الحكومة التونسية عالقة بين مطالب المعلمين النواب والضغوط الاقتصادية

تونس - يخوض الآلاف من المعلّمين النواب في تونس منذ أسابيع تحركات احتجاجية واعتصامات بمقرات المندوبيات الجهوية للتربية بكامل أنحاء البلاد، رفضا لما يعتبرونه سياسة “التسويف والمماطلة” التي تنتهجها وزارة التربية في تسوية ملف انتدابهم.
وأدت هذه التحركات الاحتجاجية إلى صدامات الاثنين مع الأجهزة الأمنية في محافظة القيروان وسط تونس، الأمر الذي أثار حملة تنديد واسعة من منظمات حقوقية، طالبت بفتح تحقيق ضد ممارسات العنف التي طالت المحتجين.
وتجد الحكومة التونسية نفسها في موقف صعب بين الاستجابة لمطالب المعلمين النواب وعددهم نحو 4000 شخص، وما قد يفضي إليه ذلك من فتح المجال لقطاعات أخرى يعاني موظفوها والعاملون بها من صيغ عمل هشة، وبين معالجة وضع اقتصادي صعب تعانيه البلاد، ويتطلب إعادة هيكلة تمس بالأساس كتلة الأجور في الوظيفة العمومية.
وقال ناجي جلول وزير التربية السابق، إن “وضع المعلمين النواب صعب وليست لديهم الإمكانيات اللازمة لمواجهة النفقات اليومية”.
وأكّد جلول في تصريحات لـ”العرب” “أنه لا توجد إرادة سياسية حقيقية للنهوض بقطاع التعليم في تونس”، مشيرا إلى أن “كل يوم يتم إغلاق مدرسة في تونس ومغادرة 300 تلميذ يوميا”.
واعتبر وزير التربية الأسبق أن ما طرحته الجامعة العامة للتعليم الأساسي (نقابة) لحل أزمة المعلمين النواب واقعي، قائلا “لا بدّ من إدماج المعلمين النواب على مراحل وعبر آلية واضحة”.
وفيما بدا محاولة لاحتواء الأزمة المتفاعلة، طرحت وزارة التربية والتعليم جملة من الحلول، من بينها “انتداب دفعة 2022، على موسمين دراسيين وترسيم الأعوان الوقتيين”، لكن هذا الحل رفضه المعلمون المتعاقدون مطالبين بحل جذري وعاجل.
وعبر النواب عن خشيتهم من أن تقبل الجامعة العامة للتعليم الأساسي بهذا المقترح خاصة في ظل اشتراط وزارة التربية على الطرف الاجتماعي الرد بـ”نعم أو لا”، معلنة بوضوح أنها لن تعقد المزيد من جلسات التفاوض.
وقالت لمياء بالحاج المتحدثة باسم تنسيقية النواب في تصريحات لوسائل إعلام محلية أن لا تراجع عن مطالبهم وأنهم يرفضون مقترح وزارة التربية المتعلق بالتعاقد مع دفعة 2022 على سنتين بدل انتدابهم كمعلم متربص وفق ما ينص عليه القانون الأساسي للقطاع.
وشددت بالحاج على أنها وزملاءها “يطالبون بتطبيق القانون لا غير”!
ويرى مراقبون أن إصرار المعلمين النواب على التصعيد في مقابل إيصاد الحكومة الباب أمام أي مقترحات أخرى وتمسكها بالمقترح الذي طرحته، ستكون له ارتدادات خطيرة على الآلاف من التلاميذ الذين لم يستأنفوا بعد الدروس بشكل كلي وجزئي.
وقال عامر الجريدي معلم وكاتب عام المنظمة التونسية للتربية والأسرة، إن “كل فترة لا يتلقى فيها التلميذ المعارف ولا يزاول فيها تعليمه، ستؤدي إلى نقص في التكوين لا يمكن تلافيه، لأن العملية التعليمية موزعة على الزمن، وبالتالي التأثير سيكون سلبيا جدا”.

وأضاف الجريدي لـ”العرب”، “وزارة التربية اجتهدت واقترحت الممكن بالنظر إلى الظروف الصعبة التي تعيشها البلاد وفي ظل المطلبية المرتفعة، ولكن أيضا حق المعلمين النواب مشروع ونسانده، وعلينا أن نجد حلاّ لذلك، كما أن التوظيف رسميا الآن أمر غير ممكن”.
وتابع الجريدي “المطلوب أن نتحلى بالصبر، وأعتبر أن الثلاثية الأولى بيضاء، والمسؤولية مشتركة بين الدولة والمجتمع، كما أن السلطات شبه عاجزة عن حلّ الملف”، لافتا “علينا أن نقرّ بالمسؤولية الجماعية”.
وتواجه توانس أزمة اقتصادية خانقة، وزادت النزعة المطلبية التي تدعمها النقابات التابعة للاتحاد العام التونسي للشغل في تعميق أزمة البلاد.
ويرى متابعون أن البلاد في حاجة إلى حوار اجتماعي وحوار مصارحة، وأن يتحمل الجميع من سلطة سياسية وهياكل مجتمعية، مسؤولياته، بدل سياسة لي الذراع التي تمارس حاليا.
ويشير المتابعون إلى أن نقابة التعليم الأساسي أمام اختبار حقيقي بين إبداء مرونة للتوصل إلى تسوية واقعية لأزمة المعلمين النواب، أو التصعيد الذي لن يفهم في هذه الحالة سوى أن له خلفية سياسية في علاقة بتصعيد اتحاد الشغل ضد الرئيس قيس سعيد.
ويستدرك هؤلاء بالقول إن مطالب المعلمين النواب مشروعة لكن الإشكالية في توقيتها.