الحرب في أوكرانيا تطيل شهر الصيام في الوطن العربي

رحلة البحث عن القوت والحاجيات الغذائية في ظل ارتفاع الأسعار متواصلة.
الخميس 2022/03/31
رمضان بلا رائحة

يواجه المسلمون في أنحاء الدول العربي من المحيط إلى الخليج أزمة في الحاجيات الأساسية قبل شهر رمضان الذي سبقته موجة ارتفاع في الأسعار ما يجعل أيام الصيام طويلة عليهم أمام مائدة فقيرة من أطعمة ضرورية اعتادوا عليها في وجباتهم.

بيروت - مع اقتراب شهر رمضان، تجد عائلات كثيرة نفسها عاجزة عن توفير كلفة موائد الإفطار التي اعتادوا على أن تكون غنية بأطباقها، بعدما فاقمت الحرب الروسية - الأوكرانية أزمات الغذاء الموجودة أساساً في العديد من الدول في المنطقة العربية وغيرها ورفع أسعار منتجات وسلع رئيسية.

فمن تونس وحتى الصومال يكافح السكان في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من أجل تأمين قوتهم اليومي والحدّ الأدنى من احتياجاتهم الأساسية على وقع أزمات اقتصادية أو نزاعات تلقي بثقلها على يومياتهم. وزاد ارتفاع أسعار المواد الغذائية والوقود في الأسابيع الأخيرة الوضع سوءاً مع اقتراب شهر رمضان.

وتقول صباح فطوم (45 عاما)، الفلسطينية المقيمة في تل الهوى في غرب قطاع غزة، “يؤثر غلاء الأسعار على الناس ويُفسد أجواء رمضان”. وتسأل “كيف سيعدّ الصائمون مائدة رمضان؟ فالطحين والخبز ارتفع ثمنهما، وكلفة زيت الطهي والسكر والحلويات مرتفعة”.

وارتفعت الأسعار، وفق السلطات في القطاع، بنسبة تصل حتى 11 في المئة، ما جعل السكان يشعرون “بحالة من الإحباط” قبيل رمضان، على ما يقول ماجد جرادة مدير الجمعية الزراعية للحوم والدواجن في قطاع غزة.

وتوفّر روسيا وأوكرانيا نحو 30 في المئة من صادرات القمح عالميا. وبعد الغزو، ارتفعت أسعار الحبوب وزيوت دوّار الشمس والذّرة، وأوكرانيا هي المصدّرة الأولى للحبوب، والرابعة للزيوت عالميا. كما ارتفعت أسعار النفط والغاز بشكل حاد وبلغت مستويات لم تعهدها منذ أعوام، نظراً إلى دور روسيا الوازن في مجال الطاقة.

وحذّرت منظمات دولية من تداعيات الحرب على صعيد نظام الغذاء العالمي والجوع. ودقّ صندوق النقد الدولي ناقوس الخطر، مشدداً على أنّ النزاع في أوكرانيا سيعني “مجاعة في أفريقيا”.

وتبدو تداعيات ذلك واضحة في دول تشهد نزاعات على رأسها اليمن، البلد العربي الأكثر فقراً والذي أسفرت حرب تمزّقه منذ العام 2014 عن واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم.

الحاجة إلى الرغيف تنسف شهوات رمضان
الحاجة إلى الرغيف تنسف شهوات رمضان 

وتنتج أوكرانيا نحو ثلث إمدادات القمح إلى اليمن، ما يثير خشية من اتساع هوة الجوع في بلد ارتفعت فيه أسعار المواد الغذائية أكثر من الضعف منذ العام الماضي، وفق الأمم المتحدة، وبات السكان، بطريقة أو بأخرى، غير قادرين على إعالة أنفسهم.

ويقول محسن صالح (43 عاماً) المقيم في صنعاء، إن السكان اعتادوا ارتفاع الأسعار قبل رمضان، “لكن هذه السنة ارتفعت بشكل جنوني والناس لم يعودوا قادرين على التحمّل”. ويضيف “هناك وضع اقتصادي صعب جداً. معظم الناس في اليمن فقراء لا يجدون قوت يومهم”.

في سوريا، لا يبدو الوضع أفضل بينما يعاني قرابة ستين في المئة من السكان من انعدام الأمن الغذائي. وباتت بعض المواد التموينية شبه مفقودة لاسيما زيت الطهي الذي تضاعف ثمنه. وتعمل الحكومة السورية التي تعتمد على حليفتها روسيا في توفير القمح، على تقنين توزيع سلع محددة خصوصاً الطحين والسكر وسط خشية من شحّهما.

