الحشرة القرمزية تهدد التين الشوكي في تونس

مزارعون يواجهون خسارة مؤكدة لإنتاج فاكهة الفقراء.
السبت 2024/07/20
مصدر منتجات عديدة

تتوالى خسارة صابات المواسم الفلاحية في تونس بسبب التغييرات المناخية وموجة الجفاف الطويلة وإهمال مقاومة الحشرات الضارة بالأشجار والغراسات، كما وقع لنبات التين الشوكي الذي أصيب بالحشرة القشرية القرمزية بشكل مفاجئ في مناطق متفرقة من البلاد فألحقت أضرارا جسيمة بمحصول فاكهة يحبها التونسيون.

تونس - تنتشر البقع البيضاء على نطاق واسع فوق ألواح نباتات الصبار المغروسة على جانبي الطرق المتربة وسط مزرعة في جبنيانة، في موسم كارثي للمزارعين بسبب الانتشار الكبير للحشرة القرمزية.

وتخلى المزارعون اليائسون في المزرعة الواقعة بمحافظة صفاقس، عن فعل أي شيء بعد عدة محاولات فاشلة للسيطرة على الانتشار السريع للحشرة القرمزية.

وتلعب نباتات الصبار الممتدة على أغلب الطرق العشوائية وسط المزرعة دور الجدار الطبيعي العازل للعواصف الرملية في فصل الصيف والانجرافات المائية في فصل الشتاء.

وعلاوة على ذلك فهي تدر إنتاجا وفيرا من ثمار التين الشوكي سنويا. ولكن في صيف 2024 تسببت الحشرة القرمزية في كارثة حقيقية بعد أن تفشت في نحو 90 في المئة من حقول الصبار في عدة محافظات.

الحشرة القشرية القرمزية من الآفات الخطيرة على التين الشوكي إذ أنها تلحق أضرارا بليغة وتمتص عصارة النبتة

ويقول المزارع عبدالكريم الداهش من المنطقة “جربنا جميع المبيدات. الأمر لم ينجح. تضرر جميع الإنتاج ولم يعد من الممكن تدارك أي شيء”.

وتلقى عبدالكريم ضربة مضاعفة وهو يواجه خطر الخروج بيد فارغة وأخرى لا شيء فيها من الموسم الزراعي إلى جانب تراكم ديون جديدة.

وبعد التراجع الكبير لإنتاج الزيتون في حقله المجاور بسبب الحر وشح الأمطار تحت وطأة التغير المناخي الذي تشهده تونس، أصبح يواجه خسارة مؤكدة لإنتاجه بالكامل للتين الشوكي بسبب الهجوم المفاجئ للحشرة القرمزية.

وقال عبدالكريم بيأس “لا زلت أدفع أقساطا قديمة للبنك والآن ديون جديدة بصدد التراكم. الوضع صعب وأصبح أكثر تعقيدا”.

مخلفات الآفة القرمزية
مخلفات الآفة القرمزية

وفي تعريف وزارة الزراعة تعد الحشرة القشرية القرمزية من “الآفات الخطيرة بالنسبة إلى غراسات التين الشوكي إذ أنها تلحق أضرارا بليغة بهذا النبات لكونها تمتص عصارة النبتة.

وتظهر بعد ذلك على الألواح مناطق مصفرة تميل إلى البياض تتسع شيئا فشيئا لتؤدي في النهاية إلى سقوط اللوح المصاب وموت الجذع في حالة الضرر الكامل بفعل الحشرة.

وتنتشر هذه الآفة بسرعة كبيرة إذ تقوم الريح بحملها من مكان إلى آخر، كما يمكن أن تنتقل هذه الحشرات عبر التصاقها بالآلات الزراعية والشاحنات وصوف الأغنام والأعلاف القادمة من المناطق الموبوءة.

وتشير دارسات إلى التداعيات المضاعفة للتغير المناخي التي تعاني منها تونس، حيث يساهم ارتفاع درجات الحرارة في نموّ الحشرة القرمزية وتكاثرها وبقائها على قيد الحياة لأيام وحتى لشهور.

وقال المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية إن “الدولة التونسية لم تعمل بمبدأ الوقاية رغم تحذيرات الخبراء بخصوص الحشرة القرمزية وظهورها في المغرب سنة 2014”.

