الحرب في أوكرانيا وانعدام الأمن الغذائي في الشرق الأوسط

انعدام الأمن الغذائي في ظل الحرب الأوكرانية يدفع الحكومات إلى التعجيل بتغيير السياسيات والبحث عن بدائل.
الثلاثاء 2022/04/26
حرب أطول تعني حصصا أقل من الحبوب

واشنطن- تحذر دراسات وتقارير متواترة من أن الحرب الأوكرانية – الروسية تفاقم مخاطر انعدام الأمن الغذائي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إذ يقوض غزو روسيا لأوكرانيا إمدادات الغذاء في المنطقة التي تعتمد الكثير من الدول فيها بشدة على الواردات من البلدين المتحاربين، بصفة خاصة المواد الأساسية مثل القمح.

ويعدّ انعدام الأمن الغذائي بالفعل تحديا كبيرا في المنطقة خلال الفترة الأخيرة كنتيجة لتغير المناخ ونقص المياه وجائحة كوفيد – 19.

وقالت الكاتبة الصحافية الأميركية كالي روبنسون المعنيّة بشؤون الشرق الأوسط في تقرير نشره مجلس العلاقات الخارجية الأميركية، إن بعض الدول في المنطقة أكثر عرضة لانعدام الأمن الغذائي من غيرها. والعديد من الدول كانت تواجه بالفعل ضائقة شديدة عندما بدأت الحرب الروسية – الأوكرانية في عرقلة إمدادات الغذاء في مطلع العام الحالي.

وعلى سبيل المثال، أدت الصراعات في سوريا واليمن والاقتصادات المحاصرة التي تشهدها الدولتان منذ سنوات طويلة إلى أن يكون من الصعب على الكثير من المواطنين حتى القدرة على توفير الغذاء.

كالي روبنسون: سياسة مواجهة أزمة الغذاء ستحدث اضطرابات اجتماعية

من جهة أخرى، ارتفعت أسعار الغذاء في لبنان بأكثر من ألف في المئة على مدار السنوات الثلاث الماضية، في الوقت الذي تحول الموقف السياسي والاقتصادي في البلاد إلى فوضى وانخفضت قيمة العملة مقابل الدولار الأميركي.

وقد دمر انفجار مرفأ بيروت عام 2020 صوامع الحبوب الرئيسية في لبنان، مما قلص بشكل كبير قدرات البلد الخاصة بتخزين مواد الغذاء.

وأضافت روبنسون أن هناك أيضا تونس، حيث عرقلت أحوالها المالية السيئة قدرتها على سداد المطلوب لموردي الغذاء.

وأدى هذا الوضع إلى حدوث نقص في المواد الغذائية أثار حنق المواطنين الغاضبين بالفعل جراء البطالة المرتفعة وعدم الاستقرار السياسي.

وعلاوة على ذلك، عانت إمدادات الغذاء في جميع أنحاء المنطقة بسبب جائحة كورونا. وارتفعت، على سبيل المثال، أسعار القمح بنسبة 80 في المئة منذ أوائل عام 2020.

وفي ما يتعلق بدور الحرب الروسية – الأوكرانية في تفاقم الوضع، قالت روبنسون إنه يُطلق على روسيا وأوكرانيا أنهما سلة خبز العالم؛ حيث إنهما من كبار مصدري محاصيل الحبوب مثل القمح والذرة والشعير.

وفي عام 2020 أرسلت أوكرانيا وروسيا نحو نصف إنتاجهما من القمح إلى الشرق الأوسط ودول شمال أفريقيا، وفقا لمرصد التعقيد الاقتصادي، وهو موقع يعرض بيانات التجارة الدولية.

وتعرقل الحرب الدائرة إمدادات الحبوب والسلع الأخرى التي تحتاج إليها المنطقة بشدة، مثل البذور الزيتية وزيت الطهي والأسمدة. ولن يمكن التصرف في نحو ربع صادرات القمح الروسية والأوكرانية مجتمعة ونصف صادراتهما من الذرة المتوقعة لعام 2021 – 2022.

