الحكومة المصرية تستعين بالمناهج الدراسية لدعم رؤيتها حول حقوق الإنسان

الحكومة المصرية تريد فرض رؤيتها لحقوق الإنسان في البلاد من خلال ثقافة محددة لهذا الملف بعيدة عن الحريات المطلقة.
الأحد 2023/03/19
أي مضمون لحقوق الإنسان يمكن تدريسه

القاهرة- عكس قرار وزير التربية والتعليم المصري رضا حجازي بتضمين المكتبات المدرسية وبعض المناهج الدراسية ثقافة حقوق الإنسان في مصر رغبة الحكومة في تسليط الضوء على المكتسبات التي تحققت في هذا الملف، ووجود نية لديها لرسم مسار محدد للحريات والحقوق للأجيال المستقبلية، بما يتناغم مع رؤية الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في هذه النوعية من القضايا المتشابكة.

وقال وزير التعليم قبل أيام إنه يُجري حاليا مراجعة للكتب الدراسية في مختلف المراحل التعليمية لضمان خلوها من كل ما يدعو إلى التشدد وعدم المساواة على أن تحتوي على مفاهيم تتعلق بنبذ العنف والعنصرية، مع تزويد مكتبات المدارس بكتب ومراجع تعزز الإيمان بحقوق الإنسان والمساواة بين الرجل والمرأة في مصر.

ويسعى النظام المصري لفرض أمر واقع بشأن رؤيته لحقوق الإنسان في البلاد، بحيث تكون هناك ثقافة محددة لهذا الملف بعيدة عن الحريات المطلقة التي يمكن أن تقود إلى فوضى وعدم استقرار، مقابل نشر مفاهيم بعينها، مثل الحق في التعليم والسكن والصحة، بجانب الحريات الدينية من دون التطرق إلى نظيرتها السياسية.

كمال مغيث: لا يجب أن تكون المفاهيم الحقوقية خاضعة لرؤية ضيقة لضمان ولاء المراهقين والشباب
كمال مغيث: لا يجب أن تكون المفاهيم الحقوقية خاضعة لرؤية ضيقة لضمان ولاء المراهقين والشباب

وتحاول الحكومة المصرية التركيز على ذلك في كل المحكّات التي تتعرض فيها لانتقادات من قبل منظمات حقوقية وحكومات غربية في ملف الحريات العامة.

ويستهدف تضمين الكتب المدرسية للمفاهيم التي تروج لها السلطة بشأن حقوق الإنسان تنشئة الأجيال الجديدة من المراهقين والشباب على نفس الوتيرة التي يتبناها الرئيس السيسي حول الحريات عموما، بحيث تكون متفقة مع الأوضاع الداخلية وبعيدة عن مثيلاتها في الدول الغربية، انطلاقا من خصوصية الحالة المصرية.

وترغب الحكومة في أن يشب الأطفال ويكبر المراهقون والشباب في المؤسسات التعليمية على أن حقوق الإنسان في مصر مختلفة بشكل جذري عن تلك الموجودة في الدول المتقدمة، وهي قناعات تريد الحكومة تكريسها في أذهان الناس، حتى لا يكون لدى الأجيال المستقبلية طموحات غير محدودة تجاه الحريات.

وجدد الرئيس المصري مؤخرا التأكيد على أن رؤية مصر لحقوق الإنسان تعتمد على الارتقاء بحياة المواطن دون تطرق إلى أي من الحقوق السياسية.

وجاء ذلك في لقاء جمعه وميتا فريدريكسن رئيسة وزراء الدنمارك، وهي نفس القناعات التي ترغب الحكومة في الترويج لها في أي خطاب موجه للداخل أو الخارج.

وأطلقت القاهرة قبل عامين خطة بعنوان “الإستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان” حوت محاور رئيسية للمفهوم الشامل لحقوق الإنسان، وتتكامل مع المسار التنموي والاقتصادي الذي تقوم به الحكومة، ما جعلها تتعرض لانتقادات دولية في المجال الحقوقي، لأنها تصر على إغفال النظر إلى الحريات السياسية في البلاد.

ويرى مراقبون أنه من المستبعد تضمين المناهج الدراسية مفاهيم وثقافات مرتبطة بحقوق الإنسان في مصر قريبة من وجهة النظر الغربية التي تختزل القضية في الحريات السياسية، لأنه سيكون من الصعب على الحكومة تنشئة الأجيال المستقبلية على رؤى حقوقية مناهضة لقناعات رأس السلطة.

