الحرب والفقر يرميان أطفال اليمن خارج أسوار المدرسة

يمنيون بعمر الزهور يواجهون مصاعب الحياة والأمية.
الأربعاء 2022/08/24
لا شيء يشجع على الدراسة

المكان الطبيعي للأطفال هو المدرسة، لكن الأطفال في اليمن وجدوا أنفسهم خارج أسوارها بسبب النزاعات المستمرة منذ سنوات وما تخلفه من إحساس بعدم الأمان والفقر، فهم مجبرون على الالتحاق بالأعمال الشاقة للمساعدة في إعالة أسرهم بسبب الغلاء الذي طال الغذاء والأدوات المدرسية.

تعز (اليمن) – يغيب الطفل مدين عوض عن الصف السابع هذا العام كونه مضطرا لأن يعمل في مغسل سيارات للمساعدة في إعالة أسرته الفقيرة، وبعدما لم يعد والده قادرا على تحمّل تكاليف الدراسة في اليمن الذي تمزقه حرب طاحنة منذ سنوات.

ويدفع تردي الأوضاع الاقتصادية الكثير من الأطفال إلى العمل الشاق لمساعدة أسرهم في بلد تتهدده المجاعة بدلا من الانضمام إلى أقرانهم على مقاعد الدراسة مع بدء العام الدراسي الجديد.

ويصف مدين، الذي ارتدى قميصا ممزقا، شعوره بالحزن لتغيبه عن الدراسة، قائلا “أصدقائي يدرسون وأنا لا أدرس. أصبحوا في الصفّ السابع وأنا خرجت من المدرسة لمساعدة والدي والإنفاق على أسرتي”.

وبعد غسيل السيارات، يتوجه مدين لمساعدة والده الذي يعمل في تصليح الأحذية عند ناصية شارع في المدينة.

ولم يكن قرار الوالد عدنان (50 عاما) أمرا سهلا. ويقول إن ما دفعه إلى توجيه أطفاله الثمانية إلى العمل بدلا من التعليم هو العبء المادي وتكاليف المستلزمات المدرسية التي لا يقدر على تحملها.

ويضيف “تخيّل أني أجني من هذا العمل ألفين أو ثلاثة آلاف ريال! (دولاران). ماذا ستكفي؟ لا تكفي لغداء أو عشاء أو إفطار ولا مصاريف المدارس”.

ويتابع “الدراسة بحاجة إلى كتاب ودفتر وقلم بشكل مستمر طوال السنة”، مضيفا “كنت أريد الإنفاق على أولادي وتوفير احتياجات المدرسة والمنزل ولكن لم أستطع. نحن في حالة مزرية وفي وضع لا نحسد عليه”.

ويؤكد الوالد بحسرة “لم أدرس وكنت أتمنى أن يكون أولادي أفضل مني. أنا وأولادي أصبحنا أميين. أنا رجل لا أستطيع القراءة والكتابة، وكنت أرغب أن يصبح ابني أفضل مني، ولكن الآن سيصبح مثلي مُصلح أحذية. هل يعقل أن يكون هذا وضع إنسان؟”.

وتسبّبت الحرب منذ العام 2014 بمقتل مئات آلاف من الأشخاص بشكل مباشر أو بسبب تداعياتها، وفق الأمم المتحدة.

لكن منذ الثاني من أبريل، سمحت الهدنة التي ترعاها الأمم المتحدة بوقف الأعمال العدائية واتّخاذ تدابير تهدف إلى التخفيف من الظروف المعيشية الصعبة للسكان، في مواجهة واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم.

ومع بدء العام الدراسي الجديد، تقول منظمة يونيسيف إن اليمن يواجه “أزمة تعليمية حادة”، مشيرة إلى أن “النزاع والانقطاع المتكرر عن التعليم في جميع أنحاء البلاد وتفتّت نظام التعليم أثّرت بشكل عميق على التعلّم وبشكل عام على التطوّر المعرفي والعاطفي، وعلى الصحة النفسية لـ10.6 مليون طفل في سن الدراسة في اليمن”.

