الحرب الباردة مستمرة بين السعودية والولايات المتحدة: أوبك+ تهمل بيانات وكالة الطاقة

يعكس قرار اتخذته مجموعة أوبك+ وينهي استخدام بيانات وكالة الطاقة الدولية استمرار الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والسعودية التي دعمت الخطوة، وذلك في وقت ترفض فيه الدول الأعضاء للمجموعة الانصياع للضغوط الغربية من أجل زيادة الإنتاج لتعويض الإمدادات الروسية.
الرياض- يبعث قرار لمجموعة أوبك+ مدعوم من السعودية لإهمال بيانات وكالة الطاقة الدولية برسائل مفادها أن الحرب الباردة التي انطلقت بسبب عدة ملفات بين الرياض وواشنطن مستمرة.
وقالت مصادر مطلعة إنه تم اتخاذ قرار مدعوم من السعودية بأن تتوقف المجموعة عن استخدام بيانات وكالة الطاقة الدولية، وهي الهيئة الغربية لمراقبة قطاع الطاقة، يعكس المخاوف من التأثير الأميركي على البيانات، مما يزيد التوتر بين الرياض وواشنطن.
وتتجاهل مجموعة أوبك+، التي تضم منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) بالإضافة إلى روسيا ومنتجين آخرين، حتى الآن الدعوات الغربية لزيادة الإنتاج في محاولة لخفض الأسعار البالغة حاليا حوالي مئة دولار للبرميل.
وهذه مسألة حساسة إذ أن غلاء أسعار الطاقة، الذي يرجع جزئيا إلى حرب روسيا مع أوكرانيا، قد أجج التضخم في حين يواجه الرئيس الأميركي جو بايدن ضغوطا لخفض أسعار البنزين في الولايات المتحدة قبيل انتخابات التجديد النصفي المقررة في نوفمبر المقبل.
وتبدد أي استعداد من جانب الرياض وحلفائها لمساعدة الولايات المتحدة، إذ لم تعالج واشنطن مخاوف دول الخليج بشأن إيران في المحادثات النووية في جنيف الرامية لإحياء الاتفاق الموقع مع طهران في 2015، كما أنهت دعمها للعمليات العسكرية التي تقودها السعودية في اليمن ضد المتمردين الحوثيين. كما فرضت الولايات المتحدة شروطا على مبيعات السلاح الأميركي لمنطقة الخليج.
وإضافة إلى ذلك، لم يُجر بايدن بعد محادثات بشكل مباشر مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الحاكم الفعلي للمملكة. ورفض متحدث باسم البيت الأبيض التعليق على هذا التطور.
وفي ضوء ذلك، انتهت المناقشات الفنية لمجموعة أوبك+ التي استمرت ست ساعات في مارس باتخاذ قرار بالإجماع بإسقاط بيانات وكالة الطاقة الدولية عند تقييم حالة سوق النفط.
وقالت المصادر إن السعودية وروسيا شاركتا في رئاسة الاجتماع الذي حضره ممثلون عن الجزائر والعراق وكازاخستان والكويت ونيجيريا والإمارات وفنزويلا.
والقرار رمزي بدرجة كبيرة إذ أن أوبك+ يمكنها دائما اختيار البيانات التي تستخدمها من ستة مصادر من خارج أوبك عند تكوين وجهة نظرها بشأن موازنة العرض والطلب في سوق النفط.
وقالت ستة مصادر إن إسقاط أوبك+ لهذه البيانات بشكل رسمي يشير إلى تنامي الاستياء مما تعتبره المجموعة انحياز وكالة الطاقة الدولية للولايات المتحدة، أكبر عضو فيها.
وأشارت المصادر، على وجه الخصوص، إلى تعديل الوكالة بالزيادة لمستوى الطلب التاريخي في فبراير وتقديرها لكمية النفط الروسي الذي ستخرجه العقوبات من السوق والتي تراها المجموعة مبالغا فيها.
وقال مصدر مشارك بشكل مباشر في القرار لوكالة رويترز الأربعاء إن “وكالة الطاقة الدولية تعاني من مشكلة عدم الاستقلالية، وهو ما يُترجم إلى مشكلة فنية تتعلق بالتقييم”. ولم ترد وزارتا الطاقة في السعودية والإمارات على طلب للتعليق.
ووصل أحد المصادر إلى حد وصف الوضع بأنه “حرب باردة” وألقى اللوم على وكالة الطاقة الدولية في إشعالها. وقالت وكالة الطاقة الدولية إن تحليل بياناتها محايد سياسيا.
ولدت من رحم أزمة
ذكرت في رد على أسئلة بالبريد الإلكتروني “تجاهد وكالة الطاقة الدولية لتقديم وجهة نظر غير منحازة ومستقلة لأساسيات سوق النفط، والاعتبارات السياسية لم تكن قط عاملا مؤثرا على كيفية تقييم الوكالة لتوقعات السوق”. وأضافت أن “تقرير سوق النفط يشمل بيانات العرض والطلب والمخزونات من مصادر رسمية، مدعومة بتقديرات عندما لا تتوافر البيانات”.
وتأسست وكالة الطاقة الدولية عام 1974 لمساعدة الدول الصناعية على التعامل مع أزمة النفط بعد أن قلص الحظر العربي للنفط الإمدادات ودفع أسعار النفط للارتفاع.
وتقدم الوكالة، التي تضم 31 دولة صناعية في عضويتها، المشورة للحكومات الغربية بشأن سياسة الطاقة، والولايات المتحدة أكبر ممول لها. وشهدت الوكالة تحولات في أسواق النفط منذ تأسيسها، كما مرت علاقاتها بأوبك بأوقات صعود وهبوط.
