الحرارة تُقصّر أعمار حيوانات حديقة الزوراء في بغداد

لئن اعتاد العراقيون تحمل درجات الحرارة المرتفعة في الصيف، فإن حيوانات حديقة الزوراء تكابد للعيش في حرارة تجاوزت الخمسين درجة مئوية، خاصة بسبب تراجع الخدمات وعدم اهتمام المسؤولين بهذه الكائنات ذات المناعة الضعيفة.
بغداد – يجهد نمران سيبيريان لالتقاط أنفاسهما، مستلقيَين قرب حوض في حديقة الحيوانات الوحيدة في بغداد، في حرارة تجاوزت الخمسين درجة مئوية يعاني منها البشر والحيوانات على السواء، فيما الأقفاص القديمة في الحديقة تزيد الوضع تعقيداً.
ولا تبدو على النمرين ملامح الراحة، فهذا النوع من الحيوانات، وموطنه الطبيعي في أقصى الشرق الروسي، معتاد على العيش في مناطق “تنخفض فيها درجات الحرارة إلى ما دون العشرين تحت الصفر”، على ما يوضح الطبيب البيطري في الحديقة وسيم صريح.
وفي شهر أغسطس الحالي، تعاني العاصمة العراقية كما أرجاء البلاد كافة من درجات حرارة شديدة الارتفاع. وفي بغداد تصل الحرارة إلى خمسين درجة مئوية، وهو ما سُجّل فعلاً خلال موجة الحر الحالية يومي الأحد والاثنين.
ويُعدّ ذلك انعكاسا واضحا لمعطيات الأمم المتحدة التي صنّفت العراق بأنه من بين أكثر الدول عرضةً للتأثر ببعض تأثيرات التغير المناخي.
ويمرّ العراق كذلك بموجة جفاف للعام الرابع على التوالي. ويشكّل ذلك مشكلة حقيقية للسكان الذين يعاني أغلبهم من نقص الكهرباء وشح المياه. لكن حيوانات حديقة الزوراء في وسط العاصمة العراقية تكافح أيضا لأن مناعتها ضعيفة كما يؤكد ذلك الأطباء البيطريون.
وتقع الحديقة في جانب الكرخ من بغداد، وأنشئت نهاية ستينات القرن الماضي على مساحة تبلغ 55 دونماً (55 ألف متر مربع)، وتضم نحو 900 حيوان، بينها أسود وطيور جارحة ودببة وقرود.
ولمواجهة درجات الحرارة المرتفعة، وضعت إدارة الحديقة “أحواض مياه للدببة والنمور التي تحتاج للسباحة يومياً، إضافة إلى مبردات الهواء”، كما يقول مدير الحديقة حيدر الزاملي.
وتجمّعت قردة تحاول الفرار من حرارة الصيف أمام مبردّ للهواء وُضع أمام أحد أقفاصها.
مع ذلك، فإنّ المياه المخضرّة لا تشجّع النمور فعلاً على السباحة، أما أغلب الأقفاص فهي قديمة، وبعضها “أنشئ في السبعينات”، وفق الزاملي.
واشتكى الأطباء البيطريون المسؤولون عن متابعة الحيوانات في متنزه الزوراء من وجود إهمال متعمد وشخصوا تراجع الحالة الصحية للحيوانات نتيجة الإهمال وقلة الطعام والعلاجات.
ويقول صريح إن “الأقفاص الموجودة في الحديقة متخلفة جداً مقارنة بالحدائق العالمية.. أغلبها تلائم حيوانات المناطق الحارة، ليست لدينا أقفاص لحيوانات المناطق الباردة”.
ويشرح الطبيب أن الحرارة المرتفعة تشكّل “ضغطاً على الحيوان ما يؤدي إلى انخفاض عمره الافتراضي” مقارنة “ببقية الحدائق في العالم”.
ووفقا للطبيب، لا يتعدى أمد حياة النمر السيبيري في الحديقة 17 أو 18 عاماً بسبب الجهد الحراري، مضيفاً أن هذا “الحيوان يعيش عادة في الأقفاص حتى 20 و25 عاما” في حدائق مناطق أخرى.
ويقول إن أربعة دببة وأسودا وطيورا مختلفة قد نفقت خلال السنوات الماضية، مؤكدا أن “أكثر من 50 في المئة من حالات النفوق سببها التغير المناخي”.
في غضون ذلك، بدت الحديقة خالية تماما من الزوار، فيما تتردد أصوات طيور وحيوانات بين حين وآخر.
ورغم كل ذلك، يواصل عمال ومسؤولون عن الحيوانات العمل رغم أجورهم المتواضعة، ومن بينهم كرار جاسم (32 عاما)، وهو أب لطفلتين، يعمل منذ 15 سنة في هذه الحديقة لكن راتبه الشهري لا يتخطى 250 ألف دينار (حوالي 165 دولاراً) شهريا.
ويتولى هذا الشاب يوميا منذ الثامنة صباحا حتى الثالثة بعد الظهر تغذية الحيوانات ومتابعتها والعناية بنظافة أماكنها.
ويقول البيطري وسيم صريح إن أجور العاملين “جداً قليلة ولا تتلاءم مع الخطورة التي يتعاملون بها معها، كإصابات وأمراض”. ويضيف أنه على الرغم من المطالبات المتكررة، لاسيما لأمانة بغداد التي تملك الحديقة، “لم نجد أيّ آذان صاغية”. وإذا استمر الوضع على ما هو عليه، يرى صريح أن “الحديقة ستنتهي في المستقبل القريب”، لاسيما في حال غياب “خطة عمل” لإعادة تأهيلها. ويقول متحسراً إنه في حال حصل ذلك فإن “المجتمع سيخسر”.