منظمات دولية تحذر من تداعيات الحرب بين روسيا وأوكرانيا على الإمدادات الغذائية خاصة في الدول الفقيرة

وتقول ربّة المنزل باسمة شباني (62 عاماً) من دمشق، “اعتقدتُ أن مائدتنا الرمضانية في السنة الماضية ستكون الأفقر على الإطلاق، لكن يبدو أن هذه السنة سوف نشطب أصنافا إضافية من مائدتنا اليومية”. وتتابع “ليس باستطاعتنا توفير أكثر من وجبة واحدة في اليوم، وأخشى أن نعجز في المستقبل عن تأمين حتى تلك الوجبة الواحدة”.

في تونس، وعلى غرار عادتها كل عام، استبقت الجمعيات الخيرية شهر رمضان ببدء جمع التبرّعات للعائلات الفقيرة، عبر نشر متطوّعين أمام المحال التجارية مع قوائم بالمواد الغذائية الأساسية المطلوبة.

لكنّ وتيرة جمع التبرعات مختلفة هذا العام، على وقع تدهور الوضع الاقتصادي وانخفاض القدرة الشرائية وتسجيل نقص في العديد من المواد الغذائية الأساسية كالأرز والسكر والدقيق خلال الأسابيع الأخيرة.

ويقول محمّد مالك (20 عاماً)، وهو طالب يتطوع منذ سنوات لجمع المساعدات، “عادة تمتلئ عربة التسوّق بعد ساعة، لكن الحال مختلف هذا العام”، مشيرا إلى أن بعض الأشخاص “يقولون لنا: دعونا نجد ما نحتاجه أولاً”.

وفي لبنان، اعتادت المنظمات الخيرية تكثيف مساعداتها للمحتاجين خلال شهر رمضان، لكن الأزمة الاقتصادية التي تغرق بها البلاد قلبت الوضع رأساً على عقب، خصوصاً بعدما بات 80 في المئة من السكان تحت خط الفقر.

وبينما يصعب العثور على الدقيق في المحال التجارية وتندر أصناف زيت الطهي المتوفرة، تسجل أسعار الخضار ارتفاعاً غير مسبوق بات معه إعداد الفتوش، وهو سلطة أساسية على مائدة رمضان، ترفاً لا يقوى الكثير من العائلات على تحمّله.

وجبة فقيرة
وجبة فقيرة

ويرى مدير منظمة “كاير أنترناشونال” بوجار خوجة أن “التضامن المتين” المعتاد خلال رمضان “قيد الاختبار” هذا العام. ويوضح أن “التضخّم المفرط وارتفاع أسعار المواد الغذائية سيجعلان شهر رمضان الذي تنتظره عائلات كثيرة بمثابة تحدّ”، إذ “سيكافح الكثيرون من أجل إحضار وجبات الإفطار إلى المائدة”.

وفي مصر، وللمرة الأولى منذ توليه السلطة، أمر الرئيس عبدالفتاح السيسي الحكومة بتسعير الخبز غير المدعوم، بعدما ارتفع ثمنه بأكثر من 50 في المئة منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا. وفقدت العملة المحلية 17 في المئة من قيمتها خلال الشهر الحالي، علماً أن مصر تُعدّ مستورداً رئيسياً للقمح من دول الاتحاد السوفياتي السابق.

وتقول أم بدرية وهي بائعة خضار متجولة في غرب القاهرة "من اعتاد شراء ثلاثة كيلوغرامات من الخضار، بات يشتري كيلوغراما واحدا".

أما في الصومال التي تشهد أسوأ موجة جفاف منذ أربعين عاماً، مع استجابة دولية خجولة للاحتياجات بسبب أزمات أخرى آخرها الحرب في أوكرانيا، يبدو المشهد الرمضاني قاتماً. ويتسبّب ارتفاع الأسعار بانخفاض القدرة الشرائية للسكان البالغ عددهم 15 مليوناً. وتقول عدلا نور المقيمة في مقديشو  “سيكون رمضان مختلفاً للغاية”.

حتى في المملكة العربية السعودية، الدولة النفطية الغنية، يشعر بعض السكان بالضيق جراء ارتفاع أسعار المواد الغذائية. ويقول أحمد الأسد (38 عاما)، وهو موظف في القطاع الخاص، "ارتفعت أسعار كل السلع مؤخرا. ففي كل مرة أدفع عشرين أو ثلاثين ريالا إضافية على السلعة ذاتها".

18