الحرب الباردة بين بكين وواشنطن تستعر عند غرب المحيط الهادئ

وزير الدفاع الأميركي بالوكالة لجنرالات البنتاغون: تذكروا الصين ثم الصين ثم الصين.
الأربعاء 2019/01/09
مواجهات حاسمة

واشنطن- في يونيو 2005، نشرت مجلة “ذا اتلنتيك” الأميركية مقالا بعنوان “كيف سنقاتل الصين في المستقبل؟”. جاء في هذا المقال أن “التنافس العسكري الأميركي مع الصين سيحدد القرن الحادي والعشرين”. اليوم، يبدو أن ذلك المستقبل الذي تحدثت عنه المجلة الأميركية أصبح حاضرا، ويتجلى في الحرب الباردة الجديدة التي تدق طبولها الصين والولايات المتحدة.

ويعتبر الكثير من الخبراء والمحللين الاستراتيجيين أن سياسات الرئيس الأميركي دونالد ترامب، من الحرب التجارية إلى إعلان الانسحاب من سوريا وأفغانستان، وصولا إلى الخلاف مع الأوروبيين ودعوة الحلفاء إلى الدفاع عن أنفسهم وإعلان نهاية دور الولايات المتحدة كشرطي للعالم، تصب في صالح التركيز على الحرب القادمة مع الصين.

كما يرى البعض من الخبراء أن انتخاب ترامب لم يكن اعتباطيا، وإن كان مفاجئا، حيث تحتاج هذه الفترة الانتقالية التاريخية إلى شخص شعبوي ومتقلب ولا يعترف بالبروتوكولات الدبلوماسية في خطاباته وتصريحاته. ويلتقي ترامب في هذه النقطة مع سلفه باراك أوباما، الذي صاغ استراتيجية الانسحاب من المناطق التقليدية مثل الشرق الأوسط معلنا توجيه الدفة نحو آسيا.

وجاء مؤخرا القائم بأعمال وزير الدفاع الأميركي، باتريك شاناهان، ليؤكد أنه يعتبر الصين أولوية رئيسية. وجاء تصريح المسؤول السابق في شركة البوينغ، المرشح ليحل محل وزير الدفاع المستقيل جايمس ماتيس، في أول خطاب له على رأس البنتاغون، إثر تسلمه مهامه كقائم بأعمال وزير الدفاع.

وطلب شاناهان، الذي تولى مهام الوزارة في الأول من يناير 2019، من كبار موظفي وزارة الدفاع التركيز على استراتيجية الدفاع القومي، التي تركز على مرحلة جديدة من «المنافسة مع القوى العظمى» ضد الصين ثم روسيا. وقال مسؤول في وزارة الدفاع «فيما ينصبّ تركيزنا على العمليات المستمرة، أبلغ الوزير بالوكالة شاناهان (أعضاء) الفريق بأن يتذكروا الصين ثم الصين ثم الصين».

روبرت كابلان: الصين هي التهديد الذي يضعه الجيش الأميركي في الصدارة
روبرت كابلان: الصين هي التهديد الذي يضعه الجيش الأميركي في الصدارة

وكتب روبرت كابلان في مجلة “فورين بوليسي” الأميركية مشيرا إلى أن ما يجري اليوم بين واشنطن وبكين ليس أقل من حرب باردة جديدة، فاختراق الكمبيوتر الصيني المستمر لسجلات صيانة السفن الحربية الأميركية وسجلات أفراد البنتاغون وما إلى ذلك يؤجج لهيب الحرب، متوقعا أن تستمر هذه الحالة لعقود وستزداد سوءا، بغض النظر عن نوعيّة الصفقة التي سيتم التوصل إليها بين الرؤساء الصينيين والأميركيين. ورغم أن الحرب الباردة الجديدة قائمة بسبب مجموعة من العوامل التي يصنعها الجنرالات والاستراتيجيون، إلا أن رجال الأعمال والمجتمع المالي لا يزالون يفضلون إنكار الأوضاع الحالية. ولأن العلاقة بين الصين والولايات المتحدة هي الأكثر أهمية في العالم، فإن الحرب الباردة بين الاثنتين أصبحت المبدأ المنظم للسياسات الاستراتيجية.