وفي تونس يلعب التين الشوكي المعروف باسم “الهندي” دورا مهما، وفق وزارة الزراعة، في مقاومة التصحر والمحافظة على التنوع البيولوجي، كما يستخدم في عدة مجالات كغذاء للإنسان أو كمصدر أعلاف للدواب أو لتصنيع منتوجات علاجية وأخرى تجميلية.

وتنتشر نبتة التين الشوكي على مساحات شاسعة بمحافظات القيروان وسيدي بوزيد والقصرين حيث تدخل في إنتاج الأعلاف وبعض مواد التجميل، وتمثل ركيزة أيضا في اقتصادات ولايات الوسط الغربي.

زراعة لا تكلف الكثير
زراعة لا تكلف الكثير

واجمالا تقدر مساحة مزارع التين الشوكي في تونس بحوالي 600 ألف هكتار تعود ملكيتها إلى قرابة 150 ألف فلاّح، بحسب إحصائية المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية.

ويحتل التراث الوطني للصبار في تونس المرتبة الثانية عالميا من حيث الإنتاج بعد المكسيك، بـ550 ألف طن من الفاكهة سنويا. والمرتبة الرابعة من حيث حجم الصادرات.

ويقول ثائر ياسين، المسؤول الإقليمي لوقاية النبات في مكتب منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة بالشرق الأدنى وشمال أفريقيا، إن الحشرة القرمزية لنبات الصبار هي من أخطر الآفات الغازية التي خلفت في العقد الماضي أثرا من الدمار على سبل العيش والمزارع الريفية.

ووفق إحصاءات المنظمة، أصابت الحشرة في العقد الأخير 100 ألف هكتار من نبات الصبار في البرازيل وتسببت في خسائر قدرها 100 مليون دولار أميركي فضلا عن مشاكل اقتصادية واجتماعية للمجتمعات الريفية.

وتشير المنظمة إلى تفشي الحشرة في أكثر من دولة بمنطقة الشرق الأدنى وشمال أفريقيا، من بينها لبنان في 2012 والأراضي الفلسطينية المحتلة في 2013 والمغرب في 2014 وسوريا في 2018 والأردن في 2008 وتونس في 2021.

فاكهة على قارعة الطريق
فاكهة على قارعة الطريق

وقال ثائر إن الإستراتيجيات الوطنية لمكافحة انتشار الحشرة القرمزية في دول المنطقة لا تزال محدودة ، بسبب تدني وعي المزارعين. كما أن استخدام المكافحة الحيوية والأصناف المقاومة لا يزال في مراحل البحث والتطوير.

وقامت منظمة الأغذية والزراعة بتعبئة مشروع طارئ وميزانية قدرها 500 ألف دولار أميركي لمكافحة بق الصبار الدقيقي في تونس. وفي مسعى لاحتواء هذه الآفة في المناطق الموبوءة، فهي تدعم تطبيق تدابير المكافحة الميكانيكية، وتحديد الأصناف المتحملة وكذلك المكافحة البيولوجية.

وإلى جانب ذلك تدفع المنظمة إلى تعميم استخدام حشرة “الدعسوقة” التي تعد أبرز مفترسات الحشرة القرمزية.

وجرى استخدام “الدعسوقة” في مزارع المغرب التي جلبتها من المكسيك، كسلاح فعال عندما اجتاحت الحشرة القرمزية مزارع الصبار هناك. وتعمل المنظمة على نقل تلك التجربة عبر إطار تعاون بين البلدين، بجلب 100 دعسوقة في مرحلة أولى إلى مزارع الصبار بتونس في منتصف 2024.

وتقول المنظمة إن إدخال هذه الخنافس سيسمح بالمكافحة البيولوجية لهذا العدو الهائل، وهو أمر أساسي لإنقاذ تراث الصبار في تونس.

وقال رئيس الجمعية الوطنية لتنمية التين الشوكي في تونس محمد رشدي البناني إنه “يتعين تكثير أعداد الدعسوقة في مخبر حشرات، للحصول على العدد اللازم للمكافحة البيولوجية لآفة الحشرة القرمزية”.

16