الحرارة والفيضانات تهددان المعالم التاريخية في أفريقيا

قرطاج وصبراتة وقمم كليمنجارو تواجه نقص التمويل وندرة الخبرة الأثرية.
الخميس 2022/11/10
جزيرة شاهدة على تاريخ العبودية

تتباهى الحضارات الإنسانية بما أنجزته شعوبها عبر التاريخ، لكن هذه المعالم أصبحت مهددة بفعل التغيرات المناخية كالفيضانات والحرارة، وإذا كانت الدول الغنية لها القدرة على توفير الموارد المالية والخبرة في معالجة الآثار بما يسمح لها بإنقاذ مواقعها التراثية، ففي المقابل تعاني دول القارة الأفريقية من قلة الدعم المالي وغياب المختصين، ما يهدد ما تبقى من صروح تاريخية في المستقبل.

نيروبي - تمتلك أفريقيا ثروة من مواقع التراث الثقافي والطبيعي الشهيرة، من قمة جبل كليمنجارو المغطاة بالثلوج إلى أطلال مدينة قرطاج التونسية التاريخية وجزيرة غوريه في السنغال.

لكن تأثيرات تغير المناخ، من درجات الحرارة المرتفعة إلى تعدد الفيضانات، تهدد الآن بمحوها وغيرها من العشرات من المعالم الأفريقية وتركها تقتصر على كتب التاريخ.

قال دعاة حماية البيئة والباحثون إن الدول الغنية تتدافع لحماية معالمها الثقافية من الطقس القاسي وارتفاع منسوب البحار بينما تواجه الدول الأفريقية عقبات إضافية مثل نقص التمويل وندرة الخبرة الأثرية.

قال نيك سيمبسون، باحث مشارك في مبادرة المناخ والتنمية الأفريقية في جامعة كيب تاون إن “هذه المواقع هي أماكن تعلمنا عنها في المدرسة. إنها هويتنا وتاريخنا ولا يمكن الاستغناء عنها. إذا خسرناها، فلن نستعيدها أبدا".

وأضاف "عانت أفريقيا بالفعل من خسائر وأضرار واسعة النطاق تُعزى إلى تغير المناخ بفعل الإنسان: فقدان التنوع البيولوجي، ونقص المياه، وخسائر في الغذاء، وخسائر في الأرواح، وتراجع في النمو الاقتصادي. ولا يمكننا تحمل خسارة تراثنا أيضا".

وتأثرت بعض المعالم التاريخية بالفعل، فبالنسبة إلى زوار حصون العبيد الاستعمارية التاريخية المنتشرة على طول ساحل غرب أفريقيا، من الطقوس المهمة المرور عبر “باب اللاعودة” وهو مدخل عمره قرون يؤدي مباشرة من القلعة إلى الشاطئ.

المناخ وفعل الإنسان

الهجرة القسرية للأفارقة ظاهرة قديمة
الهجرة القسرية للأفارقة ظاهرة قديمة 

تشيد هذه العادة بملايين الأفارقة الذين نُقلوا بالقوة من وطنهم خلال تجارة الرقيق عبر المحيط الأطلسي، باتباع خطواتهم النهائية حيث يُقتادون من الأبراج المحصنة عبر الباب إلى سفن العبيد مدركين أنهم لن يعودوا أبدًا.

لكن موقع حصن برينزينشتاين الدنماركي الذي احتجز العبيد في غانا في القرن الثامن عشر خسر الآن المدخل المعدني الأصلي والممر المجاور. وقال القائم بأعمال موقع اليونسكو للتراث العالمي جيمس أوكلو أكورليإن "موجات المد والجزر جرفت باب اللاعودة الرئيسي منذ زمن طويل".

ويبلغ عدد سكان أفريقيا حوالي خمس سكان العالم، ولكنها تنتج أقل من 4 في المئة من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية التي تعد المحرك الرئيسي لتغير المناخ.