وتم تدمير الكثير من البنية التحتية في أوكرانيا التي تدعم التجارة بما في ذلك الموانئ وخطوط السكك الحديدية. وحظرت أوكرانيا أيضا صادرات بعض الحبوب لحماية إمداداتها لسكانها.

وإضافة إلى ذلك، فإنه من المحتمل أن تواصل الحرب عرقلة الزراعة حتى إذا انتهى القتال في القريب العاجل؛ حيث تقدر منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو) أن 30 في المئة من مناطق المحاصيل في أوكرانيا لن تتم زراعتها أو حصد محاصيل منها بسبب الحرب.

◙ انعدام الأمن الغذائي يعدّ تحديا كبيرا في المنطقة خلال الفترة الأخيرة كنتيجة لتغير المناخ ونقص المياه وجائحة كوفيد – 19

وبالنسبة إلى المسلمين في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، كان توقيت الحرب مقلقا بصفة خاصة، حيث إنه خلال شهر رمضان، الذي بدأ أوائل الشهر الجاري، تستهلك الأسر بصفة عامة كميات من الغذاء أكثر من المعدل المعتاد.

ويعد الفقراء في المنطقة الأكثر عرضة للخطر، حيث أنهم ينفقون حصصا أكبر من دخلهم على الغذاء وهم من الأرجح من المزارعين، ولذا سيكونون الأكثر تضررا جراء نقص البذور والأسمدة.

وتابعت روبنسون أنه من المتوقع أيضا أن يتحمل أولئك الذين يعتمدون على المساعدات الغذائية الدولية مزيدا من الصعوبات؛ حيث إن روسيا وأوكرانيا موردان رئيسيان للقمح والذرة وزيت عباد الشمس لبرنامج الغذاء العالمي.

ودفعت الأزمة الكثير من الحكومات إلى التعجيل بتغيير السياسيات والبحث عن بدائل. فالمغرب، على سبيل المثال، علق بعض صادرات الغذاء لتعزيز الإمدادات الداخلية.

ولدى مصر احتياطيات من الغذاء تكفي لعدة أشهر، وتلقت تمويلات من الإمارات العربية المتحدة ساعدتها على الحفاظ على الضوابط الخاصة بسعر الخبز، لكنها ترصد أيضا الاستعانة بمنتجين رئيسيين للغذاء مثل الولايات المتحدة وأستراليا والهند كشركاء بدلاء.

ويمكن أن تنتهج تركيا نهجا مماثلا، ولكن دول الخليج العربي يمكنها على نحو أكثر سهولة تأمين موردين جدد.

ووقعت إيران اتفاقا مع روسيا لضمان الواردات. ويقول خبراء إن دولا تعاني من انعدام الاستقرار الشديد، مثل لبنان وليبيا وسوريا واليمن، سوف تعاني في التعامل مع هذا الوضع على نحو فعال.

ويقول محللون إن الحكومات سوف تحاول تجنب رفع أسعار الخبز بصفة خاصة، في حين ترجح روبنسون أن تندلع اضطرابات مرتبطة بالغذاء في دول يشعر فيها المواطنون بالفعل بالإحباط من سياسات الحكومة.

وسبق أن حذر مراقبون من أن صعوبة الحصول على إمدادات القمح خلال الأشهر القادمة بسبب الحرب في أوكرانيا قد تؤثر بشكل كبير على دول عربية كثيرة، وأن ذلك قد يقود إلى احتجاجات شبيهة بثورات الخبز.

ومن المرجح أيضا أن يؤدي الارتفاع المفاجئ في أسعار الغذاء إلى اضطرابات اجتماعية مثلما حدث في العام 2011، حين ارتبطت اضطراباتٌ في أكثر من 40 دولة بارتفاع أسعار الغذاء العالمية. لكن لم تندلع أي احتجاجات كبيرة في المنطقة حتى الآن.

7