وحتى قبل تصاعد التوترات هذا العام حدثت نقطة تحول بالنسبة إلى السعودية وحليفتها الإمارات عندما أصدرت الوكالة تقريرها قبل محادثات الأمم المتحدة بشأن المناخ في جلاسجو في أواخر العام الماضي.
وقالت الوكالة في تقريرها إنه إذا كان العالم جادا بشأن الوصول إلى صافي انبعاثات صفري بحلول عام 2050، فيتعين عدم توجيه أي استثمارات جديدة لمشروعات النفط والغاز.
وذكرت المصادر أن ذلك فاقم مخاوف مجموعة أوبك+ من أن تكون الوكالة تتجاهل حجم الطلب في الأجل المتوسط، وعارضت المجموعة مطالبة الوكالة بضخ المزيد من النفط من أجل خفض الأسعار بما يلائم الغرب، في وقت اعتبرت فيه أن السوق تتمتع بإمدادات مناسبة.
وإضافة إلى تعليقات المصادر انتقد البعض من داخل أوبك ذلك صراحة. فقد طلب سهيل المزروعي وزير الطاقة الإماراتي في مؤتمر عن القطاع في مارس من وكالة الطاقة الدولية أن تكون “أكثر واقعية” وألا تصدر معلومات مضللة.
تعديل التقدير الأساسي
فاجأت وكالة الطاقة الدولية سوق النفط في فبراير عندما عدلت بالرفع تقديرها الأساسي للطلب العالمي بنحو 800 ألف برميل يوميا، أي أقل بقليل من واحد في المئة من سوق النفط العالمية البالغة حوالي 100 مليون برميل يوميا.
وقال محللون إن المراجعة، التي أعقبت إعادة تقييم بالزيادة للطلب على البتروكيمياويات في الصين والسعودية حتى 2007، تؤدي إلى رؤية مفادها أن توازن سوق النفط أكثر دقة مما كان يعتقد سابقا، وهو ما يعزز الدعوى بأن أوبك يجب أن تحاول زيادة الإنتاج بسرعة أكبر. وقال أحد المصادر إن السعودية اختلفت مع إعادة التقييم.
وذكرت وكالة الطاقة الدولية أن الاضطرابات الناجمة عن الجائحة جعلت من الصعب الحصول على أرقام دقيقة وأنها نشرت البيانات المعدلة بمجرد توفر المعلومات.
وأضافت الوكالة “لاحظت وكالة الطاقة الدولية لبعض الوقت عدم توافق متزايد في التغييرات الملحوظة والضمنية في المخزونات، كما أن تعديل تقديراتنا التاريخية للطلب على النفط المدرجة في تقرير فبراير قطع شوطا جيدا في سد تلك الفجوة”.
◙ إسقاط أوبك+ لهذه البيانات يشير إلى تنامي الاستياء مما تعتبره المجموعة انحياز وكالة الطاقة للولايات المتحدة
وقالت المصادر إن توقعات وكالة الطاقة الدولية بشأن تأثير العقوبات على الإنتاج الروسي أثارت انتقادات من داخل أوبك باعتبارها تهدف إلى الضغط من أجل زيادة إنتاج المنظمة.
وأشارت وكالة الطاقة الدولية إلى أن إنتاج النفط الروسي قد ينخفض بواقع ثلاثة ملايين برميل يوميا اعتبارا من أبريل، بينما قالت شركات تجارية مثل فيتول وترافيجورا إن صادرات النفط الروسية قد تنخفض بواقع 2 – 3 مليون برميل يوميا. ووفقا لتقديرات محللين وبيانات روسية، فقد انخفض إنتاج النفط الروسي بأقل من مليون برميل يوميا في أوائل أبريل.
وقالت وكالة الطاقة الدولية “استندنا في تقييمنا الأولي للصادرات إلى تصريحات من عدد من الشركات التي أعلنت بالفعل أنها ستخفض أو تقلل مشترياتها من النفط الروسي، لكننا لاحظنا زيادة الاهتمام بالنفط ذي الأسعار المخفضة وهو ما يمكن أن يعوض ذلك”. وأوضحت “كما أشرنا، نظرا للظروف المتغيرة بسرعة، فإن التقدير قيد المراجعة المستمرة وسيتم تعديله حسب الضرورة”.
وقاومت أوبك+ حتى الآن دعوات من الولايات المتحدة ووكالة الطاقة الدولية لضخ المزيد من النفط لتهدئة أسعار الخام التي ارتفعت إلى أعلى مستوياتها في 14 عاما بعد العقوبات الغربية على موسكو في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا في الرابع والعشرين من فبراير، والذي تصفه روسيا بأنه “عملية عسكرية خاصة”.
وقالت السعودية والإمارات، اللتان تمتلكان الجزء الأكبر من الطاقة الفائضة داخل أوبك، إن أوبك+ يجب أن تظل بعيدة عن السياسة، وفي اجتماع شهري في نهاية مارس اتفقت المجموعة على الالتزام بزيادة شهرية متواضعة كانت مخططة مسبقا.
ويرى بايدن وحلفاؤه أن هناك حاجة إلى المزيد من الإمدادات لخفض الأسعار. وأعلنت الولايات المتحدة أنها ستفرج عما يصل إلى 180 مليون برميل من النفط من احتياطياتها البترولية الاستراتيجية.
وقالت وكالة الطاقة الدولية الأسبوع الماضي إنها تعتزم الإفراج عن 120 مليون برميل من النفط على مدى ستة أشهر.

◙ توقعات وكالة الطاقة الدولية بشأن تأثير العقوبات على الإنتاج الروسي أثارت انتقادات من داخل أوبك