الحكومة الجزائرية تبحث تفعيل الإصلاحات المعطلة منذ عشر سنوات

الثلاثاء 2015/07/28
طلبة المدارس الضحية الأولى لحرب النقابات والمسؤولين في الجزائر

الجزائر - عرفت السنة التعليمية الماضية بالجزائر جملة من المطبات نتيجة الجدل والضغوط اللذين تعرض لهما القطاع طيلة الموسم الدراسي بسبب موجة الإضرابات التي شنتها النقابات المستقلة، وظهور بوادر تمرد في صفوف التلاميذ، إلى جانب انتقادات الأولياء لتسييس المنظومة التربوية، سواء من طرف الموظفين والأساتذة أو من طرف وزارة التربية.

وكشف المفتش السابق لوزارة التربية الجزائرية عبدالقادر فضيل، في تصريح لـ”العرب” أن “برنامج إصلاح التعليم الذي باشرته السلطات الجزائرية منذ 12 سنة لم يحقق الأهداف المرجوة، والإمكانيات المالية المتاحة طيلة تلك الفترة لم توظف في تحقيق النهوض النوعي بالمنظومة التربوية للبلاد”.

وأضاف “تم استغلال الموارد المالية المخصصة لبرنامج الإصلاح في تحسين الهياكل والتجهيزات”، مشيرا إلى أن المشاكل المتراكمة في قطاع التعليم الجزائري لا يمكن أن تحل في ندوة وطنية، علاوة على وجوب وضع استراتيجية طويلة الأمد من طرف خبراء ومختصين للوصول إلى منظومة راقية.

وقال “المنظومة التربوية في الجزائر ظلت تشكل ساحة معارك فكرية وأيديولوجية بين تيارات معروفة، واتهامها في السابق بكونها مدرسة لإنتاج التطرف والإرهاب، نظير ما كانت تقدمه للأجيال من قيم روحية وحضارية، وظفت كورقة لإعادة نظر شاملة ودعوات ملحة لإصلاحها، الذي كان إصلاحا أيديولوجيا وليس أكاديميا، ولذلك وقع الانزلاق نحو التفسخ وتفشي العنف والمظاهر السلبية”.

المشاكل المتراكمة في التعليم الجزائري لا يمكن أن تحل في ندوة وطنية، علاوة على وجوب وضع استراتيجية طويلة الأمد

وأضاف المفتش السابق في وزارة التربية عبدالقادر فضيل، في تصريحه لذات المصدر، بأن الندوة المنعقدة بالعاصمة “تأتي في ظروف جد خاصة، ترتبط بمحاولات تسييس المدرسة من طرف مختلف التيارات، والصراع الأيديولوجي غير المتوقف من أجل الهيمنة عليها، سواء من طرف العلمانيين أو الإسلاميين، والحل يكمن في وجهة نظري في استقلالية المدرسة وتحييدها سياسيا وأيديولوجيا”.

وكان الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة قد كلف في مطلع الألفية الخبير علي بن زاغو، رفقة لجنة من المختصين من بينهم وزيرة التربية الحالية نورية بن غبريط، بوضع خطة لإصلاح المنظومة التربوية، في ظل الجدل القائم آنذاك حول تخلف المدرسة الجزائرية، وتغلغل التيارات الدينية المتطرفة في أوساطها، واتهامها بتمهيد الأجيال لتبني أفكار التشدد الديني والإرهاب.

وأمام وقوع إدارة المدرسة تحت طائلة الانتقادات المتواصلة من طرف مختلف الجهات، وإنهاء المواسم الدراسية بشق الأنفس بسبب موجة الإضرابات والاحتجاجات النقابية، وتراجع مستوى التحصيل والأداء، وبروز أولى إفرازات الإصلاحات المعطلة، المتمثلة في تفشي العنف والتفسخ الأخلاقي، عقدت وزارة التربية ندوة لإصلاح المنظومة التعليمية بحضور مختصين ومفتشين وشركاء اجتماعيين وأعضاء من الحكومة بقيادة الوزير الأول عبدالمالك سلال.

