الحكومة الجزائرية تقايض أراضي الدولة بالاستثمار

قرار تملك الأجانب أراض في الجزائر يفجر الصراع بين الرئاسة والحكومة بسبب مادة تضمنها المشروع، للتنازل عن الأراضي الفلاحية لصالح الأجانب.
الأربعاء 2018/06/06
بوتفليقة يرفض القرار

الجزائر- تعيش الجزائر مؤخرا، على وقع جدل حاد بسبب خطط حكومية تتنازل بموجبها عن أراض زراعية لمستثمرين أجانب، وهو القرار الذي ألغاه رئيس الجمهورية عبدالعزيز بوتفليقة من قانون الموازنة التكميلي.

وتضمن قانون الموازنة التكميلي، الذي يدخل حيز التنفيذ مطلع يوليو المقبل، "منح عقود الامتيازات الزراعية للمستثمرين الأجانب". وتجعل بنود هذا القانون من تلك الأراضي، ملكا للأجانب بعد التنازل عنها من طرف الدولة.

وقانون الموازنة التكميلي، الذي عادة ما تلجأ إليه الجزائر وفق الحاجة، يهدف لإقرار مخصصات مالية جديدة، أو تغيير تقديرات الإيرادات أو لخلق أخرى، والترخيص بنفقات جديدة.

ويستمر العمل بقانون الموازنة التكميلي حتى نهاية السنة المالية (ديسمبر 2018). واقترحت الحكومة الجزائرية، في القانون، فتح مجال الامتياز الفلاحي للمستثمرين الأجانب، في إطار مشاريع شراكة مع جزائريين.

ونص مشروع القانون، على أنه سيعاد النظر في نظام الامتياز، خاصة ما يتعلق بالأراضي التابعة لأملاك الدولة، التي وضعت تحت تصرف المزارع النموذجية، وحولت إلى شركات استثمار مستحدثة، في إطار شراكة القطاعين العام والخاص مع شركاء وطنيين أو أجانب.

ويشير المشروع إلى أن التنازل عن الأراضي، يتم عبر عقد إداري صادر عن مديرية أملاك الدولة، مرفق بدفتر أعباء. وفي حال الإخلال بالواجبات المنصوص عليها في عقد التنازل ودفتر الأعباء، تحتفظ الدولة بحق إلغاء العقد إداريا وفق الإجراءات القانونية المعمول بها.

وبررت الحكومة هذا المسعى بكون المزارع التي ستنشأ في هذا الإطار، ستشكل قاطرة تطوير قطاع الفلاحة. ويبدو أن الخطوة تأتي في إطار التخفيف من شكاوى لمستثمرين أجانب حول تعقيدات إدارية حكومية وعقبات أخرى تعرقل الاستثمار في البلد البالغ تعداد سكانه حوالي 41 مليون نسمة.

وتضمن مشروع القانون أرقاما بوجود 169 مزرعة نموذجية، تتربع على مساحة قدرها 146 هكتار (الهكتار = 10 آلاف متر مربع) منها 126 ألف هكتار صالحة للاستغلال، في مناطق الهضاب العليا (السهول الداخلية).

وقال الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني الحاكم، جمال ولد عباس، في تصريحات صحافية مؤخرا، إن الرئيس رفض مشروع قانون المالية التكميلي 2018، بسبب مادة تضمنها المشروع، للتنازل عن الأراضي الفلاحية لصالح الأجانب.

الحكومة بررت هذا المسعى بكون المزارع التي ستنشأ في هذا الإطار، ستشكل قاطرة تطوير قطاع الفلاحة
الحكومة بررت هذا المسعى بكون المزارع التي ستنشأ في هذا الإطار، ستشكل قاطرة تطوير قطاع الفلاحة

واعتبرت تصريحات ولد عباس، مؤشرا على خلاف بين رئاسة الجهورية التي ألغت القرار، وبين رئاسة الوزراء التي أدرجته في مشروع قانون المالية التكميلي.

واتهمت لويزة حنون، الأمينة العامة لحزب العمال (يساري)، حزب التجمع الوطني الديمقراطي (ثاني أحزاب الائتلاف الحاكم) الذي يتزعمه رئيس الوزراء أحمد أويحيى، بـ"محاولة بيع الأراضي الزراعية للأجانب من خلال قانون الموازنة التكميلي".

وخلال اجتماع المكتب السياسي لحزبها في 19 مايو الماضي، ذكرت حنون بأنها تلقت رسالة من الرئيس بوتفليقة، أكد فيها أنه طالما ما زال على رأس الدولة، فلن يسمح ببيع الأراضي الفلاحية. كما تدخل وزير الفلاحة الجزائري عبدالقادر بوعزقي، في أوج عاصفة الجدل، وأكد على أن الدولة لن تتنازل عن الأراضي الزراعية للأجانب.

وأشار بوعزقي خلال رده على أسئلة نواب المجلس الشعبي الوطني (الغرفة الأولى للبرلمان)، بأن الامتياز الفلاحي سيقوم على أساس شراكة مع الأجانب فقط، وليس هناك خطط لتمليك الأراضي أو التنازل عليها.

وتمنع النصوص والتشريعات الجزائرية، تمليك الأراضي والعقارات للأجانب تحت أي ظرف كان، وتنص المادة 14 من دستور البلاد على أنه لا يجوز البتة التنازل أو التخلي عن أي جزء من التراب الوطني.

أما المادة 19 منه، فتنص على أن "تضمن الدولة الاستعمال الرشيد للموارد الطبيعية والحفاظ عليها، لصالح الأجيال القادمة، وتحمي الدولة الأراضي الفلاحية". وأفاد محمد عليوي الأمين للاتحاد الجزائري للفلاحين (موالاة)، بأن الأراضي الزراعية مثل بقية أراضي البلاد، حررها الشهداء وتبقى جزائرية على الأبد.

وأوضح عليوي أن قرار رئيس الجمهورية معناه أنه لا مجال للتنازل عن الأراضي الزراعية للأجانب، لكن الشراكة في إطار الاستثمار بقاعدة 51/49 مرحب بها. وتطبق الجزائر قاعدة في الشراكة الأجنبية، تقوم على أساس منح 51 بالمائة للطرف الجزائري، و49 بالمائة للجهة الأجنبية، وهذا في كافة المشاريع وكافة القطاعات الاقتصادية.

وقال عليوي "الأراضي رمز من رموز السيادة، وتمليكها يعني إمكانية إدخال البلاد في متاهات تصل حد استعمالها قواعد عسكرية أجنبية، أو استخدامها في أنشطة مشبوهة".

وبعد أن ألغى بوتفليقة قرار التنازل عن الأراضي الزراعية للأجانب، أصدرت وزارة الداخلية تعليمات بتاريخ 24 مايو 2018، تمنع فيها اقتطاع الأراضي الزراعية لانجاز مشاريع حكومية.

وقال الخبير الفلاحي الجزائري، رضا لعويسي، إن قرار رئيس الجمهورية، جاء من منطق سيادي ليضع خطوطا حمراء مستقبلا، أمام المساس بالأراضي الزراعية.

واعتبر لعويسي أن إلغاء الامتياز والتنازل عن الأراضي الزراعية لصالح الأجانب، له رسالة واضحة وهي أن الشراكة مع الأجانب تبقى مفتوحة، لكن دون تنازل عن ملكية الأراضي.