الحكومة المصرية لجأت إلى أسواق بديلة لتأمين وارداتها من القمح

القاهرة - لم يهم قطاع كبير من المصريين في الحرب بين روسيا وأوكرانيا سوى الإجابة العاجلة على سؤال كيف تضمن القاهرة تأمين نحو 80 في المئة من واردات القمح منهما، وقبل أن يتحول السؤال إلى أزمة مستعصية في مصر ردت الحكومة عبر بيانات مختلفة لنزع فتيلها وطمأنة المواطنين بأن المخزون الاستراتيجي آمن.
واعتاد الكثير من المصريين هذا النوع من التطمينات وكانوا يأخذونها في وقت سابق على أنها مؤقتة أو كنوع من المسكنات السياسية العاجلة، غير أن خبرتهم القصيرة مع النظام المصري الحالي بدأت تبدد الانطباعات السلبية في المجالات الحيوية.
ففي الوقت الذي انصبت فيه أنظار المصريين على تداعيات الحرب بين البلدين وما يخصهم فيها، وهو القمح، تحركت آلة الإعلام وذكرتهم بتعدد واردات مصر من السلاح مؤخرا، ما يعني أن القمح كسلعة استراتيجية يصنع منها الخبز أو ما يسميه المصريون “العيش” كدليل على الأهمية لن يكون مرهونا بدولة أو اثنتين.
وعلمت “العرب” أن القاهرة استقبلت قبل أيام مولين أشيمبايف رئيس مجلس الشيوخ بدولة كازاخستان وجرى التباحث معه بشأن استيراد مصر كميات من القمح، وهو ما تعزز باتصال تلقاه الرئيس المصري عبدالتفاح السيسي من نظيره الكازاخي قاسم توكاييف، الخميس، تطرق للعديد من القضايا من بينها عملية توريد القمح إلى القاهرة.

كريم العمدة: المخزون الاستراتيجي يكفي لفترة تتدبر فيها القاهرة احتياجاتها
وأوضح الخبير في الاقتصاد السياسي كريم العمدة أن هناك أزمة كبيرة في استيراد القمح تعاني منها مصر منذ سنوات، وتحاول الحكومة حلها الآن وسد الفجوة أو على الأقل التقليل منها كي تتجنب تأثيرات الهزات الإقليمية والدولية عليها.
وأضاف لـ”العرب” أن المخزون الاستراتيجي الحالي يكفي لفترة تستطيع فيها القاهرة تدبير احتياجاتها مستقبلا من خلال أسواق بديلة في الهند والبرازيل وكازاخستان ولاتفيا، وهي دول تربطها بمصر علاقات سياسية واقتصادية جيدة.
وذكر العمدة أن مصر انتبهت إلى ضرورة زيادة إنتاجها المحلي من القمح والتوسع في المشروعات الزراعية الكبيرة التي أطلقت لأسباب داخلية وخارجية، حيث تريد خفض فاتورة الدعم المقدم للبسطاء بشأن رغيف الخبز وأهميته، ولا تريد رهن قرارها السياسي بأيّ جهة خارجية يمكنها أن تستغل القمح للضغط عليها.
وما يخيف المواطن البسيط في مصر هو قيام الحكومة بمراجعة منظومة دعم رغيف الخبر المخصص لها في الموازنة العامة للدولة نحو 51 مليار جنيه سنويا (حوالي 3.2 مليار دولار)، بذريعة أن القمح المستورد يواجه عقبات وزيادة في الأسعار.
وبدأت مصر عملية مبكرة لتنويع مصادر القمح قبل اندلاع الحرب الراهنة، حيث تستورد احتياجاتها من 14 دولة، لكن تظل النسبة الأكبر تصل من روسيا وأوكرانيا.
وتعد أوكرانيا خامس أكبر مصدر للقمح في العالم، وتعرف في أوروبا بـ “سلة الخبز”، وصدرت كييف ما قيمته 3.1 مليارات دولار من القمح عام 2019.
وتصدرت روسيا قائمة الدول التي استوردت منها مصر القمح العام الماضي، وسجلت قيمة واردات بـ1.2 مليار دولار وكمية بلغت 4.2 مليون طن، بنسبة 69.4 في المئة من إجمالي واردات مصر من القمح.
وجاءت أوكرانيا في المرتبة الثانية بقيمة 649.4 مليون دولار، وكمية 651.4 ألف طن بنسبة 10.7 في المئة، تليها رومانيا وأستراليا وفرنسا وليتوانيا وكندا والصين وكوريا الجنوبية.
وقالت الحكومة المصرية إن المخزون الاستراتيجي من القمح في مصر آمن ويقدر بـ4.3 مليون طن، ويكفي لأكثر من أربعة أشهر، علاوة على كمية جيدة من المحصول المحلي زرعت على مساحة تقدر بمليون فدان.
وانتبهت الحكومة إلى احتمال مواجهتها أزمة قمح عالمية، ورفعت أسعار شرائه من المزارعين محليا بنسبة 15 في المئة لتشجيعهم على زراعته.
ومن المتوقع أن يصل الإنتاج المحلي العام الحالي إلى 4 ملايين طن سوف يتم حصدها في أبريل المقبل، وتكفي الكمية الإجمالية حتى نهاية العام، ومعها تكون الحرب في أوكرانيا تكشفت معالمها وتداعياته على واردات مصر من القمح.
وانخفضت واردات مصر الحكومية من القمح إلى 5.5 مليون طن مع زيادة إنتاجه محليا العام الماضي إلى نحو 3.5 مليون طن.
وبلغت كمية واردات مصر من القمح 6.1 مليون طن العام الماضي، مقابل 11.8 مليون طن في نفس الفترة من العام 2020 بنسبة انخفاض قدرها 48.4 في المئة.
وأظهرت بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء بمصر أن قيمة الواردات من القمح سجلت 2.4 مليار دولار في الـ11 شهرا الأولى من العام الماضي، مقابل 2.9 مليار دولار في نفس الفترة من العام 2020 بانخفاض قدره 16.2 في المئة.
وهناك زيادة مستمرة في الاستهلاك، حيث من المرجح أن يبلغ حجم الاستهلاك المحلى من القمح في العام الحالي نحو 21 مليون طن بزيادة 1.9 في المئة عن تقديرات العام التسويقى 2021 البالغة 20.6 مليون طن.