الحركة النقابية المصرية: حاضر مأزوم ومستقبل فوضوي

القاهرة – انتهت، الخميس، أول انتخابات عمالية مصرية منذ عام 2006، لكن الأسئلة الكثيرة لم تنته، فمن رتبوا لها فاتهم قياس درجة التداعيات لانتخابات أجريت وفقا لتشريع جديد ينص على ضرورة أن توفق النقابات المستقلة أوضاعها كي يتسنى لأعضائها خوض الانتخابات. فيما أعفيت نقابات اتحاد عمال مصر غير المنتخب (حكومي) من هذا الشرط.
وتحدث كمال أبوعيطة، وزير القوى العاملة السابق، في حوار مع “العرب” عن هذه التطورات وحيثيات الانتخابات وما ينتظر العمل النقابي، مشيرا إلى أن الوضع العمالي في مصر حاليا لا يختلف كثيرا عن الأنظمة السابقة. ورأى أن الفترة الحالية تشهد “إجهاضا وقتلا للتنظيم النقابي عموما، سواء كان حكوميا أم مستقلا، وجاءت البداية مع قانون النقابات الذي أصدرته وزارة القوى العاملة ويرمي إلى سحب حق التنظيم النقابي وتجريده من حقوقه”.
ينص التشريع على أن يكون الحد الأدنى لتشكيل اللجنة النقابية 150 فردا، في حين أن 90 بالمئة من منشآت العمل في مصر يقل بها عدد العمال عن 100 فرد، ومن ثم حرمت هذه المؤسسات من حقها في تشكيل لجان نقابية تمثل مصالح العاملين.
واعتبر أبوعيطة ذلك “موقفا مضادا للتنمية المستقلة الذي يمثل جناحاها الصناعة والزراعة اللتين لا تحظيان بأولوية لدى الحكومات المتعاقبة، التي لم تعد ترى في العملية الإنتاجية إلا من جانب واحد هو رأس المال المحلي الأجنبي من دون الالتفات إلى عناصره الأخرى المتمثلة في الفئات العاملة (العمال والفلاحين) الذين يعتبرون هم قوى العمل”.
وأضاف أن “ما يحدث حاليا كان أحد سمات نظام الرئيس الأسبق حسني مبارك ومن قبله الرئيس أنور السادات، وانتهجه الإخوان المسلمين خلال فترة حكمهم لمدة عام، مع الفارق في سرعة التنفيذ، لكن الإطار العام يجري في اتجاه الاعتماد فقط على الاستثمارات والديون والقروض”.
الفترة الحالية تشهد إجهاضا وقتلا للتنظيم النقابي عموما، وجاءت البداية مع قانون النقابات الذي أصدرته وزارة القوى العاملة ويرمي إلى سحب حق التنظيم النقابي وتجريده من حقوقه
وطغت تخوفات بين القطاعات والقيادات العمالية حيال قانون العمل الخاص الذي يجري العمل على صياغته حاليا، إذ يتوقع أن يكرس مزيدا من إهدار الحقوق.
وأشار القيادي العمالي، إلى أن “كل التشريعات الصادرة تحتوي ضمانات للاستثمار وأصحاب العمل مقابل المزيد من سحب الحقوق والمكتسبات التاريخية التي حصل عليها العمال عقب ثورة 23 يوليو 1952”.
وأوضح لـ”العرب” أن القوانين التي صدرت مؤخرا جاءت ضد مصلحة العامل. وتجاهل قانون الاستثمار حقوق العمال بينما عمد قانون الخدمة المدنية إلى سحق العاملين وعدم منحهم أي ضمانات كتلك التي تميزت بها الوظيفة العمومية تاريخيا، وأعطى صاحب العمل (الحكومة) الحق في السماح لأول مرة في الوظيفة الحكومية بتخفيض تقرير قياس الأداء للتمهيد للفصل من الخدمة والسماح بالمعاش المبكر، بعدما كان الموظفون الحكوميون يتمتعون بدرجات من الأمان الوظيفي أعلى من غيرهم”.
ونوه أبوعيطة إلى أن “النظام الاقتصادي المصري الحالي رأسمالي بالكامل، لكنه لم يستفد من التطور الذي طرأ على الأنظمة الرأسمالية الأصيلة التي اتجهت إلى حماية نفسها عبر إيجاد توازن في المصالح، فطوروا لاحقا في النظريات الرأسمالية، وأعطوا حقوقا اقتصادية واجتماعية للعمال، كي يعوضوا ويواجهوا ظاهرة الاحتكار والاستغلال، لكن من المؤسف أن النظام المصري لم يقدم أي ضمانات أو أي دور اجتماعي للعمال”.
جاءت فكرة النقابة المستقلة للخروج والتعبير عن العمال في وقت كانت التنظيمات النقابية مؤممة لصالح الدولة وتدافع عن الحكومة وصاحب العمل وليس عن العاملين. وخرجت فكرتها على يد أبوعيطة في عام 2008. وهي مؤسسة وفقا للقانون وأودعت أوراقها في وزارة القوى العاملة، وبعضها نشأ منذ عشر سنوات ومنها الضرائب العقارية والمعلمين والبريد والنقل.