وعلى الرغم من ذلك، تتأثر القارة بشكل غير متناسب بتأثيرات المناخ مثل الجفاف والفيضانات، مما يؤكد حاجة البلدان إلى الاستثمار في المشاريع التي تحمي البنية التحتية وتحسن القدرة على الصمود.

◙ حاجة ملحة إلى التمويل والموارد لزيادة فهم وتتبع التغيرات المناخية طويلة الأجل خلال السنين القادمة على المعالم التاريخية

وفي قمة المناخ للأمم المتحدة “كوب 27” في مصر، التي انطلقت يوم الأحد، سيناقش قادة العالم مقدار المساعدة المالية التي يجب على الدول الغنية تقديمها للدول النامية لمساعدتها على التعامل مع آثار الاحتباس الحراري.

لا توجد بيانات شاملة عن العدد الإجمالي لمواقع التراث الأفريقي المعرضة للخطر، لكن البحث بقيادة سيمبسون حول المواقع الساحلية وجد أن 56 موقعًا تواجه بالفعل فيضانات وتآكلًا يزداد بسبب ارتفاع مستويات سطح البحر.

وبحلول 2050، إذا استمرت انبعاثات غازات الاحتباس الحراري في مسارها الحالي، فقد يتضاعف هذا العدد ثلاثة أضعاف إلى 198 موقعًا، وفقًا للدراسة التي نُشرت في مجلة "نيتشر كلايمتتشينج" العلمية في فبراير.

ووجدت الدراسة، أن الأماكن المعرضة للخطر تشمل الأطلال المهيبة لميناء صبراتة النوميدي الروماني في ليبيا والمركز التجاري البوني - الروماني القديم في تيبازة والمواقع الأثرية في شمال سيناء في مصر.

وأضافت، أن جزيرة كونتا كينتي في غامبيا وقرية أنيهو غليدجي في توغو (وكلاهما مرتبط بتاريخ تجارة الرقيق في أفريقيا) أصبحتا في خطر أيضا.

كما أن مجموعة واسعة من المواقع ذات القيمة الطبيعية الاستثنائية معرضة للخطر حيث تؤدي درجات الحرارة المرتفعة إلى ذوبان الأنهار الجليدية، مما يتسبب في ارتفاع مستوى سطح البحر وزيادة تآكل السواحل.

أعاصير وتعرية

من ملامح ظاهرة التعرية
من ملامح ظاهرة التعرية 

تشمل هذه المحاور الغنية بالتنوع البيولوجي أراضي كورال فيلهو الرطبة في الرأس الأخضر مع نباتاتها الفريدة والطيور المهاجرة وألدابرا في جزر سيشيل، وهي واحدة من أكبر الجزر المرجانية المرتفعة في العالم، وموطن سلحفاة ألدابرا العملاقة.

وقال لازار إلوندوأسومو، مدير مركز التراث العالمي لليونسكو، إن "المواقع الأفريقية في خطر حقا بسبب الاضطرابات المناخية. نرى الأعاصير ونشهد الفيضانات ونشهد التعرية ونشهد الحرائق. أود أن أقول إن تغير المناخ هو أحد التحديات الرئيسية التي يواجهها التراث العالمي الآن وفي المستقبل".

وأكد أنه قلق بشكل خاص بشأن مواقع مثل أعلى قمة في أفريقيا، جبل كليمنجارو في تنزانيا، التي من المتوقع أن تفقد أنهارها الجليدية بحلول 2040 وتشهد انتشارًا متزايدًا لحرائق الغابات.

معالم تتآكل في شمال أفريقيا
معالم تتآكل في شمال أفريقيا

نظرًا إلى أن تغير المناخ يهدد مستقبل الثروات الطبيعية والثقافية الأفريقية، فإن الوظائف والسياحة المرتبطة بالمواقع التراثية تتعرض للخطر أيضًا.

يمكن أن يؤدي هذا إلى كارثة للمناطق السياحية مثل حصون العبيد في غانا والرسومات الصخرية الأصلية في ناميبيا وأحداث هجرة الحيوانات البرية في ماساي مارا في كينيا، التي تجتذب معًا أعدادًا كبيرة من الزوار وملايين الدولارات من عائدات السياحة السنوية.