تشتد الحرب عند غرب المحيط الهادئ (جنوب وشرق الصين)، حيث الصينيون ملتزمون بإبقاء القوات البحرية والجوية الأميركية بعيدا عن هذه المنطقة، في حين أن الجيش الأميركي عازم على البقاء.

ويرى الصينيون بحر الصين الجنوبي بالطريقة نفسها التي رأى بها الاستراتيجيون الأميركيون منطقة البحر الكاريبي في القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين: وهو الامتداد الرئيسي للمياه الزرقاء من كتلة أراضيهم القارية، التي تمكنهم من السيطرة على أسطولهم البحري نحو المحيط الأوسع الهندي، فضلا عن محاصرة تايوان.

وتشبه هذه الطريقة الطريقة التي مكنت الولايات المتحدة من السيطرة الاستراتيجية على نصف الكرة الغربي، وبالتالي التأثير على توازن القوى في النصف الشرقي من الكرة الأرضية في حربين عالميتين وحرب باردة. وبالنسبة للولايات المتحدة، بدأت جميع القوى العالمية بمنطقة البحر الكاريبي، وبالنسبة للصين، بدأ الأمر كله ببحر الصين الجنوبي.

لكن الأميركيين لن يتزحزحوا عن منطقة غرب المحيط الهادئ، حيث تعتبر المؤسسة الدفاعية الأميركية، الرسمية والمدنية، الولايات المتحدة قوة في المحيط الهادئ. فقد فتح العميد ماثيو بيري الطريق نحو التجارة مع اليابان سنة 1853، واحتلت أميركا الفلبين ابتداءً من سنة 1899، وأرسلت القوى البحرية إلى المحيط الهادئ في الحرب العالمية الثانية، وهزمت ثم أعادت بناء اليابان في أعقاب الحرب العالمية الثانية، والحروب الكورية والفيتنامية. والأهم من ذلك، نذكر تحالفات واشنطن الحالية التي تمتد من اليابان إلى أستراليا. إن هذا الالتزام تاريخي.

ومن ناحيتها، فإن وزارة الدفاع الأميركية أصبحت أكثر نشاطا بعد تهديد الصين مما كانت عليه في حربها الباردة ضد الاتحاد السوفييتي. إنها تعتبر الصين، بقدرتها الفائقة كقوة تكنولوجية صاعدة، غير معنية بالرقابة البيروقراطية الأميركية وأنظمة المعركة الرقمية.

ولأن التوترات الاقتصادية مع الصين لن تقل بشكل ملحوظ، فإنها لن تؤدي إلا إلى تأجيج المناخ العسكري. مثلا عندما تقطع سفينة صينية طريقها أمام مدمرة حربية أميركية، أو عندما ترفض دخول سفينة هجوم أميركية إلى هونغ كونغ، مثلما حدث في الخريف الماضي، فإن ذلك يزيد في شحن المناخ التجاري بين البلدين.

ويشدد كابلان قائلا إن “مع تضاؤل ​​النظام العالمي الليبرالي، بدأ عصر تاريخي من التنافس الجيوسياسي، والتوترات التجارية هي مجرد أعراض لمثل هذا التنافس. من أجل فهم ما يجري، علينا أن نتوقف عن الفصل بين التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين والتوترات العسكرية بينهما”.

أصبحت الفجوة الفلسفية بين النظامين الأميركي والصيني كبيرة مثل الفجوة بين الديمقراطية الأميركية والشيوعية السوفييتية.

ويتضاعف الخطر في ظل تطور التكنولوجيا الذي يشجع هذا النزاع بدلا من تخفيفه؛ حيث يمكن للصين أن تتدخل في الشبكات التجارية والعسكرية الأميركية. كما يمكن للولايات المتحدة التطفل على الصين.

ويخلص كابلان في دراسته بأن المحيط الهادئ العظيم لم يعد الحاجز الذي كان يفصل البلدين في يوم من الأيام. وقد كان النجاح الذي حققته عقود من التنمية الاقتصادية الرأسمالية في جميع أنحاء المحيط الهادئ هو الذي حقق الثروة اللازمة للانخراط في سباق تسلح عسكري راسخ. والازدهار الاقتصادي هو الذي مهد الطريق نحو هذه الحرب الباردة الجديدة.

6