وقبل خروج قانون النقابات إلى النور شنّت السلطات حملة لاعتقال القيادات المنتمية إلى النقابات المستقلة، بتهمة إنشاء نقابة رغم كونها رسمية، وجرى احتجاز قيادات من نقابات الضرائب العقارية والعامة والضرائب على المبيعات والكهرباء وغيرها، في محاولة لإخضاع وردع “النقابات المستقلة”.
وجاءت الخطوة الثانية التمهيدية للقانون عبر إكراه العمال على الانضمام إلى الاتحاد العام لعمال مصر، الذي يرأسه جبالي المراغي، وهو غير منتخب، لكن جرى تعيينه بقرار إداري مؤقت، بعد حل الاتحاد العام لنقابات مصر بحكم قضائي، وتعيّن وجود لجنة لإدارة الأعمال.
القاهرة مهددة بالعودة مرة أخرى على القائمة السوداء للمنظمة (تضم الدول الأكثر اعتداء على حقوق العمال) نتيجة انتهاك العمل النقابي
وأشار أبوعيطة إلى أنه تم تشكيل النقابات المستقلة بأعداد تفوق تلك المنتمية إلى اتحاد عمال مصر (المدعوم من الدولة منذ 60 عاما) بأربعة أضعاف العدد، لكن الحكومة أوجدت شرط توفيق الأوضاع الذي التزمنا به، وحين ذهبنا لتقديم الأوراق الرسمية والمستوفاة تعسفوا ورفضوا قبولها بحجة عدم الاستيفاء وهو إدعاء باطل، فاضطررنا لتسليمها عبر محاضر في أقسام الشرطة على مستوى البلاد، وفقا للقانون، ورفضت أيضا، وخلال الترشيح في الانتخابات رفضت اللجان الحكومية أسماء غالبية القيادات النقابية المستقلة.
واعتبر القيادي العمالي المعارض أن ما يحدث يهدف إلى تحطيم النقابات الحكومية أو المستقلة على السواء، وهو بمثابة منع للتنظيم النقابي، وأن أحد أسباب تلك الأزمة هو ضعف الحالة النقابية والطلابية، وهما القوة الدافعة للتنظيمات السياسية في أي مجتمع، ومثلما تم إجهاض الأحزاب جرى تدمير التنظيم النقابي عبر مراحل عدة.
ورأى أبوعيطة أن تجاهل الحكومة لقيمة ودور التنظيمات النقابية خطة لتصفية مؤسسات الدولة الوطنية التي خرج الشعب المصري لاستردادها خلال ثورتي 25 يناير 2011 و30 يونيو 2013، وقوامها الأحزاب والنقابات ومنظمات المجتمع المدني والإعلام والقضاء، والتي جرى الإجهاز عليها.
وكشف مؤشر الديمقراطية (منظمة حقوقية) عن وقوع أكثر من 300 احتجاج عمالي في الفترة ما بين أول 2017 حتى نهاية أبريل 2018، بمتوسط 25 احتجاجا شهريا وتركزت أغلبها على المطالبات بأجور ومستحقات أو متعلقات وحوافز مالية.
وخلال السنوات الماضية توترت العلاقة بين الحكومة المصرية والعمال بعد إحالة العشرات من العمال المتظاهرين إلى المحكمة العسكرية، وعلى رأسهم 27 من عمال الترسانة البحرية بالإسكندرية والذين يحاكمون عسكريا منذ 2016، وتسببت هذه الإجراءات وعدم الاعتراف الحكومي بالنقابات المستقلة في وضع مصر على القائمة السوداء بمنظمة العمل الدولية للدول المنتهكة للحقوق العمالية.
وأكد أبوعيطة أن مستقبل الحركة العمالية في مصر ينتظره المزيد من الفوضى، وأن ضرب النقابات مسألة خطيرة للغاية، معتبرا التنظيمات النقابية في أي دولة أحد العوامل المساعدة على تطوير المنشأة وزيادة معدلات الإنتاج.
وكشف أبوعيطة أن الحركات العمالية في مصر تسودها حالة من الغضب والتذمر، وهناك إضرابات مكتومة يتم التعامل معها أمنيا، ملمحا إلى أن النقابات المستقلة ستتخذ كل الإجراءات القانونية لمواجهة ذلك وثمة دعاوى قضائية مرفوعة ضد الانتخابات الأخيرة تطالب بإلغائها وبطلانها.
وشدد أبوعيطة على أن مصر عضو في منظمة العمل الدولية، إحدى منظمات الأمم المتحدة، ويوجد مقرّ لها في القاهرة، وتتابع عن كثب كل ما يحدث، والقاهرة مهددة بالعودة مرة أخرى على القائمة السوداء للمنظمة (تضم الدول الأكثر اعتداء على حقوق العمال) نتيجة انتهاك العمل النقابي.