الحروب القادمة على الأنهار في أفريقيا

تجاهل للتفاعل بين تغير المناخ والعنف المجتمعي وتهجير المدنيين القسري.
الاثنين 2023/11/06
الجفاف محرك للاضطرابات السياسية والأمنية

تتسبب المشكلات المناخية في درجات من عدم الاستقرار الداخلي للدول الأفريقية. ويحذر محللون من أن الاضطراب في تأمين الموارد كالماء أو الطاقة أو الغذاء ضمن دولة ما لا يعني سوى شيء واحد، وهو الاضطراب الاجتماعي، ومن ثم السياسي والأمني.

نيروبي - أصبحت جل أحواض الأنهار الرئيسية في أفريقيا بؤرا للصراعات خلال العشرين عاما الماضية. وقد تنخفض المحاصيل الزراعية في القارة بنسبة تصل إلى 50 في المئة في السنوات المقبلة بسبب جفاف مصادر المياه "التقليدية". ويرجع ذلك جزئيا إلى آثار تغير المناخ وتدهور البيئة.

وفي نفس الوقت، يؤثر التدهور البيئي وفقدان التنوع البيولوجي على القارة أكثر من غيرهما، حيث تُسجّل خسارة 4 ملايين هكتار من الغطاء الحرجي سنويا، ويعدّ هذا العدد ضعف المعدل العالمي.

وتقول الباحثة ماينا وارورو في تقرير على خدمة أنتر برس "ذا العامل ساهم جزئيا في هجرة أكثر من 50 مليون شخص من المناطق المتدهورة في أفريقيا جنوب الصحراء إلى شمال أفريقيا وأوروبا بحلول 2020، وفقا للتقرير الذي أعده المركز الهندي للعلوم والبيئة، والذي صدر في نيروبي في الثالث عشر من أكتوبر 2023".

ووجد التقرير أن جميع أحواض المياه الحيوية في القارة تعاني اضطرابات تشمل أسبابها الاستخدام غير المستدام للموارد إلى جانب تغير المناخ، وأصبحت بذلك بؤرا ساخنة للتنافس على المياه.

وتشمل الأحواض بحيرة تشاد، التي تتقاسمها تشاد ونيجيريا والكاميرون والنيجر، ونهر النيل الذي تتقاسمه مصر وأوغندا والسودان وإثيوبيا، وبحيرة فيكتوريا التي تتقاسمها كينيا وأوغندا وتنزانيا، ونهر النيجر الذي تعتمد عليه المجتمعات المحلية في النيجر ومالي ونيجيريا.

◙ المسطحات المائية تضاءلت بنسبة 90 في المئة منذ الستينات بسبب الإفراط في الاستخدام وتأثيرات تغير المناخ

كما تشمل القائمة حوض نهر الكونغو، وهو مورد مشترك تستخدمه الكاميرون وجمهورية أفريقيا الوسطى وجمهورية الكونغو الديمقراطية وغينيا الاستوائية والغابون، وحوض بحيرة ملاوي المشترك بين تنزانيا ومالاوي، وحوض بحيرة توركانا في كينيا وإثيوبيا.

وتبرز الأمثلة أن النزاعات حول حوض بحيرة تشاد اندلعت منذ 1980، وتضاءلت المسطحات المائية بنسبة 90 في المئة منذ الستينات بسبب الإفراط في الاستخدام وتأثيرات تغير المناخ.

وذكر التقرير أن البحيرة دعمت لسنوات عديدة مياه الشرب والري وصيد الأسماك وتربية الماشية والنشاط الاقتصادي لأكثر من 30 مليون شخص، وهي حيوية للمجتمعات الأصلية والرعوية والزراعية في واحدة من أفقر بلدان العالم. وتسبب تغير المناخ في تأجيج أزمات بيئية وإنسانية هائلة في المنطقة.

وأشار إلى أن الجهات الفاعلة الدولية والحكومات الإقليمية تجاهلت منذ فترة طويلة التفاعل بين تغير المناخ والعنف المجتمعي وتهجير المدنيين القسري. وقال التقرير “أصبح الصراع بين الرعاة والمزارعين شائعا مع فقدان سبل العيش وهجرة الأسر التي تعتمد على البحيرة إلى مناطق أخرى بحثا عن المياه".

وخلص إلى أن "النزاعات في حوض الكونغو اندلعت في 1960. ويشهد الحوض أزمات متعددة الأوجه، بما في ذلك النزوح القسري، والصراعات العنيفة، وعدم الاستقرار السياسي، وتأثيرات تغير المناخ".

ويتتبع التقرير أيضا الصراعات في حوض النيجر إلى 1980، ويتهم تغير المناخ بالتسبب في الخلافات حول "الأضرار التي لحقت بالأراضي الزراعية وتقييد الوصول إلى المياه. وبدأت الخلافات حول نهر النيل خلال 2011 بسبب بناء إثيوبيا لسد النهضة الكبير، حيث تخشى مصر أن يؤثر ذلك على تدفق المياه".

لكن الصراعات على موارد بحيرة توركانا حديثة نوعا ما، حيث يعود تاريخها إلى 2016 عندما لوحظ أن 90 في المئة من مياهها تأتي من نهر أومو في إثيوبيا. وساهم ارتفاع درجات الحرارة وانخفاض هطول الأمطار في تراجع البحيرة إلى كينيا. وبدأت قبائل الرعاة الإثيوبية تتتبع المياه من أجل البقاء، مما أشعل صراعا قبليا مع نظيراتها الكينية. وفاقم بناء سد جيلجل جيب الثالث في إثيوبيا الأمور.

