الحكومة تتحاور مع الشارع المصري لاستعادة الثقة

فتح حوار مع الشارع قد يخفف من حدة المشكلات ويتيح الفرصة للرأي العام للمشاركة في تصويب بعض المسارات.
الأحد 2023/03/05
القاهرة تعول على الحوار لامتصاص الاحتقان

القاهرة- لجأت الحكومة المصرية إلى إشراك المواطنين في بعض قراراتها وسياساتها المرتبطة بملفات وقضايا تمسهم، على أمل استعادة الثقة المفقودة فيها وتقريب المسافات بينها وبين الناس، واستطلاع وجهات نظرهم فيما يتم التخطيط له مستقبلا.

وأطلق مجلس الوزراء المصري “منصة حوار” التفاعلية للمشاركة المجتمعية قبل أيام، بهدف تحقيق أفضل مشاركة مستدامة في عملية صنع القرار، بحيث يُتاح للمواطن إبداء الآراء والمقترحات في موضوعات مختلفة.

وقررت الحكومة أن تكون المنصة الحوارية حلقة وصل أساسية مع المواطنين لضمان الحرية التامة في عرض الآراء والمقترحات مع إتاحة الفرصة للجميع لعرض آرائهم ومبادراتهم على المسؤولين وتنفيذ المقترحات القابلة للتطبيق.

◙ عبدالفتاح السيسي أبدى حماسا لأفكار ومقترحات تم تقديمها من شباب وطلاب مدارس
◙ عبدالفتاح السيسي أبدى حماسا لأفكار ومقترحات تم تقديمها من شباب وطلاب مدارس

وعكست العديد من القرارات الحكومية التي تصدر لمعالجة بعض الأزمات إلى أيّ درجة هناك تشدد من قبل المسؤولين في الاستماع لرؤى المواطنين وتمسك مؤسسات رسمية بالسير في اتجاه مخالف، وعندما تشتد الأزمة تتم الاستجابة لمقترحات الناس.

وأدركت بعض دوائر صناعة القرار داخل السلطة في مصر أن الحوار مع الناس يضمن تخفيف نبرة الغضب ضد الحكومة، والكف عن اتهامها بالعناد والدكتاتورية في تمرير رؤيتها تجاه قضايا متعددة من دون اكتراثها بتوجهات المواطنين الحقيقية.

وقال أحد الوزراء في الحكومة المصرية لـ”العرب” إن هناك تكليفات رئاسية بفتح قنوات حوار مع المواطنين، على أمل أن يكون بينهم من يمتلك حلا لمشكلة أو يقدم مقترحا في أزمة ينطوي قيمة نوعية على مستوى كل الوزارات.

وأضاف الوزير، الذي طلب عدم كشف هويته، أن الرئيس عبدالفتاح السيسي، دعا الوزراء لمناقشة قضايا عدة مع الأطراف المتداخلة فيها مباشرة، والاستماع لوجهات النظر حتى لا تكون هناك ردة فعل متحفظة أو يصدر فيها قرار بلا دعم كاف.

وأظهرت بعض التوجهات الرسمية صدق رؤية الشارع في طرح حلول عقلانية لمشكلات عصية على الحل، تواجه أحيانا بعناد من المسؤولين، حتى صارت هناك فجوة بين الحكومة والمواطنين لإصرارها على التحدي وإظهار صواب رؤيتها.

وتعتقد دوائر سياسية أن فتح قنوات للحوار قد تخفف من حدة المشكلات، وتقلل من اتخاذ قرارات عشوائية، وتتيح للرأي العام المشاركة في تصويب بعض المسارات، ومن المهم عدم التعاطي مع رؤى الناس بأنها سطحية أو ساذجة.

وتتيح الحكومة من خلال المنصة الحوارية الجديدة المشاركة في الرأي بشأن القضايا المطروحة من قِبل الهيئات العمومية للتعرف على اتجاهات الرأي العام وآراء الخبراء والمتخصصين من خلال إضافة تعليقات أو إجراء تصويت حولها.

◙ فتح حوار مع الشارع بداية لاحتواء غضب الناس، لكن من المهم أن تكون هناك إرادة للاستماع إلى المقترحات الجادة بلا عناد

وحسب الهدف المعلن للمنصة فإن “الحكومة ترغب في رسم صورة حول آراء المواطنين والخبراء والمتخصصين عن الموضوعات المطروحة واستقبال الأفكار وإحالتها إلى الدراسة وتحديد الاستفادة منها وتحويلها إلى قرارات تنفيذية أو مشروعات”.