وتقدّر اليونيسف أن هناك “أكثر من مليوني طفل خارج المدارس، بزيادة تقارب نصف مليون منذ بدء النزاع في العام 2015”.

وتشير المنظمة إلى أن “النزوح المتعدد وبُعد المدارس ومخاوف السلامة والأمن بما في ذلك مخاطر المتفجرات، والافتقار إلى المدرّسات، ومرافق المياه والصرف الصحي، عوامل تزيد من أزمة التعليم”.

شقاء مبكر
شقاء مبكر

وبعد مرور أكثر من سبع سنوات على النزاع، واحدة على الأقل من كل أربع مدارس غير صالحة للاستخدام بسبب النزاع.

وبدأ العام الدراسي في محافظة تعز الأسبوع الماضي، وتوجه أكثر من 500 ألف طالب وطالبة إلى مقاعدهم الدراسية في ظروف قاسية.

ويقول مدير مكتب التربية والتعليم بمحافظة تعز عبدالواسع شداد إن الحصار “تسبّب في إعاقة الكثير من الطلاب ووصول المستلزمات الدراسية الرئيسية ومنها الكتاب المدرسي. وصول الكتاب المدرسي من محافظة عدن إلى هنا يكلف ضعف قيمته نتيجة لوعورة الطرق وصعوبة الوصول إلى هذا المكان (تعز)”.

وبالنسبة إلى الطلاب والطالبات، فإنهم يواجهون مخاطر من نوع آخر، من بينها نيران القناصة.

وفي مديرية التعزية، هناك حواجز ترابية لحماية الطلاب من الاستهداف أثناء ذهابهم إلى المدرسة.

وتشكو إشراق يحيى وهي معلمة بمدرسة زيد الموشكي للبنات من أن الهدنة “فاشلة بامتياز” على حد قولها، بسبب استمرار حصار المدينة ونيران القناصة.

النزوح وبُعد المدارس وغياب مرافق المياه والصرف الصحي ومخاوف السلامة والأمن عوامل تزيد من أزمة التعليم
النزوح وبُعد المدارس وغياب مرافق المياه والصرف الصحي ومخاوف السلامة والأمن عوامل تزيد من أزمة التعليم

وتضيف “لا يزال الطلاب يتعرضون للقنص أثناء ذهابهم وعودتهم من المدارس. هناك أكثر من طالبة تعرضن للقنص بعد خروجهن من المدرسة، وهناك طالبات تعرضن للقنص وهن في داخل الحافلة أثناء مجيئهن إلى المدرسة”.

وتخضع المدينة التي تحيط بها الجبال ويسكنها نحو 600 ألف شخص لسيطرة القوات الحكومية، لكن الحوثيين يحاصرونها منذ سنوات، ويقصفونها بشكل متكرر. ولم يتمّ حتى الآن إحراز أي تقدم بشأن فتح الطرق المؤدية إلى تعز رغم إجراء جولات محادثات برعاية الأمم المتحدة.

وتؤدي حواجز الطرق والتحويلات العديدة إلى مضاعفة تكاليف النقل أربع مرات وتعقيد إيصال المساعدات الإنسانية وتحرم العديد من اليمنيين من الوصول إلى الخدمات الأساسية.

وبالنسبة إلى الطالبة ملاك فيصل التي تودع والدتها كل يوم وتخشى ألا تعود كما تقول “التعليم واجب، ونحن نواجه الخطر كل يوم بذهابنا إلى المدرسة. عندما أخرج من البيت، أودع والدتي لأنني لا أضمن أن ألقاها مجددا، لأن القذائف والقناصة الذين يتواجدون جوار البيت لا يرحمون أحداً”.

ويعاني الطلاب في كل المناطق الأخرى سواء كانت تحت سيطرة الحوثيين أو تحت سيطرة القوات الحكومية من مشاكل تسرّب مدرسي ومعايشة للموت والحرب.

18