الحكومة التونسية محاصرة باتفاقيات اجتماعية مؤجلة

تصعيد واحتجاجات جنوب البلاد للمطالبة بتنفيذ اتفاق "الكامور".
الثلاثاء 2021/11/23
أزمات متوارثة تنتظر الحلول

تصطدم الحكومة التونسية بعدد من الملفات الاجتماعية الحارقة التي تركتها الحكومات المتعاقبة والمطالبة بتنفيذها، وفي مقدمتها اتفاق الكامور بمحافظة تطاوين في الجنوب التونسي والمبرم منذ نحو خمس سنوات، بين أبناء الجهة وحكومة يوسف الشاهد.

تونس - وجدت الحكومة التونسية الجديدة التي تقودها نجلاء بودن، نفسها محاصرة باتفاقيات مبرمة في عهد الحكومات السابقة ولم يقع تنفيذها على غرار اتفاق “الكامور”، المنطقة النفطية الواقعة في جنوب البلاد، وسط تصعيد من المحتجين للمطالبة بتحسين الأوضاع التنموية وتوفير المزيد من مواطن الشغل.

وأعلن ممثلو تنسيقية الكامور بولاية (محافظة) تطاوين جنوب تونس، الدخول في حركات تصعيدية من بينها غلق وحدة الضغط عدد 4 “الفانا”، وذلك وفق ما جاء في البند الأخير من الاتفاقية والذي ينص على العودة إلى النقطة صفر في صورة إخلال أحد الطرفين بما اتفق عليه.

وأكدت تنسيقية الكامور تواصل غلق الطريق جزئيا وسط مدينة تطاوين (جنوب تونس) مع التهديد بالتصعيد في صورة عدم تفاعل الحكومة مع مطالب شباب الجهة، المتمثلة أساسا في تنفيذ كافة بنود اتفاقية نوفمبر 2020 الممضاة من طرف الوفد الحكومي والوفد المفاوض الممثل للجهة.

حاتم المليكي: على حكومة بودن أن تلتزم بتنفيذ هذه الاتفاقية المبرمة

كما حذرت التنسيقية الحكومة من استعمال الحلول الأمنية محملة إياها ما سينجر عن ذلك، خاصة وأن الشباب قد ضاق ذرعا من تواصل سياسة المماطلة والتسويف وعدم الالتزام بالتعهدات، ولن يتنازل عن حق الجهة وسيستمر في التحركات والاحتجاجات إلى حين إنصاف محافظة تطاوين.

ويتمسك محتجو الكامور بتوظيف ما يقارب ألفين من شباب المنطقة في الشركات البترولية وشركات أخرى وتخصيص دعم مالي يقدر بنحو ثمانين مليون دينار (ما يعادل 27.92 مليون دولار) لصندوق التنمية الخاص بتطاوين وفق اتفاق مبرم بين المعتصمين وحكومة يوسف الشاهد برعاية اتحاد الشغل التونسي.

وترى أوساط سياسية أن تقلد المناصب السياسية يقتضي تحمل المسؤوليات والانكباب على حل الأزمات الاجتماعية المطروحة، مطالبة حكومة بودن بتنفيذ الاتفاق تكريسا لمبدأ استمرارية الدولة.

وأفاد الناشط السياسي حاتم المليكي أن “الاحتجاجات تصاعدت مثل السنة الماضية، نظرا لغياب سياسات حكومية واضحة لمعالجة الأزمات”، قائلا “تراكمات يناير 2021 هي التي أطاحت بالحكومة السابقة التي ترأسها هشام المشيشي ومن ورائه حركة النهضة”.

وقال لـ”العرب”، “هذه الأزمات متجددة وهي نتيجة للفشل الحكومي في إدارة الشأن العام، الرئيس قيس سعيد وحكومة بودن أمام ملفات سابقة الآن، وما يعسّر مهمة الحكومة في حلها هو غياب الأفق السياسي وشحّ الدعم الأجنبي”، لافتا “على الرئيس سعيد أن ينظر في المسألة بكل جدية”.

وتابع المليكي “من يقبل بالحكم يقبل بتحمّل كل المسؤوليات، وأي شخص يتقلد مناصب سياسية عليه أن يبحث عن حلول ويعالج الأزمات، خصوصا وأنها اتفاقيات ملزمة مثل الكامور”.