◙ نفوق فاق التوقعات
◙ نفوق فاق التوقعات 

ويشير التقرير إلى أن في 2020، من المتوقع أن يتعرض ما بين 75 و250 مليون شخص في القارة “لزيادة الضغط المائي” بسبب تغير المناخ. وحذر من أن الزراعة غير البعلية يمكن أن تنخفض في بعض البلدان بنسبة تصل إلى 50 في المئة بسبب جفاف مصادر المياه التقليدية بما في ذلك البحيرات والأنهار والآبار.

وحدد أن الطريقة التي تدير بها أفريقيا مواردها المائية ستحدد مدى الأمن المائي في العالم. وتشمل طبقات المياه الجوفية في أفريقيا 0.66 مليون كيلومتر مكعب من المياه. وهذا ما يزيد بأكثر من 100 مرة عن موارد المياه العذبة المتجددة السنوية المخزنة في السدود والأنهار.

ويوضح التقرير عن إثيوبيا على سبيل المثال أن البلاد، المعروفة باسم برج المياه في القارة، تواجه تحديات اختفاء البحيرات والأنهار. وتستضيف أفريقيا، وهي ثاني أكبر قارات العالم من حيث المساحة وعدد السكان، ربع الأنواع الحيوانية والنباتية في العالم. ولكن انقراض الأنواع والمعدل العام لفقر التنوع البيولوجي في القارة يعدّان أعلى من بقية القارات.

وسُجّلت 35 في المئة من إجمالي الوفيات الناجمة عن الطقس المتطرف أو المناخ أو الإجهاد المائي في العالم خلال الخمسين سنة الماضية نتيجة لذلك في أفريقيا. وبينما سيتحمل الجنوب العالمي العبء الأقصى للهجرة الداخلية، قد تختلف أسبابها من منطقة إلى أخرى، اعتمادا على القضايا المرتبطة بتغير المناخ مثل ندرة المياه أو ارتفاع منسوب مياه البحر. لكن التقرير يوضح أن ندرة المياه ستكون القوة الدافعة الرئيسية للهجرة الإجمالية.

◙ الجهات الفاعلة الدولية والحكومات الإقليمية تجاهلت منذ فترة طويلة التفاعل بين تغير المناخ والعنف المجتمعي وتهجير المدنيين القسري

ويُذكر هنا مثال الشمبانزي، حيث يشير تقرير حالة البيئة 2023 إلى أن هناك ما بين 1.050 و2.050 مليون فقط من هذا النوع في القارة، ويقتصر وجوده على الغابون وجمهورية الكونغو الديمقراطية والكاميرون، مع اختفاء مجموعات في غامبيا وبوركينا فاسو وبنين وكينيا والتوغو.

ويبعث التقرير على بعض التفاؤل عندما يذكر بعض نماذج الحفاظ الرائدة التي تضعها المجتمعات المحلية في مركز جهود الحفاظ على البيئة في بعض البلدان الأفريقية. وأكد أن العالم سيستفيد إذا عملت أفريقيا على حماية تنوعها البيولوجي. ويشدد التقرير على أن المناطق المحمية في أفريقيا تستطيع القضاء على الفقر وإحلال السلام.

وقالت مديرة كلية العلوم والهندسة سونيتا نارين إن جنوب أفريقيا ستكون الأكثر تأثرا بالظواهر الجوية المتطرفة، مما يجعل بعض المناطق غير صالحة للعيش بسبب الظواهر الجوية، حيث يضطر الناس بالفعل إلى الهجرة داخل بلدانهم أو مناطقهم بحثا عن ظروف معيشية أفضل.

وتطرق التقرير إلى محنة المجتمعات الزراعية الرعوية في شرق أفريقيا التي ارتفعت نسب هجرتها من المناطق القاحلة وشبه القاحلة في أفريقيا إلى المراكز الحضرية وإلى خارج القارة خلال السنوات الأخيرة، ويرجع ذلك جزئيا إلى التدهور البيئي المتسارع.

وجاء فيه "تتحمل القارة مسؤولية جماعية لإدارة البيئة بشكل مستدام بتوفير التوجيه بشأن الموقف الذي يجب أن تتخذه أفريقيا في مؤتمر كوب 28 المقرر في دبي". وحددت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية أن "الحالة المؤقتة للمناخ العالمي 2022" تُظهر أن هطول الأمطار في شرق أفريقيا كان أقل من المتوسط لمدة أربعة مواسم ممطرة متتالية، وهو التسلسل الأطول منذ 40 عاما.

وسجلت المنطقة عجزا متتاليا خلال خمسة مواسم أمطار بحلول نهاية 2022، وكان موسم أمطار 2022، من مارس إلى مايو، هو الأكثر جفافا منذ أكثر من 70 سنة في إثيوبيا وكينيا والصومال، ويرجع ذلك جزئيا إلى تدمير البيئة وتغير المناخ. ويؤكد التقرير بشكل عام أن أزمة المناخ في أفريقيا كانت مشكلة وجودية تواجه الملايين من البشر الذين تحملوا غضب الطبيعة لسنوات.

◙ كارثة لا يستوعبها الناس
◙ كارثة يعانيها الرعاة 

7