ويعد فتح حوار مع الشارع بداية لاحتواء غضب الناس، لكن من المهم أن تكون هناك إرادة للاستماع إلى المقترحات الجادة ووجهات النظر العقلانية بلا تكبر أو عناد أو غطرسة، لأن هناك شعورا عند المواطنين بأن الحكومة لا تسمع سوى صوتها.

وأبدى الرئيس السيسي حماسا في فعاليات ومناسبات رسمية لأفكار ومقترحات تم تقديمها من شباب وطلاب مدارس، وكلّف الحكومة بالبدء الفوري في تنفيذها، إلا أن المعضلة تكمن في ما يسمى “فارق السرعات” بين رأس السلطة وبعض المؤسسات التي تتفنن في استفزاز الناس.

علاوة على غياب الحنكة السياسية عند الكثير من المسؤولين وشعورهم بأن ما يُطرح من مقترحات ورؤى يسعى أصحابه لجني مكاسب ذاتية بلا اكتراث بأن التشاور مع الجمهور قد تنتج عنه حلول غير تقليدية لمشكلات تعتقد الحكومة صعوبة حلّها.

ويصعب فصل إشراك الشارع في تقديم الحلول عن محاولة الحكومة إضفاء حالة من الشعبوية على توجهاتها والإيحاء بأنها تبحث عن حلول واقعية للأزمات لأن استمرار تباعد المسافات مع الناس يفاقم الغضب ويقود إلى عدم الاستقرار.

وقال إكرام بدرالدين رئيس قسم العلوم السياسية بجامعة القاهرة لـ”العرب” إن إدخال الشارع طرفا في حل المشكلات وتقديم المقترحات للتطوير والإصلاح يجعل الحكومة المصرية قريبة وجدانية من المواطنين ولا تبدو كمن يعيش في جزر منعزلة، لأن المواطن العادي يهمه أن تصل مطالبه وأفكاره بدقة إلى صانع القرار.

إكرام بدرالدين: سيكون من الصعب على الحكومة تلبية جميع مطالب المواطنين التي ستصل عبر المنصة الحوارية
إكرام بدرالدين: سيكون من الصعب على الحكومة تلبية جميع مطالب المواطنين التي ستصل عبر المنصة الحوارية

وأضاف أنه سيكون من الصعب على الحكومة تلبية جميع مطالب المواطنين التي ستصل عبر المنصة الحوارية، لكن إدراجهم ضمن أطرها الشعبية فرصة ثمينة لإعادة النظر في بعض السياسات المتحفظ عليها وإقناع الناس بأن الحكومة والمواطن شريكان في كل شيء للوصول إلى هدف واحد.

ويرتبط تكرار الخلاف بين الحكومة والمواطنين جراء بعض القرارات بأن هناك سياسات يتم تنفيذها لا تمتّ للواقع بصلة، وثمة مؤشرات سابقة تؤكد أن بعض الرؤى الرسمية خاطئة ويتم الإصرار على تطبيقها رغم تحفظ الناس عليها.

وتشير معطيات عديدة إلى أن الأزمات التي تواجه الحكومة لن يتم حلها إلاّ بالحوار مع الأطراف المعنية بكل ملف، من خبراء ومتخصصين، لا بقرارات فوقية تفضي إلى مشكلات معقدة، ولن يحدث الحوار إلا بالتعامل مع أصحاب الرأي والخبرة والكفاءة بمنطق تشاركي بعيدا عن التخوين والتشكيك.

ويخشى معارضون أن تكون منصة الحكومة للحوار مع الشارع محاولة للالتفاف على الحوار الوطني بين الحكومة وقوى سياسية معارضة وعدم استكماله أو تجميده.

وأوضح نجاد البرعي عضو مجلس أمناء الحوار الوطني لـ”العرب” عدم وجود تعارض بين الحوارين، فهذا للناس، وذاك للسياسيين، وأيّ حوار مفيد مهما كانت أطرافه، ويوفر فرصة للتشاور وتبادل وجهات النظر بين الجميع.

وبغض النظر عن مدى قدرة الحكومة على تصويب مساراتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وفق مطالب المواطنين والمتخصصين التي سترد إليها عبر منصة الحوار، فمن المهم أن يشعر الناس بوجود نوايا للإصلاح والتغيير عندما تكون هناك إرادة لتنفيذ رؤى تعبر عن نبض الشارع الحقيقي بدلا من إكراهه على أوضاع لا يقبلها.

4