لم تشكل القلاع في غانا، على سبيل المثال، تاريخ البلاد فقط، بل أصبحت أيضا مواقع حج للمغتربين الأفريقيين الذين يتطلعون إلى إعادة الاتصال بجذورهم وتكريم أجدادهم.

وشهدت أحداث مثل “عام العودة” في غانا في 2019، بمناسبة مرور 400 عام على وصول أول مجموعة لعبيد أفريقيين مسجلين إلى الأميركتين، أعدادا قياسية من الأفارقة الأميركيين والأوروبيين الذين شاركوا في جولات تراثية.

ويصل عشرات الآلاف من الزوار إلى ناميبيا كل سنة لمشاهدة بعض أكبر مجموعات الرسومات الصخرية في أفريقيا، مما يولد الدخل الذي تشتد الحاجة إليه للمجتمعات المحلية في الدولة ذات الكثافة السكانية المنخفضة في جنوب القارة.

وكان الصيادون وجامعو الثمار من شعب البوشمن قبل وقت طويل من وصول رعاة شعب دامارا والمستعمرين الأوروبيين وراء النقوش الصخرية القديمة، بما في ذلك توايفلفونتين، موقع التراث العالمي لليونسكو.

لكن علماء الآثار يخشون من الفيضانات المفاجئة المرتبطة بالمناخ والغبار ونمو النباتات والفطريات وقدوم الحيوانات الصحراوية التي تبحث عن المياه بالقرب من هذه المواقع بما يشكل تهديدا لبقاء الفن.

انفجارات صخرية

تأثيرات تغير المناخ واضحة
تأثيرات تغير المناخ واضحة 

اكتشف علماء الآثار من إندونيسيا إلى أستراليا تأثيرات تغير المناخ مثل ارتفاع درجات الحرارة المتغيرة والفيضانات وحرائق الغابات التي تتسبب في ظهور تقشير وحتى انفجارات صخرية في مواقع مهمة من الفن القديم.

وتخشى عالمة الآثار الناميبية المستقلة ألما ماكندجو نانكيلا من أن نفس الشيء يكمن في مخزون تراث بلادها من الفن الصخري. وقالت "يمكننا أن نرى بالفعل أن العمل الفني يتدهور بسرعة كبيرة”، مضيفة أن معظم العوامل التي أدت إلى التدهور "من المحتمل أن تكون مرتبطة بتغير المناخ". وأضافت، أن هناك حاجة ملحة إلى التمويل والموارد لزيادة فهم وتتبع التغيرات المناخية طويلة الأجل على مر السنين.

يقول دعاة حماية الحياة البرية في كينيا، إن أحد أشهر مناطق الجذب في التراث الطبيعي في العالم (الهجرة الجماعية للحيوانات البرية) معرضة للخطر أيضا. وتشهد الهجرة، وهي واحدة من أعظم مشاهد حركة الحيوانات على وجه الأرض، مئات الآلاف من الحيوانات البرية والحمار الوحشي والغزال وهي تقوم برحلتها السنوية من متنزه سيرينغيتي الوطني في تنزانيا عبر الحدود إلى ماساي مارا في كينيا.

◙ 56 موقعا ثقافيا في أفريقيا تواجه بالفعل فيضانات وتآكلا بسبب ارتفاع مستويات سطح البحر

ويجذب المشهد جحافل من رواد رحلات السفاري كل عام، وهم حريصون على مشاهدة الحيوانات البرية التي تقفز من التماسيح النيلية الجائعة أثناء عبورها لنهر مارا.

وتعتبر السياحة (التي يتركز معظمها في رحلات السفاري في ماساي مارا) ركيزة اقتصادية رئيسية لكينيا، حيث توفر وظائف لأكثر من مليوني شخص وتمثل حوالي 10 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للدولة الواقعة في شرق أفريقيا.