ولئن أعربت العديد من النقابات التعليمية عن أملها في التوصل إلى أرضية وفاق شامل للنهوض بالقطاع، فإن رسائل الوزير الأول خلال مداخلته في افتتاح الندوة، لا يستبعد أن تلهب القطاع وتضعه على كف عفريت أثناء العودة المدرسية المقبلة، بسبب تهديد سلال أسرة التعليم باللجوء للتضييق على الحق في الإضراب وتطبيق التدابير الصارمة في حق المضربين، وتحذيره الصريح من اللجوء المتكرر للإضراب والمساس بمصلحة التلميذ، مما يضع النقابات المستقلة أمام خيارات صعبة، فإما الخضوع لإرادة الحكومة والتفريط في أحد أبرز مكاسب الحريات والديمقراطية، أو التمسك بالدفاع عن حقوق منتسبيها والدخول في صدام قريب مع الحكومة.

عبدالقادر فضيل: برنامج إصلاح التعليم الذي باشرته الجزائر لم يحقق الأهداف المرجوة

وهاجم سلال نقابات التربية، مؤكدا “بأن الدولة ستقف بالمرصاد في وجه كل من يسعى إلى تخريب المدرسة أو تسييسها، وأن الإضراب حق يخوله الدستور، لكن لا يحق لأي كان غلق المدرسة بإضراب مفتوح، وأن الدولة لا تريد الوصول إلى تطبيق القانون على الأساتذة وإدخالهم السجن رغم قدرتها على ذلك بقوة القانون، فمن غير المعقول أن تدخل المدرسة في إضرابات مفتوحة حتى وإن كانت المطالب مشروعة، فمن السهل شل المدارس ومن السهل تطبيق القانون وإدخال المضربين السجن، لكن الدولة لن تفعلها”.

ودعا سلال الأسرة التعليمية إلى التعقل والتحلي بالحكمة وعدم شن إضرابات مفتوحة، متعهدا بالمقابل بتحويل الالتزامات والتعهدات إلى نتائج على أرض الواقع، رغم الأزمة التي تمر بها البلاد، عقب انهيار أسعار البترول وتراجع المداخيل الوطنية إلى قرابة النصف، حيث شدد على أن سياسة التقشف لن تمس قطاع التربية الوطنية.

ودعا الوزير الأول عبدالمالك سلال، إلى ضرورة أن تكون العلاقة بين النقابات، الوزارة الوصية والحكومة، وطيدة ومبنية على الشراكة والحوار الفعلي، والسعي إلى بناء مدرسة بعيدة عن كل المساومات السياسية والثقافية، في إشارة لأدلجة المدرسة والبرامج الدراسية.

في أول معالم إعادة النظر في شكل المنظومة، أمر الوزير الأول، وزيرة التربية الوطنية نورية بن غبريط، بمراجعة كيفية تنظيم امتحانات البكالوريا، من خلال تقليص أيام الإجراء من خمسة أيام إلى يومين ونصف اليوم، مع إجراء اختبار شفهي.

وأعاب سلال على النظام التربوي اعتماد بكالوريا في خمسة أيام، مقترحا على الوزيرة بن غبريط والمشاركين في الندوة، “ضرورة العودة إلى برمجة بكالوريا في يومين ونصف اليوم فقط، إضافة إلى اختبار شفهي، بدل 5 أيام كاملة مرهقة للمترشح وللدولة”.

ودعا إلى تنظيم بكالوريا مهنية، للذين لا يسعفهم الحظ لمواصلة دراستهم بالجامعة، وقال “لا بد من التفكير بجدية للرجوع إلى البكالوريا المهنية، وعلى الخبراء تقديم اقتراحات في المسألة”.

17