وأردف “التحفّظ وراء فكرة أنها اتفاقيات سابقة لا يعالج الأزمة، وعلى حكومة بودن أن تلتزم بتنفيذ هذه الاتفاقية المبرمة”.

واعتبر حقوقيون أن حكومة بودن أمام “إرث” من الملفات العاجلة تتعلق أساسا بالتشغيل والتنمية مثل ملف الكامور، داعية إلى العمل على حلحلة الأوضاع ووضع خارطة طريق واضحة المعالم والأهداف.

ملفات معقدة تبحث عن حلول لدى حكومة بودن
ملفات معقدة تبحث عن حلول لدى حكومة نجلاء

وأكد الوزير السابق والمحامي حاتم العشي أن “الحكومة محاصرة بعشر سنوات من عدم تفعيل الاتفاقيات وتنفيذها، لأن الاجتماع الأخير بين الرئيس سعيد وأمين عام اتحاد الشغل نورالدين الطبوبي وكذلك رئيسة الحكومة، تم الحديث فيه عن تفعيل اتفاقيات سابقة وتعهد الحكومة بذلك، مثل (عمال الحضائر)”.

وأضاف في تصريح لـ”العرب”، “اتفاق الكامور مبرم منذ سنة 2017، والحكومة لم تنفذه (حكومة يوسف الشاهد)، ولكن هذه الحكومة ستتحمل تبعات ذلك، وعليها أن تجلس مع كل الأطراف وتضع خارطة طريق لتنفيذ تلك الاتفاقيات”.

وأشار حاتم العشي إلى أن “حكومة بودن موجودة في إطار إجراءات استثنائية بعد قرارات الخامس والعشرين من يوليو الماضي، ويجب أن ينتهي الوضع الاستثنائي أولا ثم يتم تفعيل تلك القرارات، وهي أيضا بصدد إصلاح الأزمات الماضية مثل الميزانية وتجاوز وضعية شبه الإفلاس في البلاد”.

حاتم العشي: هذه الحكومة ستتحمّل تبعات كل الاتفاقات السابقة

ودعا الوزير السابق إلى “ضرورة وضع جدول زمني واضح للتطبيق، مع إمكانية تنظيم لقاء يجمع الرئيس سعيد ورئيسة الحكومة بممثلين عن الكامور والتحدث بكل صراحة معهم”، مستنكرا “محاولات العديد من الأطراف تأجيج الوضع الراهن لتسجيل نقاط سياسية ضدّ سعيّد وهذا هدف غير أخلاقي في هذه المرحلة”.

واعتبر بسام الطريفي نائب رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان في تصريح لـ”العرب”، أن “الحكومات السابقة اتخذت قرارات لا تتماشى مع الوضع الاقتصادي للبلاد، ولكن في إطار احترام مبدأ استمرارية الدولة على هذه الحكومة أن تلتزم بتنفيذ الاتفاقيات السابقة”.

وأعلنت رئاسة الحكومة (حكومة هشام المشيشي) في نوفمبر 2020، عن التوصل إلى اتفاق نهائي لفائدة ولاية تطاوين يهدف إلى إنهاء أزمة الكامور والمصادقة على الاتفاقية السابقة.

وانعقد مجلس وزاري مُضيّق حضره محافظ تطاوين وتمّ خلاله الاتفاق على الصياغة النّهائية لجُملة القرارات المُتّخذة لفائدة الجهة تطبيقا لنصّ اتّفاق الخامس عشر من يونيو 2017، إضافة إلى إقرار حزمة من الإجراءات لدفع الاستثمار والتشغيل وتحسين ظروف عيش المواطن بالمحافظة.

وكلّف هشام المشيشي رئيس الحكومة السابق رئيس الوفد الحكومي ومحافظ الجهة بعرض مُخرجات المجلس الوزاري المُضيّق على الوفد المُمثّل للجهة من مُنظّمات وطنية ومُمثّلي الشعب بمجلس النواب ومُختلف مُكوّنات المجتمع المدني، سعيا إلى التحاور والتشاور بما يضمنُ حُسن تطبيق القرارات المُتّخَذة وعودة الإنتاج إلى نسقِه الطبيعي والحفاظ على السّلم الاجتماعي بالجهة.

4