لكن خبراء الحفاظ على البيئة يقولون إن الهجرة الكبيرة مهددة بسبب زيادة موجات الجفاف والفيضانات في النظام البيئي الحساس لمارا، مما يحرم الحيوانات البرية من أراضي الرعي.

وقد أثر ذلك على عدد الحيوانات المهاجرة إلى كينيا وفترة بقائها. وقال يوسف واتو، مدير برنامج الحياة البرية في الصندوق العالمي للطبيعة غير الربحي في كينيا “تحدث هجرة الحيوانات البرية في وقت لاحق وتبقى لفترة قصيرة جدا. ولأن المطر قد تأخر في الوصول إلى مارا، أو بسبب هطول الأمطار في سيرينغيتي لفترة طويلة، فإنها لا تهاجر لأن لديها مرعى كافٍ على الجانب الآخر".

المزيد من البحث 

حتى الحيوان هجر مكانه الطبيعي
حتى الحيوان هجر مكانه الطبيعي 

على الرغم من العواقب بعيدة المدى المحتملة للخسائر والأضرار المرتبطة بالمناخ لمواقع التراث الأفريقي، فقد حظيت التهديدات باهتمام أقل بالكثير من المخاطر التي تتعرض لها المعالم الثقافية والطبيعية الأخرى في الدول الأكثر ثراءً.

وتقدر إحدى الدراسات أن 1 في المئة فقط من الأبحاث حول تأثيرات تغير المناخ على التراث مرتبطة بأفريقيا، على الرغم من حقيقة أن القارة كانت في الخطوط الأمامية للاحتباس الحراري منذ عقود.

وقال ديفيد بلوردو، الأستاذ المساعد في المتحف الوطني الفرنسي للتاريخ الطبيعي في قسم الإنسان والبيئة، الذي يقود فريقا أثريا في منطقة إرونجو في ناميبيا “نحتاج إلى المزيد من علماء الآثار الوطنيين".

استثمارات ضخمة لبناء أسوار دفاعية بحرية تحمي المواقع الساحلية
استثمارات ضخمة في بناء أسوار دفاعية بحرية لحماية مواقعها الساحلية

وتابع بلوردو، الذي يعمل مع عالمة الآثار الناميبية نانكيلا، "نحتاج إلى المزيد من التدريب للطلاب الناميبيين والتمويل وإلى مجلس التراث الناميبي لتوظيف المزيد من علماء الآثار".

وضخّت بعض الدول مثل غانا ومصر استثمارات ضخمة في بناء أسوار دفاعية بحرية لحماية مواقعها الساحلية. لكن سيمبسون قال إن إستراتيجيات "الحماية القوية" هذه لا تأخذ في الكثير من الأحيان في الاعتبار مستويات سطح البحر في المستقبل ويمكن أن تشوه توازن الموقع الطبيعي بيئيا.

ويمكن أن تكون وسائل الحماية المختلطة التي تشمل البنية التحتية الطبيعية مثل الجدران الصخرية والمستنقعات المالحة أو الأعشاب البحرية أو غابات المانغروف المستعادة لإبطاء حركة الأمواج أكثر فعالية. وأضاف أنه من الضروري أيضا تحسين الإدارة حول المواقع المهددة وضمان مشاركة المجتمعات المحلية في جهود الحفظ والحماية.

وبالعودة إلى حصن برينزينشتاين، يشير القائم بالأعمال أكورلي إلى بعض الكلمات المحفورة على الجدار الخلفي المتهالك لواحد من الأبراج المحصنة للعبيد القليلة المتبقية، إلى "أن يكون للأسد مؤرخ، فإن الصياد سيكون دائما بطلا".

وتابع "يمكن تشويه التاريخ في الكثير من الأحيان. تخبرنا مواقع مثل هذه بالحقيقة المؤلمة. ونحتاج لهذا السبب إلى الاعتناء بها. نحتاج إلى معرفة ما حدث في الماضي، حتى نتمكن من التعلم في المستقبل".

18