◙ الحكومة ترغب في أن يشب طلاب المدارس على أن حقوق الإنسان في مصر مختلفة عن تلك الموجودة في الغرب

وبرغم عدم إفصاح وزير التعليم المصري عن المفاهيم الخاصة بحقوق الإنسان التي سيتم إدراجها في المناهج، لكنها تبدو معروفة، إذ تمنح الأولوية لتكريس الحق في السكن والتعليم والصحة، وهي خطة ترغب الحكومة في تكريسها بأذهان الناس.

وتريد الحكومة فرض أمر واقع بشأن ملف حقوق الإنسان ينطلق من خصوصية الحالة المصرية، وترغب في نشرها بحكم ما تعانيه الدولة من تحديات أمنية وسياسية وتهديد من التيارات المتطرفة التي تفرض على الدولة التمادي في عملية تقييد الحريات لتضييق مجال الحركة على المتشددين والخصوم السياسيين.

وأكد الحقوقي التعليمي والخبير التربوي كمال مغيث لـ”العرب” أن تنشئة الأجيال المستقبلية على حقوق الإنسان خطوة مطلوبة، لكن لا يجب أن تكون المفاهيم الحقوقية خاضعة لرؤية ضيقة لضمان ولاء المراهقين والشباب لأن بناء مجتمع متحضر لدولة عصرية بأجيال واعية يتطلب توسيع مفاهيم الحريات لديهم لا إقصاء جزء بعينه.

وأضاف أنه لا يجب تربية شباب المستقبل على أن كل معارض متآمر، وهذا يتطلب توسيع المدارك الحقوقية للأجيال الصاعدة سياسيا وإعلاميا ودينيا وفكريا، وهذا ضمانة للاستقرار المبني على الوعي، إلا أن إهمال شق حقوقي بعينه مقابل تسليط الضوء على مفاهيم أخرى يغذي الجهل بقيم حقوق الإنسان المتعارف عليها.

رضا حجازي: تزويد مكتبات المدارس بكتب ومراجع تعزز الإيمان بحقوق الإنسان
رضا حجازي: تزويد مكتبات المدارس بكتب ومراجع تعزز الإيمان بحقوق الإنسان

ويسعى الرئيس السيسي لإقناع الرأي العام الداخلي بأن التغيير والإصلاح السياسي من خلال الاحتجاجات والتظاهرات يقود إلى دمار الدول، وأن الحقوق السياسية المفتوحة لا مكان لها في الدول النامية، والمفترض أن تؤمن شعوب هذه الدول بأن حقوقها الاجتماعية أهم وأولى من نظيرتها السياسية، لاسيما إذا كانت غير منضبطة.

ويعتقد المراقبون أن التحرك الحكومي لتنشئة الأجيال المستقبلية على مفاهيم حقوقية غير سياسية محاولة لاستمالتهم بعيدا عن الانسياق خلف قوى وتيارات بعينها تحاول استقطابهم بخطاب يتناقض مع رؤية النظام ودوائره الحاكمة، طالما أن هذه الأجيال سيكون بيدها التغيير مستقبلا ومطلوب ترويضها مبكرا.

ويتعارض هذا التوجه مع رأي خصوم الحكومة لكونها تحاول بشتى الطرق أن تروج للإنجازات التنموية على أنها جزء أصيل في مجال حقوق الإنسان، وحال ما نجحت في تكريس ذلك سوف تظل الأوضاع الداخلية بلا تغيير على مستوى الحريات السياسية، لأن الأجيال التي يتم التعويل عليها للتغيير صارت مشوهة حقوقيا.

وهناك شريحة كبيرة في المجتمع لا تمانع أن تكون حقوق الإنسان مقتصرة على الشق التنموي والاجتماعي، وهي فئة البسطاء ومتوسطي الدخل الذين يمثلون أكثر من ثلثي التركيبة السكانية، ولا يهم هؤلاء أو أولادهم في المؤسسات التعليمية وجود حريات سياسية من عدمه، فالأهم تحسين ظروفهم المعيشية.

ويشير ناشطون في مجال حقوق الإنسان إلى أن تضمين المناهج التعليمية مفاهيم حقوقية اجتماعية بديلة عن الحريات السياسية هو انتكاسة لكل من يبني طموحاته على تغيير الأوضاع الحالية والمستقبلية إلى الأفضل، لأن هذه الخطوة سوف تكرس نوايا السلطة باستمرار غلق المناخ العام ومطاردة المعارضين والمطالبين بالإصلاح.

4