اليوم هو أنه، وعلى الرغم من كثرة ما راج ويروج من حديث عن إيجابيات التجارة الحرة وزيادة الانفتاح التجاري بسبب الاتفاقات الدولية والعولمة، إلا أن العديد من الدول اختارت تطبيق السياسة الحمائية مثل سويسرا التي تتبع هذا الحل الاقتصادي عن طريق تخفيض قيمة عملتها لجعل سعر بضائعها أرخص وتتمكن بالتالي من تشجيع صادراتها.

عادة ما يتم اللجوء إلى السياسة الحمائية كحل وقائي عندما تشعر الحكومات بأن بضائعها وصناعاتها مهددة من قبل المنتجات الخارجية. ويزعم المدافعون عن هذه السياسة أنها تنبع من الرغبة في مساعدة المصنعين المحليين عن طريق جعلهم أكثر قدرة على المنافسة مع التجار الأجانب.

المعارضون لهذا التوجه الاقتصادي، يرون أن السياسة الحمائية تحد من المنافسة، وتشل روح الابتكار والتطوير، وتؤدي تباعاً إلى تراجع الصناعة وكسلها على المدى البعيد، مما يضر باقتصاد أي بلاد تحكم على نفسها بالانغلاق جراء هذه السياسة التي يصفها خصومها بأنها جبانة ويشبهونها بالنعامة المتعامية عما يحيط حولها.

غياب المنافسة الذي تسببه الحمائية التجارية، يؤدي إلى ضمور حس الابتكار ومحاولة تحسين المنتجات والخدمات للمستهلك المحلي الذي يعتبر ضحية لهذا الحل الظالم، ويضطر عندئذ إلى دفع السعر الأعلى للبضاعة الأسوأ، عوضاً عن استيرادها بسعر أرخص من سعر الخارج و”يا دار ما دخلك شر” كما يقول المثل العامي، ذلك أن غالبية الناس تهمهم النتائج المحسوسة التي تنعكس ايجابيا على حياتهم، وليس الخوض في نظريات اقتصادية معقدة ولا تعني إلا أهل الاختصاص.

هناك أمر تناساه المتحمسون للعولمة وفتح الحواجز والحدود أمام التجارة الدولية، هو أن الحمائية الاقتصادية تعطي وقتا وتضمن ظرفا إيجابيا للدول والمؤسسات والأفراد في حال عزمهم على البت في صناعة جديدة بمنأى عن أخطار المنافسة الخارجية، بالإضافة إلى فتحها آفاقا جديدة لهذه الصناعة للنمو وتطوير مزاياها التنافسية، كما ينبغي ألا تغيب عن الأذهان مزايا اجتماعية أخرى مثل إتاحة فرص عمل جديدة للعمال المحليين، والشبان العاطلين عن العمل -وما أكثرهم في العالم العربي- وذلك بفضل لجوء الصناعات المحلية النامية إلى توظيف العمال المحليين بدل الاستغناء عنهم مثلما يحدث في الحالات التي كشرت فيها العولمة عن أنيابها في بلدان كثيرة، لكن خبراء اقتصاديين يقولون إن هذا ربما يحدث على المدى القريب أمّا على المدى البعيد فغالباً ما تنتهي الحمائية بإيذاء الناس الذين ينبغي عليها حمايتهم.

لا بد من التذكير بأن الجدل في المسألة الحمائية، خصوصا عبر التركيز على ثنائية الصادرات والواردات، هو جدل قديم يصل إلى المؤسسين الأوائل لعلوم الاقتصاد، مثل آدم سميث مؤلف كتاب “ثروة الأمم” الذي حسم الأمر بقوله إن فوائد الصادرات تأتي ليس من تراكم الذهب وإنما من المزيد من التخصص في العمل، ما يرفع من الإنتاجية والإنفاق، كما أن حظر الواردات يجبر المستهلكين على دفع أموال أكثر للحصول على سلع يمكن شراؤها بمقابل أقل.

أما في الوقت الراهن وعلى ضوء التوجه الصريح للسياسة الأميركية نحو الحمائية التجارية، فمن المرجح أن يقدم العديد من الشركاء التجاريين الكبار للولايات المتحدة على تطبيق تعريفات على المنتجات الأميركية أو اتخاذ إجراءات مماثلة أخرى. ومن شأن ذلك أن يحد من أرباح الصادرات الأميركية ويزيد في تفاقم أزمة التجارة العالمية التي شهدت سنوات عجافا في الفترة الأخيرة مع نمو متأرجح ظل أقل بكثير من المتوسط التاريخي ثم تباطأ أكثر إلى 1.9 بالمئة في 2016 كما تشير الأرقام العالمية، وبالتالي فإن اقتصاديين يرون أن أجندة دونالد ترامب قد تبقي التجارة العالمية في وضع مثبط خلال السنوات المقبلة.

اقرأ المزيد:

حل اقتصادي ومبدأ أخلاقي

التاريخ لا يعود إلى الوراء

12